مفهومُ الشهادة الحقيقي عبّر عنه الشهداء
عبد القوي السباعي
لعلَّ المتأمّلَ في مضامين المشروع القرآني العظيم ومنهجية المسيرة القرآنية المباركة، سيدركُ أنها رسّخت المفاهيمَ الصحيحةَ عن الشهادة وثقافة الاستشهاد، وأحيت في أوساط الجماهير اليمنية روحيةً عاليةً للتضحية في سبيل الله، والأمل الكبير بالله، والسعي الحثيث للفوز برضوانه -سبحانه وتعالى-، كما أنها حطَّمت أغلال الخوف والرهبة من مواجهة الموت.
وقدّم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله عليه– في إطار المشروع القرآني مفهومَ الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، والتقديم الناضج، الذي أثمر نصراً في واقع الأُمَّــة ولا يزال، وهو ما سارت عليه المسيرة القرآنية بقيادة السيد القائد العلَم عبدالملك الحوثي –يحفظه الله– والذي شيّد بنيانه وخطَّ مساراته كمشروعٍ عالمي لن يتوقف.
المشروع غدا مجسَّداً في تحَرّكات كافة الأحرار في كُـلّ مكان من العالم، وأضحت نماذجه حاضرة في الميدان، بقوةٍ وعزيمةٍ وإصرار، وبنجاحاتٍ ملموسة، في كُـلّ مجالات الحياة، وما نراه اليوم في اليمن، يشهد على صحة وإيجابية وأهميّة وضرورة هذا المشروع الذي ترجم المفهوم الحقيقي للشهادة، بشكله الصحيح، والهادف إلى تشكيل واقع إيمَـاني ناهض بنفسه عن وعي وبصيرة، وفارضاً على الأرض متغيرات مهمة وإيجابية، تصنع الحرية والمجد، والكرامة والعزة، والسيادة والاستقلال، متوجاً بالنصر والتمكين، بإرادَة الله سبحانه وتعالى.
ورسخ مفهوم الشهادة في سبيل الله بمدلوله الحقيقي في اليمنيين الأحرار روحية البذل والعطاء إلى أعلى المراتب، وأرقى المستويات، وجعل من المجاهد اليمني المؤمن إنساناً معطاء في حياته، وخَيِّراً في تعاملاته، وفاعلاً مُحسناً في جميع مساراته، ومثمراً في شتى مناحي مسؤولياته، وظل مصدر خيرٍ لأمته وقضيته ومجتمعه ومحيطه.
مفهومُ الشهادة عبّر في إطاره الصحيح، عن قيم وأخلاق شهدائنا الأبرار ومجاهدينا الأحرار، وعن مصاديق الإيمَـان والتولي الحقيقي لله سبحانه، وسوله، ومن أمرنا بتوليهم، ومصداقية التحَرّك في استشعار المسؤولية تجاه الأُمَّــة ونصرة المستضعفين؛ لأَنَّ الشهداء عندما تحَرّكوا وانطلقوا وقدموا حياتهم واسترخصوا دماءهم وأرواحهم، كانوا منشدِّين نحوَ الله سبحانه، متلهفين للقائه والفوز برضوانه.
كما عكست ثقافة الاستشهاد عن عزة النفس وعظمة المشروع والقيم التي حملها الشهداء في وجدانهم وجسدوها في حياتهم مواقفَ مشرفة وعظيمة، جعلتهم يتألمون حينما رأوا جبروت الظلم، وشاهدوا طغيان الباطل على وطنهم وشعبهم، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على الواقع من حولهم، بل انطلقوا أُسُوداً في مواجهته وكبح جماحه، لم يهابوا الموت، ولم يأبهوا لقوى الطاغوت والبغي والعدوان.
روحُ العطاء والإيثار والتضحية والفداء والثبات والاستبسال، كل تلك المعاني والقيم اختزلها الشهداء وتحَرّكوا وهم يحملونها، وظهرت في مواقفهم وصمودهم، وفي النهاية استشهادهم، عبّروا بذلك كله عن المبادئ الدينية والوطنية والأخلاقية، وجسّدوها على أرض الواقع موقفاً وتحَرّك، قولاً وعملاً، وبذلاً وعطاء لا يساويه عطاء في واقع التضحيات الإنسانية الأُخرى.