يجب ترسيخ مفهوم الشهادة لمواجهة طاغوت العصر
عندما نأتي إلى الظروف التي نعيشها كأمةٍ إسلاميةٍ في هذه المرحلة، وكشعبٍ يمني، وبقية شعوب المنطقة بشكلٍ عام، نجد -أيضًا- القيمة الكبيرة جدًّا لمفهوم الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى” في الظروف التي نعيشها، وفي التحديات التي نواجهها، ونجدها من المتطلبات المهمة في كل السياقات المذكورة آنفًا؛ في سياق: أن ننجز مشاريع مهمة تبني واقعنا، وتصلح واقعنا، وتغير واقعنا إلى الأفضل، وفي سياق: أن نواجه التحديات، وأن نتحدى الأعداء من الطغاة والظالمين والمستكبرين، الذين هم في حالة هجوم على أمتنا. أمتُنا الإسلامية بشكلٍ عام وبمختلف شعوبها، هي في حالةٍ من الاستهداف المعادي من قوى الاستكبار والشر العالمي، وفي مقدمتها: أمريكا وإسرائيل، وأمتنا مستهدفة استهدافًا شاملًا على كل المستويات: على المستوى الثقافي، والفكري، والإعلامي، والاقتصادي، والسياسي، والأمني، والعسكري. والاستهدافُ لها استهداف يشمل كل مجالات حياتها، وفي نهاية المطاف، الهدف الرئيسي من وراء كل أجندة الأعداء ومؤامراتهم: هو السيطرة الكاملة على هذه الأمة، والاستغلال لهذه الأمة في واقعها البشري، وفي إمكاناتها المادية، وعلى مستوى موقعها الجغرافي، ومعنى ذلك: أنَّ الأمة إذا لم تتجه بكل جدية للتصدي لهذا الاستهداف؛ فإنها معرَّضةٌ لأن تخسر كل شيء: دينها ودنياها، حريتها، وكرامتها، وعزتها، ووجودها كأمةٍ لها منهج، لها مشروع، لها حضارة، لها قيم، لها أخلاق. الأعداء يسعون إلى تذويب هذه الأمة ككيان لا يبقى لها كيان، لا تبقى أمة، وإلى تشتيتها وتفكيكها كليًا، وبعثرتها بشكلٍ كامل، والسيطرة عليها وتطويعها، واستعبادها واستغلالها، وهذه حقيقةٌ مؤكَّدة لا شك فيها، لا شك فيها.
والقرآن الكريم والإسلام العظيم من أهم ما يقدِّمه لنا: أنه يحررنا من ذلك إذا التزمنا به، إذا تمسكنا به، إذا سرنا على منهجه، إذا آمنا بمبادئه إيمانًا نلتزم به في واقعنا العملي، وفي استشعارنا للمسؤولية، يحررنا من ذلك، بل إنَّ الإسلام في أعظم مبدأ من مبادئه التي تعبِّر عنها كلمة الشهادتين، وفي مقدمتها: شهادة أن لا إله إلا الله، من أول ومن أهم ما يقدِّمه لنا: أنه يحررنا من ذلك، وليس فقط يحررنا من تقديم طقوس معينة لأصنام حجرية، وإنما -أيضًا- يحررنا من العبودية للأصنام البشرية، التي هي أكثر خطورة حتى من الأصنام الحجرية.
الصنم الحجري الذي كان يتوجه إليه العرب في يومٍ من الأيام، ما كان ينفعهم، وضرهم منه فيما قدموه له من طقوس، وفيما اعتقدوه له من شركٍ في الألوهية مع الله “سبحانه وتعالى”، في كل ما يترتب على ذلك من شر كبير عليهم، وعقوبات كبيرة، وصرف كامل عن هدي الله، وعن منهج الله، وفيما في ذلك من خرافة وضياع وشتات، لكن الأخطر من ذلك هم الأصنام البشرية من الطغاة والمجرمين، الأخطر من ذلك هو الطاغوت في كياناته الكبرى، التي هي بشكل أنظمة متسلطة، وحكومات جائرة، ودول وكيانات كبيرة، لها مشاريع وأجندة تهدف إلى استغلال بقية المجتمعات البشرية، والسيطرة عليها في كل شيء: في قرارها، في حريتها، في أفكارها، في ثقافتها، بما يطوِّعها ويخضعها إخضاعًا تامًا، وبما يساعد على السيطرة عليها سيطرةً مطلقة، فتتحول في نفسك كعربيٍ مسلم، أو كرجلٍ مسلم من أي بلدٍ أنت، تتحول في هذه الحياة إلى مجرد خاضع مسخَّر مطيع بشكلٍ كامل لأمريكا ولإسرائيل، وتتحول مسيرة حياتك هنا في هذه الدنيا وفق ما يرسمه الأمريكي والإسرائيلي، إما بشكلٍ مباشر، وإما عبر عملائه؛ تتحول جهودك، وأعمالك، وطاقاتك، وتحركاتك في هذه الحياة ومواقفك، وفق ما يريده الأمريكي والإسرائيلي فيما يحقق مصلحته، وليس مصلحتك أنت، وفيما يسبب لك أنت سخط الله عليك، وغضب الله عليك، فتخسر في الدنيا وتخسر في الآخرة، وهذه مسألة خطيرة جدًّا. لنواجه هذا الخطر وهذا التحدي الذي يستهدفنا من قوى الشر والاستكبار والإجرام لمواجهة طاغوت العصر المتمثل بأمريكا وإسرائيل وعملائهم؛ نحتاج إلى ترسيخ هذا المفهوم العظيم: الذي هو الشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، لماذا؟ لأنه لا بدَّ منه ليس لنفنى، بل لننتصر، لا بدَّ منه في تحقيق الانتصار.
إذا كنا مجتمعًا معطاءً، إذا كنا أمةً تقدِّم التضحيات، معنى ذلك: أننا سنكون أمةً عزيزة، أبيةً للضيم، أمةً تمتلك الشجاعة، وتمتلك الحرية، وتمتلك قوة الإرادة، تمتلك العزم الذي لا بدَّ منه في مواجهة تحدياتٍ كهذه، معنى ذلك: أننا سنحضر في الميدان في كل مجال: في الميدان السياسي، الميدان العسكري، الميدان الاقتصادي، ونحن نحمل طاقةً كبيرة، ونحمل استعدادًا عاليًا للعمل، للأداء، للتضحية، فسنكون على أعلى مستوى من البذل، من العمل، من الجهد، من الجرأة، من الشجاعة، من الإقدام، وسنعمل -كما قلنا في البداية- ما يجب أن نعمله، هناك الكثير مما يجب أن تعمله الأمة، وستترسخ في واقع حياتنا كل هذه القيم: العزة قيمة إيمانية عظيمة جدًّا، وتليق بالإنسان، والله أكرم الإنسان عندما أراد له أن يكون عزيزًا، أكرم عباده المؤمنين عندما قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، لا يمكن أن نكون أمةً عزيزةً، تتجسد العزة في مواقفها وفي مسيرة حياتها، إلَّا إذا كنا في جرأتنا وإقدامنا على مستوى الاستعداد العالي للتضحية وللشهادة في سبيل الله، وتحركنا لمواجهة التحديات والأخطار والأعداء، مهما كانت إمكاناتهم، ومهما كان جبروتهم، ومهما كانت الوسائل التي بأيديهم، وعمليًا ثبت ذلك، ثبت عمليًا، بدءًا بتاريخ الأنبياء “عليهم الصلاة والسلام”، وفي ختام هذه التجربة الكبيرة العملية التي عاشها الأنبياء تجربة رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، التضحيات التي كانت وقُدمت في واقع المسلمين، في أوائل المسلمين في ذلك العصر، أثمرت نصرًا، أثمرت عزةً، أثمرت كرامةً، صنعت التحولات، صنعت المتغيرات بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، بنصره، بعونه؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” عندما تصل الأمة في أدائها، في قيمها، في أخلاقها، في ثباتها، في موقفها، في مصداقيتها، إلى هذا المستوى من العطاء والثبات مع التضحية، فالله “سبحانه وتعالى” يمنحها النصر، يقف إلى جانبها، يعينها، يؤيدها، ينصرها.
فلمواجهة هذه التحديات والأخطار، ولنكون أمةً قوية، أمةً باسلةً ومستبسلة، أمةً عزيزةً وأبية، أمةً ثابتةً وصامدة، أمةً لا تتراجع، أمةً لا يكبلها الأعداء بمخاوفهم، بتهديداتهم، بإرجافهم، بتهويلهم، لا بدَّ أن نصل إلى هذا المستوى من الاستعداد للتضحية، وأن نرسخ هذه الثقافة بمفهومها الصحيح والواعي، والمرتبط بما قدمه القرآن الكريم
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في ذكرى الشهيد 1442 هـ