ذكرى الشهيد… محطة للتزود بالعزم وقوة الإرادة والاستعداد للتضحية .
عمران نت – تقارير – 15 جمادى الأولى 1443هــ
تشهد الذكرى السنوية للشهيد من كل عام الكثير من الأنشطة والبرامج المتنوعة والهادفة والمفيدة، وهذه المناسبة هي بالفعل مناسبةٌ في غاية الأهمية؛ لأنها من المحطات المهمة التي:
– نتزود منها المزيد من العزم، وقوة الإرادة، والاستعداد للتضحية
– نستذكر فيها قداسة القضية التي ضحى في إطارها هؤلاء الشهداء
– كما أنَّ لها أهميةً كبيرة فيما يتعلق باستذكارهم، والاستفادة من سِيَرهم، من أخبارهم، من جهادهم، من تضحيتهم، التي هي كلها دورس مهمة ومفيدة، ولا سيما أنَّ منهم الكثير ممن هم على مستوىً عظيم من الإيمان، والوعي، والبصيرة، والالتزام الأخلاقي والإيماني في كل المراحل الماضية.
-الثبات على هذا الموقف، ومواصلة المشوار في طريق الشهداء، الذي رسموه، والذي قدموا فيه أعظم الدروس في ثباتهم، في استبسالهم، في تفانيهم، في عطائهم.
– لفت الانتباه بشكلٍ أكثر إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع: المجتمع والدولة، تجاه أسر الشهداء،
– ترسيخ مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق التقديم القرآني المبارك والعظيم.
– إبراز مستوى المظلومية التي يعيشها مجتمعنا الإسلامي-عامة-والشعب اليمني على وجه الخصوص.
– إبراز وإظهار مستوى الصمود، والثبات، وقوة الإرادة، والاستعداد العالي للتضحية.
وهذا أهم درسٍ نستفيده من ذكرى كهذه: التي تعلمنا فيها أن نتحرر من الطاغوت وهيمنته، وألَّا نكون عبيدًا إلا لله، وأن نعيش بكرامة، وأن نسعى للاستقلال، وأن نسعى للتمسك بالمبادئ الإلهية العظيمة، وأقدس وأشرف وأسمى شيء في هذه الحياة، وأنه يستحق منا حتى التضحية بالروح؛ لأننا لن نخسر مع الله أبدًا.
مفهوم الشهادة
الشهادة في سبيل الله: هي التضحية بالحياة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”.
أركان الشهادة في سبيل الله:
للشهادة أركان إذا اكتملت هذه الأركان، واتجه الإنسان على هذا الأساس الصحيح، واجتمعت هذه الأركان؛ يعتبر شهيدًا في سبيل الله، وقُتِل في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وهي كالتالي:
– من أجله: فضحى الإنسان من أجل الله “سبحانه وتعالى”، استجابةً له، هدفه وغايته رضا الله “سبحانه وتعالى”.
– وفق التوجيهات التي رسمها: لم ينحرف عنها؛ في إطار موقفه وفي إطار تضحيته.
– وفي الموقف الحق: الذي تحرك فيه، وانطلق على أساسه.
– وفي إطار القضية العادلة: وليس ظالمًا، ولا باغيًا، ولا مجرمًا، ولا خائنًا، ولا عميلًا لأعداء الإسلام.
أهمية الشهادة
لولا هذه الثقافة، لولا هذا المشروع القُـرْآني الذي أحيا فينا جميعاً في أوساط شعبنا الـيَـمَـني الروحية العالية للتضحية في سبيل الله، والأمل الكبير بالله -سبحانه وتعالى- وحطَّمَ أغلالَ الخوف والرهبة، لكان واقعُ بلدنا واقعا مختلفا.
الشهادة كرامة إلهية لمواقف محقة ومشرفة وليست ألقاباً فخرية.
مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، والتقديم الصحيح، أثمر نصراً في واقع هذه الأُمَّــة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة بنجاحٍ ملموسٍ ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهميّة وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأُمَّــة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادَة الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
ينبغي أن يصل الإنسان في التزامه الإيماني وفي تربيته الإيمانية إلى مستوى الاستعداد التام للتضحية في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى”، فهي ذات أهميّة كبيرة من هذا المنظار.
الشهادة في سبيل الله ترسخ روحية العطاء إلى أعلى المراتب، وأرقى المستويات، وحينها يصبح إنساناً معطاءً في هذه الحياة، وخَيِّراً، وفاعلاً، ومثمراً، يصبح مصدر خيرٍ لأمته ومجتمعه ومحيطه.
لا يخلو مجتمعٌ من المجتمعات البشرية، ولا أُمَّـة من الأمم في شتى أقطار الأرض، إلَّا وهي تعيشُ ظروفاً من التحديات، والأخطار، والصعوبات، والتطلعات لمشاريعَ أَو أهدافٍ أَو أعمال، وكلها تحتاج إلى تضحية في سبيل تحقيق ذلك لكي تنجز مشروعاً كَبيراً، وطموحاً مهماً، أَو لكي تتصدى لخطرٍ كبير، أَو تتغلب على تحديات معينة، تحتاج إلى التضحية، البشر كلهم على هذا النحو، المؤمن والكافر، والبَّر والفاجر… الكل، كُـلّ المجتمعات البشرية هي هكذا تعيش في هذه الأرض. أي أن الأعمال الكبيرة تحتاج دائما إلى تضحية.
دلالاتها
تعبر بكل وضوح عن مظلومية المستضعفين.
تدل على مدى الإجْــرَام, والإفلاس الأَخْـلَاقي والإنْسَـاني لدى قوى الشر والإجْــرَام, التي تصل في وحشيتها إِلَـى هذا المستوى من العُـدْوَانية والطغيان.
تعبير عن قيم وأخلاق شهدائنا الأبرار ومجاهدينا الأحرار.
تعبر عن مصداقية الإيمان الحقيقي بالله سبحانه وتعالى والمصداقية في استشعار المسؤولية لأن هؤلاء الشُّـهَدَاءُ العظماء إنما قدّموا حياتَهم وهم منشَدُّون نحوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
تعبر عن عزة النفس وعظمة القيم التي حملها الشهيد في وجدانه وجسدها في حياته مواقفا مشرفة وعظيمة جعلتهم يتألمون حينما يرَون الظلمَ, ويشاهدون الطغيانَ, فلم يقفوا مكتوفي الأيدي يتفرَّجون على الواقع من حولهم, بل انطلقوا أسودا في مواجهته لم يهابوا الموت ولم يأبهوا لقوة العدو.
تعبر عن روحِ العطاء والإيثار والتضحية والصُّمُـوْد والشجاعة والثبات، كُلّ هذه المعاني والقيم التي اختزنها الشُّـهَدَاءُ وتَـحَـرّكوا وهم يحملونها , وعبّروا عنها من خلال مواقفهم وثباتهم وصُمُـوْدهم , وفي النهاية شهادتهم ، عبّروا بذلك كله عن هذه القيم وجسّدوها في أرض الواقع موقفاً وعملاً وتضحيةً وعطاءً لا يساويه عطاءٌ في واقع الإنْسَـان.
كما أن الشِّهَـادَةُ هي عبارة عن استعداد عالٍ للتضحية, وهذا الجانبُ له أهميته القصوى في واقع نصرة المستضعفين, خُصُوْصاً وكبح جماح الطُّـغَـاةُ والجائرين عموما.
مكاسبها
ثقافة الشهادة تكسب القوة في مواجهة الأعداء وتكسر جبروت الطُّـغَـاة والظالمين والمفسدين، فالأمة التي تملك الاستعداد العالي للتضحية جديرة بأن تحقق لنفسها النصر والحرية والغلبة على المستكبرين.
ثقافة الشهادة حمت الأمة من كثير من المخاطر فلو فقدت الأمة هذه الثقافة، لكانت أمة ذليلة ولصارت أمة مستعبدة مقهورة، تقدم من القتلى أضعاف أضعاف ما ستقدمه من شهداء.
شعبنا اليمني بفضل الله وبفضل شهدائه العظماء ألحق بقوى العدوان ومرتزقتهم خسائر فادحة وجسيمة في العدة والعتاد.
شعبنا اليمني أرهق بصموده وثباته اقتصاد دول العدوان وخلق لهم أزمات ومشاكل اقتصادية مستقبلية كبيرة, وخطيرة.
شعبنا بفضل صمود أبنائه وتضحيتهم حقق خطوات مذهلة في بناء القدرات العسكرية ووصل في ذلك إلى حد الاكتفاء الذاتي تقريبا.
المقاتل اليمني صقل مهارته واكتسب الخبرات القتالية العالية.
كما أنه بتضحياته الجسام حقق لنفسه قوة، فالقوة لا تقاس بالقدرة على مواجهة الضعيف بل تقاس بالقدرة على الصمود في وجه القوي والسعي دوماً لبناء الواقع.
انحراف الأمة عن دينها الصحيح وأعلام الهدى الذين أمرت باتباعهم فضلت وذلت بعد أن كان المفترض أن تكون كما أراد الله سبحانه وتعالى لها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }.
علماء السوء ودورهم في تدجين الأمة للظالمين والدفع بها نحو القبول بالظلم كقولهم كذبا على رسول الله [سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنّتي قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال أطع الأمير وإن قصم ظهرك وأخذ مالك] وهذا الكلام المخالف للقرآن والمجافي للعقل والمنطق لا يقبله حتى الكفار أنفسهم.
هرولة الأمة نحو الظالمين ومحاولة اللحاق بركبهم ((لتحذّن حذو بني إسرائيل)) إلى درجة أن قال: ((حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه)) وفي بعض ألفاظ الحديث ((لتحذن حذو من قبلكم)) قالوا: اليهود والنصارى؟. قال: ((فمن؟)).
قصور وعي الأمة وقبولها لكثير من المفاهيم الدينية المحرفة من قبل الظالمين وتعرض الأمة بسبب ذلك لسنة التسليط الإلهي لأن الانحراف والنفاق حالة تعتبر من أسباب السخط الإلهي ومن عظائم الذنوب ومن فضائع الجرائم، وأنه لا يمكن أن يحمي الإنسان أي شيء آخر، لا انتماؤه للإسلام، ولا قضية أنه صحابي سيدفع عنه غضب الله إن كان قاصرا في وعيه وبصيرته الإيمانية.
كرامة الشهداء
الله “سبحانه وتعالى” منح الشهداء -في سبيله- امتيازًا عظيمًا، بحيث تكون شهادتهم عبارةً عن انتقالٍ من هذه الحياة، إلى حياةٍ يعيشون فيها حياةً حقيقيةً بكل مشاعرهم، ويعيشون فيها في ضيافة الله “سبحانه وتعالى”، وبتكريمٍ كبيرٍ من الله “سبحانه وتعالى”، كما قال “جلَّ شأنه”: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}
ففي هذه الآيات المباركة يبين الله “سبحانه وتعالى” هذه الدرجة العالية، والمرتبة العظيمة، هذه الكرامة العظيمة جدًّا التي يمنحها للشهداء.
{ أَحْيَاءٌ }فهم عندما ضحوا بحياتهم في سبيل الله “سبحانه وتعالى” لم يخسروا، ولم يتجهوا في عداد الأموات، فيبقون في حالة موتٍ إلى يوم القيامة؛ إنما أكرمهم الله “سبحانه وتعالى” بأن نقلهم إلى حياةٍ هي أفضل من هذه الحياة في هذه الدنيا. {عِنْدَ رَبِّهِمْ} حياة في كرامة وفي رعاية إلهية خاصة، وفي ضيافة الله “سبحانه وتعالى”
{يُرْزَقُونَ} وهذا يعني: أنهم يعيشون حياة لهم فيها رزق، ورزق مستمر من الله “سبحانه وتعالى”، ورزق كريم يلائم طبيعة تلك الحياة التي لا نعرف التفاصيل الدقيقة جدًّا عنها، ولكنها مؤكَّدة.
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} هم في حالة حياة طيبة، ورزق مستمر، لن يكون عندهم أي أزمة اقتصادية، ولا ظروف صعبة، ولا معاناة بشكلها المادي والمعيشي، كل هذا انتهى، وليس عندهم أي همّ تجاه الرزق والحياة المعيشية التي هم فيها بطبيعة وظروف تلك الحياة التي قد تختلف عن طبيعة وظروف هذه الحياة في الدنيا هنا على الأرض.
}وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ هم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من رفاق دربهم الذين هم معهم في نفس الموقف، في إطار القضية نفسها، في التوجه الإيماني نفسه.
هكذا نجد أنَّ الشهادة في سبيل الله مرتبة عالية، وأنها بكل ما تعنيه الكلمة فوزٌ عظيم، فوزٌ عظيم، فهنيئًا لمن فازوا بالشهادة في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، هنيئًا لهم.
الاستعداد للتضحية.. مقياس الإيمان الصادق
عندما نأتي للحديث عن الشهادة من نافذةٍ أخرى، هي من جانب: فوز عظيم ومهم، ومن جانبٍ آخر: في إطار التربية الإيمانية والالتزام الإيماني، ينبغي أن يصل الإنسان في التزامه الإيماني وفي تربيته الإيمانية إلى مستوى الاستعداد التام للتضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، فلا يتحقق لك أن تصل إلى المستوى الإيماني المطلوب، إلَّا إذا تحقق هذا في واقعك: أن تصبح على استعدادٍ تامٍ للتضحية بحياتك، بنفسك، بروحك في سبيل الله “سبحانه وتعالى”،
الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى الإيماني: إلى مستوى الاستعداد التام، والجهوزية الكاملة للتضحية بحياته في سبيل الله، فهذا يعبِّر عن ارتقاء روحي، وارتقاء أخلاقي.
وهذا يهيئك عمليًا للقيام بمسؤوليات هي من صميم التزاماتك الإيمانية. ومن هذه المسؤوليات:
-التحرر من الطاغوت: هؤلاء الطواغيت سواءً تمثلوا بكيانات: (دول ظالمة متجبرة، أنظمة متسلطة، أو شخصيات مضلة، لا بدَّ في التحرر من سيطرتهم وهيمنتهم إلى أن نصل إلى ما يؤهلنا إلى ذلك، وهو الاستعداد التام للتضحية؛ لأنهم يستخدمون أسلوب الجبروت والظلم والقمع، وسفك الدماء، كأسلوب للسيطرة على الناس، لإخضاعهم، لزرع الخوف في نفوسهم، وحينها تصبح حالة الخوف من الطاغوت حالةً تكبِّل المجتمعات لهم.
نتيجة الخوف الشديد، ونتيجة التهرب الكبير من التضحية، من الثمن الذي قد ندفعه في سبيل أن نتحرر من طغيانهم وظلمهم وجبروتهم وهيمنتهم وشرهم، تكون النتيجة أسوأ، يكون مستوى ما يقدِّمه الناس وهم في إطار الهيمنة، والخضوع، والاستسلام للطغاة، أكبر بكثير مما كانوا سيضحون به في سبيل الله، في أن يحصلوا على العزة، والكرامة، والحرية في مفهومها الصحيح.
– إقامة العدل، علينا أن نسعى لإقامة العدل، وأن نتصدى للظلم والظالمين، وهذا معناه: أن نكون في مشكلة مع الظلم والظالمين، و معنى ذلك: أن يتحركوا لاستهدافنا، لإلحاق الشر بنا، للإضرار بنا، وهذا يستدعي أن نكون على مستوى عالٍ من التجلد، من العزة، من الاستعداد للتضحية.
أهمية التربية على الشهادة في سبيل الله
أكبر دلالة على مصداقية الإنسان في انتمائه: في انتمائك الإيماني، في انتمائك الأخلاقي، في انتمائك إلى المبادئ الإلهية، عندما تصل إلى مستوى الاستعداد للتضحية في سبيل الله.
لذا فالتربية الإيمانية على حب الشهادة، وعلى الاستعداد للشهادة هي أكبر ما يمكن أن يصل بك إلى مستوى الثبات مهما اختلفت الظروف، مهما كان حجم الأخطار، مهما كان مستوى التحديات. وتكون رجل المسؤولية، الذي يتحلى بالمسؤولية حتى في الظروف التي يتنصل عنها الكثير، عندك استعداد لأن تعمل ما يجب عمله، أن تفعل ما يجب فعله، أن تتحرك حيث يجب أن تتحرك مهما كانت الظروف، لم تعد مكبلًا ولا مقيدًا بقيود الخوف والمذلة والرعب.
إذا كنا مجتمعًا معطاءً، إذا كنا أمةً تقدِّم التضحيات، معنى ذلك:
– أننا سنكون أمةً عزيزة، أبيةً للضيم، أمةً تمتلك الشجاعة، وتمتلك الحرية، وتمتلك قوة الإرادة، تمتلك العزم الذي لا بدَّ منه في مواجهة تحدياتٍ كهذه.
– أننا سنحضر في الميدان في كل مجال: في الميدان السياسي، الميدان العسكري، الميدان الاقتصادي، ونحن نحمل طاقةً كبيرة، ونحمل استعدادًا عاليًا للعمل، للأداء، للتضحية على أعلى مستوى من البذل، من العمل، من الشجاعة والإقدام.
ولا يمكن أن نكون أمةً عزيزةً، تتجسد العزة في مواقفها وفي مسيرة حياتها، إلَّا إذا كنا في جرأتنا وإقدامنا على مستوى الاستعداد العالي للتضحية وللشهادة في سبيل الله، وتحركنا لمواجهة التحديات والأخطار والأعداء.
فلمواجهة هذه التحديات والأخطار، ولنكون أمةً قوية، أمةً باسلةً ومستبسلة، أمةً عزيزةً وأبية، أمةً ثابتةً وصامدة، أمةً لا تتراجع، أمةً لا يكبلها الأعداء بمخاوفهم، بتهديداتهم، بإرجافهم، بتهويلهم، لا بدَّ أن نصل إلى هذا المستوى من الاستعداد للتضحية، وأن نرسخ هذه الثقافة بمفهومها الصحيح والواعي، والمرتبط بما قدمه القرآن الكريم.
مفهوم الشهادة أثمر نصراً
مفهوم الشهادة في سبيل الله وفق المفهوم الصحيح، أثمر نصرًا في واقع هذه الأمة، وأصبحت نماذجه قائمة في الساحة وحاضرة في الساحة بكل نجاحٍ ملموسٍ وواضح.
إن كل ذكرى من العزة، وإن كل ذكرى للنصر هي مرتبطة بهذا المفهوم العظيم، وهذا كافٍ في أن ندرك مدى أهميته، ومدى قيمته، ومدى ما يترتب عليه في واقع هذه الحياة ومنها ما نراه:
في فلسطين: تجربة الجهاد والاستشهاد أثمرت نصرًا، حريةً، عزةً، كرامةً، ما نراه في قطاع غزة هو نموذج حي، يشهد لصحة وإيجابية وأهمية وضرورة هذا المفهوم، عندما يقدَّم بشكل صحيح كيف يصنع في واقع الأمة متغيرات مهمة وإيجابية، يصنع الحرية بإرادة الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة والعزة والاستقلال، يصنع النصر.
في لبنان: منذ بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، وصولاً إلى ما صنعته من انتصارات كبيرة في عام 2000 وفي عام 2006، وما منَّ الله به من انتصارات لاحقة في لبنان وسوريا وغيرها.
في إيران: الثورة الإسلامية في إيران، حررت إيران الإسلام من هيمنة أمريكا، ومن نفوذ إسرائيل، ومن النظام الملكي (الشاه) آنذاك، ثم فتحت المجال أمام الجمهورية الإسلامية لتكون نموذجًا رائدًا في الحرية والاستقلال، والتصدي للهيمنة الأمريكية، والتصدي للعدو الإسرائيلي.
في البحرين: النموذج القائم والمتجسد في التضحيات الكبيرة وفي العزم الذي لا يلين الذي يقدمه شعب البحرين، نماذج تاريخية كثيرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وفي مختلف المراحل لأمتنا.
وبما أننا اليوم في معركة بهذا الحجم، وتحدٍ بهذا المستوى، فنحن معنيون كأمةٍ إسلامية أن نرسخ هذا المفهوم؛ لأنه مفهومٌ -كما قلنا-يصنع النصر، وإذا امتد في أوساط الأمة، وتعزز في واقع الأمة، فإنه يهب الأمة من العزم وقوة الإرادة والتحرك الفاعل ما تحتاج إليه في هذه المرحلة.
حركات النفاق …استهداف للداخل
فحقيقة المعركة القائمة في واقع الأمة، وحقيقة الاستهداف لهذه الأمة: هو معركة تقودها أمريكا وإسرائيل، ينضمُّ البعض من أبناء هذه الأمة من كيانات مختلفة إلى صف العدو كعملاء وأدوات وخونة، ويخترق من خلالهم هذه الأمة في ساحتها الداخلية.
ومن أكبر ما كانت تعاني منه الأمة في المراحل الماضية: هو عندما يتحرك المنافقون في داخل الأمة لصالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية وهم يختفون تحت أقنعة معينة، وتحت أغطية معينة، وتحت شعارات معينة، وتحت عناوين معينة مخادعة للناس، سواءً على مستوى قنواتهم الإعلامية، أو أسلوبهم في الطرح السياسي، والتقديم السياسي، والتفسير للأحداث؛ فإنما هي مغالطة، إنما هي عملية تزييف لحقائق قد ملأت الواقع في منطقتنا بشكلٍ تام.
فلنكن على وعي بأن المعركة اليوم هي معركة الأمة كلُّ الأمة، معركة الأمة جميعًا في مواجهة خطرٍ يستهدفها، يقود هذا الاستهداف ويتحرك فيه الأمريكي والإسرائيلي، والآخرون من الأدوات والعملاء ارتبطوا بهذا العدو، ويعملون لصالحه، مهما كانت عناوينهم التي يسعون من خلالها إلى الخداع للسُذَّج والبسطاء من الناس ممن لا يمتلكون شيئًا من الوعي، أو هي عبارة عن استغلال لمشاكل، واستثمار في أزمات ومشاكل معينة، لكنها كلها لصالح أمريكا وإسرائيل.
مسؤوليتنا في الوفاء للشهداء
– الوفاء لهذه الأهداف العظيمة التي قدموا أنفسهم في سبيل الله “سبحانه وتعالى” من أجل تحقيقها: جزءٌ أساسيٌ من الوفاء لأولئك الشهداء، الوفاء لهذه الأهداف، وهي مسؤولية كبيرة؛ لأنها تُقاس بتلك المبادئ العظيمة، وتقاس بهذه التضحيات العظيمة. لذا فالمسؤولية كبيرة جدًّا؛ علينا جميعًا الجِدُّ في أدائها، وحمل روحية العطاء والتضحية.
– التصدي لهذه الهجمة علينا وعلى أمتنا: أن نتصدى لهذا العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا، كجزءٍ من هذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية التي تستهدف الأمة بكلها.
– تعزيز حالة التعاون والإخاء مع أبناء أمتنا ومع أحرار أمتنا؛ لدحر الأعداء، لدحر الإسرائيلي من هذه المنطقة بكلها؛ وفي دحر الأمريكي، والتخلص من هيمنته على كل المستويات.
-أن نواصل هذه المعركة مستعينين بالله “سبحانه وتعالى”، واثقين به، وبنصره، وبأن التضحيات تصنع النصر، بأن دماء الشهداء تصنع الانتصارات الكبيرة.
– المواصلة بالاهتمام الكبير في دعم الجبهات بالمال والرجال.
– العناية بالجبهة الداخلية بكل مسؤولية، على المستوى الرسمي، وعلى المستوى الشعبي، والتعاون بين الجميع في حماية الجبهة الداخلية من كل أشكال الاستهداف.