الرياض تطيح بشرعيتها وتعلن هزيمتها.. كيف ستكون الجولة القادمة؟
علي الدرواني
مع ساعات الفجر الأولى من يوم الخميس، أعلنت الرياض عن حَـلِّ وإنهاءِ شرعيتها المزعومة والتي تحارِبُ مِن أجلِ إعادتها منذ أكثر من سبع سنوات، في خطوة اعتبرت تحوُّلاً كَبيراً في مسار الحرب السعوديّة في اليمن، وتفتح مسارات جديدةً وآفاقاً مغايرةً لما كانت عليه طوال سبع سنوات مضت، وستكشف الأيّام طبيعة هذه المسارات.
الدفعُ بهادي للتخلي عن صلاحياته وتشكيل مجلس بديل، هو إقرارٌ ضمني بعجز السعوديّة عن إعادة ما تسميها الشرعية، وهزيمتها في اليمن، بعد فشل حربها في تحقيق أهدافها المعلنة، وبالتالي انتصاراً لليمن والقوى الوطنية الرافضة للهيمنة السعوديّة والمشاريع الأمريكية.
بعد حفلة المشاورات الاستعراضية تمخضت عن مجلس مكون من ثمانية أشخاص بالمناصفة الشكلية بين المؤتمر والإصلاح، من جهة، وبين الشمال والجنوب من جهة أُخرى، وبين السعوديّة والإمارات من جهة ثالثة، والغرض منها -حسب قرار هادي- هو إدارةُ الفترة الانتقالية، سياسيًّا وعسكريًّا، ويتولى مسؤوليةَ المفاوضات مع أنصار الله.
الخطوةُ تأتي -بطبيعة الحال- في سياق ترتيب وضع المرتزِقة، وتنظيم صفوفهم، حسب ما نص عليه القرار الذي تلاه هادي، إنهاء الانقسامات فيما بينهم، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، وهي المهمة التي فشلت فيها اتّفاقيات الرياض واحد واثنان، ليأتيَ القرارُ الجديدُ لتوسيع الدائرة ويشمل بقية مكونات الارتزاق، ويضع ممثلين عنهم في ما يسمونه مجلس القيادة.
كان لافتاً في ديباجة القرار وبنوده والمهام الموكلة إلى المجلس الجديد، هو خلوُّها من أية عبارات توحي بالحرب أَو الاجتثاث التي كانت لازمةً لكل خطابات تحالف العدوان وشرعيته المزعومة، وكذلك غابت توصيفاتُهم المتكرّرةُ للطرف الوطني في صنعاء بالانقلاب أَو المتمردين أَو المشروع الفارسي، بل وصلت أبعدَ من هذا، أن خصَّصت فقرةً في مهام المجلس هي للتفاوض مع (أنصار الله)، مع ما تضمَّنته من محاولة للقفز على مفهوم الدولة في صنعاء، والقائمة بكل أركانها الدستورية، المجلس السياسي، وحكومة الإنقاذ، ومجلس النواب وبقية مؤسّسات الدولة.
هذه الصياغةُ لم تنطلِ على صنعاء، وكان جوابُ رئيس وفدها المفاوض محمد عبدالسلام، واضحًا بأن: حاضر ومستقبل اليمن يتقرّر داخل اليمن، وأيُّ نشاط خارج حدوده عبارة عن مسرحيات هزليةٍ وألعاب ترفيهية تمارسها دول العدوان، مضيفاً: طريق السلام بوقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية، ودون ذلك محاولة يائسة لإعادة ترتيب صفوف المرتزِقة للدفع بهم نحو مزيد من التصعيد، وأن شعبنا اليمني ليس معنياً بإجراءات غير شرعية صادرة عن خارج حدود وطنه عن جهة غير شرعية.
هذا الموقف يضعُ المؤشراتِ التصالحيةَ في موقعها الشكلي فقط؛ لأَنَّها -من حَيثُ المضمون- لا تزال في مربعات العدوان الأولى، ولا يبدو أن الرياض جاهزة بشكل جدي لبحث حلول فعلية لليمن، وترك اليمنيين يقرّرون مصيرهم ومستقبلهم السياسي، بقدر ما تسعى لترسيخ وَصايتها على اليمنيين المنضوين تحت إبطها بصورة مذلة، وما تخلِّي هادي عن صلاحياته بهذه الصورة المشينة، واستقبال ابن سلمان للمجلس المستحدث لتسليم سلطات هادي، إلَّا أمثلة عن النظرة السعوديّة للأطراف اليمنية ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه اليمن، وهو الأمر الذي لن يقبله اليمنيون الشرفاء على أنفسهم، وقدموا التضحيات الكبيرة في التصدي للعدوان والسنوات التي سبقت العدوان، ولا يمكن العودة إلى تلك المرحلة بأي شكل من الأشكال.
الإخراجُ الجديدُ وتغييرُ السيناريوهات التي ترسُمُها واشنطن والرياض للأحداث في اليمن، يكشفُ عن حالة التخبط الكبيرة التي تعيشها قوى العدوان، ومحاولاتهم للبحث عن أسباب الفشل، أَو فتح منافذ للتراجع السعوديّ، ونصب سلالم للنزول من شجرة العنتيريات التي تعودت عليها الرياض تجاه اليمن.
طوال سنوات الحرب العدوانية، كانت السعوديّة تبحث عن أسباب الفشل وتأخر حسم المعركة العسكرية، فنقلوا البنك المركزي إلى عدن وقطعوا المرتبات عن الموظفين؛ ظناً منهم أن صرف المرتبات ووجود البنك في صنعاء هو العامل الوحيد لصمود الشعب اليمني، ثم شدّدوا الحصار على ميناء الحديدة ومنعوا وصول المشتقات النفطية والوقود، وغيرها من الإجراءات ومحاولات إصلاح جسدِ الشرعية المزعومة باتّفاق الرياض 1، ثم اتّفاق الرياض 2، وكلها باءت بالفشل.
اليومَ من الواضح أن السعوديّة أدركت سببًا جديدًا لفشلها في تحقيق أهدافها المعلنة وعلى رأسها إعادة الشرعية، وهو الشرعية نفسها، هادي نفسه ونائبه على محسن الأحمر، يمثلون اليوم شماعة الفشل السعوديّ، وقرّرت -بناءً على هذا الاستنتاج- إزاحتهما معاً، أولاً يقرّر هادي من موقعه إعفاءَ محسن من منصبه، ثم ينقل صلاحياته كاملة إلى مجلس من ثمانية أعضاء، رئيس وسبعة نواب، وجاءت عبارة (لا رجعة فيه) لتؤكّـد أنه تم الإطاحة بهادي إلى غير رجعة بشكل فعلي.
هذه الإطاحةُ تنسفُ مبرّراتِ الحرب والعدوان، وتضعُ الأطرافَ التي تقاتل إلى جانب تحالف العدوان بمبرّر ما تسميه الشرعية، في حالة انكشاف كامل أمام الشعب، وأنهم مُجَـرّد أدوات بيد السعوديّة، تتلاعب بهم كيف ما تشاء، وما حصل في الرياض قبل صدور مسرحية نقل السلطات، من خلافات بين المرتزِقة وعدم حسم الأمور السياسية، وتوقعات تمديدِ المشاورات الهزلية، ثم ما تلاها من صدور هذا الإعلان، إلَّا دليل على أن القرار تم صياغته في قصر ابن سلمان، والإيعاز لهادي بتلاوته، دون حساب رضاه من عدمه، وقد كانت الصور التي نقلت أثناء لقائه بخلفه يبدو عليه آثار الامتعاض والاستياء، والإذلال، وهي النهايةُ الحتميةُ لأمثاله.
عواملُ فشل المجلس المستحدَث أكثرُ من عوامل نجاحه، وكُلُّ ما فعلته الرياض أنها ستنقلُ الخلافاتِ من الميدان إلى رأس هرم السلطة التابعة لها؛ نظراً لتضارب المصالح الشخصية والحزبية لدى أعضائه، وصعوبة جمعهم تحت قيادة عسكرية واحدة، لا سِـيَّـما مع تعدد المشاريع وتضاربها فيما بينهم، وما حديث السعوديّة عن وديعة بثلاثة مليارات دولار للبنك في عدن، إلَّا محاولة لتزخيم المجلس ومحاولةٌ بائسةٌ للتغلب على المشاكل التي تعترضُ طريقه، فرئيسُه رشاد العليمي لا يتكئُ على أي سند ميداني، بينما أطرافٌ مثل الزبيدي والمحرمي وطارق عفاش لديها مليشيا مسلحةٌ ومدعومة إماراتياً، الحزام الأمني والعمالقة، بالإضافة إلى مليشيا حزب الإصلاح، وهذه المليشياتُ تستطيعُ التمردَ على القرارات، ولا سيَّما فيما يتعلق بدمج القوات وهيكلتها، وهي المعضلة التي ظلت تواجهُ الرياض وأبوظبي منذ توقيع اتّفاق الرياض الأول والثاني.
كُلُّ هذا لا يبشِّرُ بأية خطوات جادة نحو السلام الحقيقي، بقدر ما يكشفُ هزيمةَ السعوديّة ومشروعها في اليمن، ومحاولات تزخيمه بتغييرات قد يراها البعضُ جذريةً في هيكل الشرعية المزعومة، وما تعهُّدُها بمبلغ ثلاثة مليارات ريال إلَّا واحدةٌ من وسائل التجديد والتجميل والترقيع، وأما أبوابُ السلامِ فهي معروفة، تبدأ برفع الحصار الكامل، وإنهاء العدوان الشامل، وإخراج القوات المحتلّة، وترك اليمنيين بشكل فعلي لحوار يمني يمني لتقريرِ وتحديدِ مستقبلهم.