21 سبتمبر الثورة التي أزهرت وأثمرت في زمن الخريف
عبدالله علي صبري*
لستُ بصدد كتابةِ مقالةٍ أدبية كما قد يوحي العنوان، ذلك أن الثورةَ الشعبيّةَ اليمنيةَ جاءت في توقيت مفصلي على النطاقين المحلي والإقليمي، وحين كانت ثوراتُ الشباب أَو ما يُعرف بالربيع العربي تترنَّحُ واحدةً بعد الأُخرى، وتتساقَطُ أوراقُها كما أشجار الخريف جاءت ثورةُ 21 سبتمبر في سياقٍ مختلفٍ وبعناوينَ مختلفة، وشقَّت مسارَها متجاوزةً كُـلَّ التحديات، حتى أمكن القول إنها قد انتصرت للأهداف والشعارات التي رفعتها في وقت قياسي، وما زالت تَغُــذُّ السيرَ نحو التغيير الكبير الذي لن يتوقفَ عند حدود اليمن وجغرافيتها. وهكذا فنحن أمام ثورة أزهرت وأثمرت وبشرت بربيع اليمن في زمن خريف العرب.
❖ شواهدُ انتصار الثورة ونجاحها
– 21 سبتمبر ثورةٌ تصحيحية وضعت حدًّا لتقاسم قوى النفوذ في اليمن وأعادت الاعتبار لثورة 11 فبراير التي انحرفت بها المبادرة الخليجية وتدخلات الدول العشر.
– ثورة شعبيّة انخرط في صفوفها المستضعفون من أبناء الشعب في الأرياف قبل المدن وفي المحافظات قبل العاصمة، وخضعت لقيادةٍ فعليةٍ لا افتراضية، فكانت تحَرُّكًا خارج نطاق التواصل الاجتماعي ومنصاته الشهيرة.
– ثورةٌ أعلت من شأن السيادة وقالت كلمتَها في وجه الوَصاية والهيمنة الخارجية سعوديّةً أكانت أَو أمريكية.
– ثورةٌ تجاوزت فَخَّ الحرب الأهلية ولم تتورط في العنف الثوري، بل أمكن لها حفظُ الأمن والاستقرار عبر لجان شعبيّة اتسم أداؤها بالإخلاص والورع والمسؤولية.
– ثورةٌ كان قوامها أبناء القبائل لكنها لم تخضع للمنطق القبلي والعصبية العشائرية، بقدر ما أخرجت أجمل ما في القبيلة من روابط اجتماعية، ومن إيثار وكرم ونخوة وإقدام وحمية محمودة.
– ثورة قامت على أنقاض دولةٍ هشة وجيش مفكَّك وخارطة سياسية مثخنة بالانقسام والتشظي، فحافظت على ما تبقى من مؤسّسات الدولة وحالت دون انهيارها، وبنت جيشا قويا أصبح اليوم حارسا أمينا للثورة ومكتسباتها.
– ثورةٌ حاربت الإرهاب والجماعات التكفيرية وانتصرت عليها في الوقت الذي كانت داعش تعلن عن قيام دولة الخرافة في العراق وسوريا.
– ثورة استنفرت طاقاتِ المجتمع واستنهضت قدراتِ الشعب وتاريخَه العريقَ في مواجهة الحرب العدوانية التي شنتها كبرى دول المنطقة مدعومة من كبرى دول العالم فصمدت واستبسلت واستجمعت قواها، فأخرجت من ضعف اليمن قوة، وسطرت ملحمة الفداء في أروع صورة حتى أعترف لها العدوّ قبل الصديق.
– ثورةٌ بسطت يدَ السلام والشراكة لخصومها وتساهلت معهم إلى الحدِّ الذي كادوا أن ينجحوا في الانقلاب عليها، من خلالِ فتنة ديسمبر التي تمكّنت الثورة من إخماد نيرانها، ومحاصرة تداعياتها ومعالجة آثارها على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية.
– ثورةٌ قدمت أُنموذجاً للقيادة في مختلف الإدارات والجبهات، ويكفيها فخراً أنها قدمت أنموذجَ الرئيس الشهيد صالح الصمَّاد، الذي كان رجل المسؤولية بحق، وجامعاً للخصال الحميدة كإنسانٍ ومواطِنٍ قبل أن يكونَ قائداً ورئيساً.
– ثورةٌ لم تغفل عن البناء الداخلي ولم تقف عاجزةً حيال الحصار الخارجي فأمكن لها أن تطوّر قدراتها العسكرية والاقتصادية حتى باتت صواريخها تقرع الأجراس في تل أبيب.
– ثورةٌ اشترك فيها كُـلُّ فئات الشعب رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، مدنيين وقبليين، علماءَ وإعلاميين، وساسة وأكاديميين… إلخ.
– ثورةٌ خلقت فارقاً اجتماعياً وقلبت الموازين حين رفعت أقواماً وخفضت آخرين، فكانت بمثابة سفينة نوح لمن أراد النجاة والنجاح.
– ثورةٌ أعيت المتسلقين والانتهازيين فسقط الكثيرُ والكثيرُ منهم غير مأسوفٍ عليهم.
– ثورةٌ أحيت التكافُلَ الاجتماعي وجعلت من الزكاة عبادةً جماعيةً تؤتي أُكُلَها كُـلّ حين.
– ثورةٌ ما يزال الآلافُ من المؤمنين بها يتسابقون لنيلِ وسام الشهادة في سبيل الله والوطن، فكانوا رجالَ الله وأنصاره ولم يبدلوا تبديلا.
– ثورةٌ انتصرت لفلسطين والمقاومة في زمن التطبيع والخيانة.
– ثورةٌ كانت القيادةُ والمرجعيةُ الدينية والوطنية والسياسية ممثلة بالسيد القائد عبد الملك الحوثي سِرَّ نجاحها وصمامَ أمانها وبوصلة لمن شاء إلى الهداية سبيلا.
❖ وماذا بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد:
من لا يتقدمْ يتأخرْ حتماً، ومن تباهى بالكمال غدر به النقصان.. ولا أسوأ من فشل الثورات سوى الظن بأن رجالها قادرون عليها، فإذا بهم كمن ضل الطريق وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
– فالعدوانُ لا يزال قائماً وكذلك الحصار، وَإذَا كنا قد انتزعنا الهُــدنة بأيدينا، فلا مناصَ من تحقيق النصر الناجز سلما أَو حربا.
– الوحدة اليمنية سياسيًّا وجغرافياً تبقى التحديَ الأكبر أمام الثورة وقيادتها، وَإذَا كانت مؤامرات الأعداء كبيرة وخطيرة، فلتكن جهودنا الوحدوية أكبر وأسرع.
– الحلُّ السياسي والحوار اليمني اليمني مع الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة والفعلية في الجنوب والشمال، بما يفضي إلى مصالحة تاريخية وشراكة وطنية في السلطة والثروة وفي المواجهة والنهضة وبناء دولة لكل اليمنيين.
– الاتّفاقُ على دستور وعقد اجتماعي جديد يُعلِي من شأن السيادة والجمهورية والعدالة والديمقراطية وتداول السلطة سلميا، واحترام الحريات وحقوق الإنسان.
– بلورةُ مشروع نهضوي شامل برؤية استراتيجية معاصرة بالاستفادة من التجارب العالمية في الشرق قبل الغرب كما في الصين واليابان وماليزيا. واعتبار التعليم حجر الأَسَاس في التقدم والتغيير المنشود.
– إنصافُ المرأة وتمكينها من العمل والانخراط في الحياة العامة بعيدًا عن الصورة النمطية، إذ نحن في زمن الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي، والثورة الرقمية التي تعصف بالدول والمجتمعات.
– العدالةُ وسيادة القانون وإصلاح القضاء وضمان نزاهته واستقلاله، ملف محوري في البناء والاستقرار.
– نحو ثقافة وطنية قوامُها المواطَنة المتساوية وأَسَاسُها الولاء للوطن، وعنوانُها “كرامة الوطن من كرامة المواطن”.
وما أحوجَنا في الأخير إلى تعزيز الهُــوِيَّة الإيمَـانية المتسامحة زيديةً وشافعيةً، ونبذ العصبية والطائفية، ومختلف صور الغلو والتطرف الديني.
سفير الجمهورية اليمنية لدى سوريا