الثورة الشعبية وأعداء السلم والشراكة والسيادة الوطنية
عمران نت – تقارير – 13 صفر 1443هــ
أنس القاضي:
كانت المهمة التاريخية للثورة، هي إزالة الأشكال السائدة التي لم تعد مقبولة لدى الشعب، آليات النهب والفساد الطفيلية والاحتكارية في الاقتصاد، والاستبداد وعدم الديمقراطية والتوافق في السياسية، وقمع الرأي والفكر والمذهب والفكر الآخر في ميدان الثقافة، أي باختصار الاستيلاء الغير مشروع على الثروة ورفض الشراكة والاستبداد بالسُلطة وانتهاج القمع والحروب، وكل هذه السياسات التي كانت تُحكم بها البلاد كانت تلقى رعاية أجنبية أمريكية سعودية بشكل مباشر، فالبُعد الأجنبي كان حاضراً في تحديد ودعم السياسات التي يجب ان تحكم بها البلد. وقد جاءت الثورة الشعبية المجيدة 21 أيلول سبتمبر، في ظل ظروف تاريخية مُعقدة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو أمر معروف لدى كل الشعب اليمني.
وفي هذا الصدد يجب التأكيد على ثلاث حقائق:
الأولى: الثورة الشعبية، لم تأتي من خارج السياق التاريخي الذي يعيشه المجتمع اليمني، بل دفعت إليها الضرورة التاريخية ضرورة حفظ الكيان اليمني من الخطر الوجودي الذي يستهدفه في جغرافيا بلده وسلامة أرضه وفي أمنه واستقراره واقتصاده وسيادته الوطنية.
الثانية: الثورة الشعبية لم تأتي لرغبة أنصار الله في إشعالها فليست رغبة ذاتية بل أتت حين نضجت الظروف الموضوعية لتفجرها، وكان لأنصار الله الشرف في أنهم قادوا جماهير الشعب فيها ومثلوا بحق المكون الطليعي في الشعب اليمني.
الثالثة: الثورة الشعبية لها مضمون اجتماعي اقتصادي مُعين هو الدافع إليها، ولن تصبح الثورة بحق ثورة ناجزة إلا بتحقيق الأهداف في هذا الجانب، والثورة الشعبية أجلت المضي في المسار الاقتصادي الاجتماعي، وانتقلت إلى مهام التحرر الوطني والجهاد المُسلح ضد العدوان الخارجي والركائز المحلية للاستعمار والهيمنة الأجنبية.
إن الثورة الشعبية، هي عملية تناقض وصدام بين آليات الهيمنة والاستبداد القديمة وبين احتياجات الشعب وطموحاته في الاحتكام إلى آليات جديدة في الحكم تقوم على الحرية الوطنية والسلام والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن الثورة الشعبية هي عملية صدام وتناقض بين القوى الاجتماعية القديمة وبين القوى الاجتماعية الجديدة، بين الطبقات والفئات والمكونات التي تريد السلم والشراكة تدافع عن سيادة البلد وبين الطبقات والفئات والمكونات التي تنتهج الاقصاء والاستبداد والحرب والعمالة للأجنبي.
الثورة واعداء الشعب الوطن
كان أعداء السلم الشراكة والسيادة الوطنية هم أعداء الثورة الشعبية، وأعداء الشعب اليمني، وهذه القوى المعادية للشعب هي القوى التي حكمت اليمن منذ المصالحة الملكية الجمهورية في العام 1970م وهي المصالحة التي رسخت الهيمنة السعودية الغربية على بلادنا، واستمرت بحكم شمال اليمن حتى 21 مايو من العام 90م، ثم شهدت اليمن من بعد تحقيق الوحدة في 22 مايو من العام 90م شراكة صورية ما بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني لم تدم أكثر من ثلاثة أعوام، ثم عادت نفس القوى التي كانت تسيطر شمال الوطن لتسيطر اليمن الموحد بشماله وجنوبه بعد حرب 94م، بنفس صور الاستبداد السابقة.
القوى المعادية للسلم والشراكة والسيادة الوطنية في واقعنا التاريخي اليمني هي تحالف طبقي رجعي يتألف من نخب نافذة من طبقات وفئات اجتماعية مختلفة، منها كبار الجنرالات والعسكريين وفي مقدمتهم علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر، ومن هذه النخبة كبار المشايخ الرجعيين وفي مقدمتهم عبد الله بن حسين الأحمر، ومن هذه النخبة كبار رجال الدين المنافقين وفي مقدمتهم عبد المجيد الزنداني، ومن هذه النخب كبار التجار الذين يعملون كوكلاء استيراد للسلع الأجنبية، ومن هذه النخب ايضاً كبار المستثمرين في فروع الطاقة الاستخراجية النفطية والغازية والاتصالات، وجميع هذه النخب تدور في فلك أسرة علي صالح وأسرة بيت الأحمر، وعلى الصعيد السياسي كانت تدافع هذه النخب عن مصالحها الفاسدة عبر المؤتمر الشعبي العام بقيادة المشير علي عبد الله صالح والتجمع اليمني للإصلاح بقيادة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ثم العقيد محمد عبد الله اليدومي، وهذا لا ينفي وجود صفوف وطنية في هذين الحزبين وكثير من قواعدهم من الطبقة الشعبية الكادحة إلا ان المؤتمر والاصلاح عمليا كانا في خدمة النخب الحاكمة للبلد والمسيطرة على اقتصاده.
هذه النخب المتسلطة لم تكن معادية فحسب لاتفاق السلم والشراكة الوطنية التي وقعته في 21 سبتمبر 2014م، بل كانت معادية لنهج السلم والشراكة والسيادة بشكل عام، فقد تشكلت وترعرعت في ظل الحرب والاجرام والاستبداد والطفيلية والاستغلال والاحتكار والغدر والخيانة والعمالة، ونقضت ورفضت تنفيذ الكثير من الاتفاقيات السابقة لاتفاق 21 سبتمبر، وأبرز هذه الاتفاقيات هي:
اتفاقية الوحدة اليمنية
اتفاقية العهد والاتفاق
النقاط العشرين
مؤتمر الحوار الوطني
اتفاق السلم والشراكة
من الاطلاع على مختلف هذه الاتفاقيات وعلى المبادئ الحاكمة لها، نجد فيها تشابه كبير جداً، ومرد هذا التشابه أن القوى المعادية للشعب ظلت على الدوم ترفض انجاز أي من المهام الوطنية التي يُفترض أن تبني واقع الوطن اليمني بما يلبي مصالح شعبه ويليق بدوره الحضاري.
اتفاقية الوحدة اليمنية
دستور الجمهورية اليمنية (الموحدة) هو الوثيقة الموضوعية لاتفاقية الوحدة اليمنية، أقر بتصويت من الشعب اليمني في يومي 15 و 16 مايو من العام 1991م، بعد أن توافقت عليه اللجان المشكلة من الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمني الديمقراطية الشعبية في العام 1982م بعد دراسة ومناقشة طويلة. وكانت القوى الرجعية الحاكمة في اليمن العربية بزعامة الفريق علي عبد الله صالح والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، تخطط للانقلاب على اتفاقية الوحدة أي على دستورها الذي ضمن الشراكة والتوافق والسلام والسيادة والحرية والديمقراطية.
عقب انتخابات 1993م تكتل “المؤتمر” مع “الاخوان” واصبحوا في موقع الأغلبية البرلمانية فطرحوا مشروع تعديلات دستورية كانت تعد انقلاباً على دستور الوحدة ورفضتها اتفاقية العهد والاتفاق، وقد تم تنفيذها بعد حرب 94م بدون العودة إلى استفتاء الشعب، مست هذه التعديلات أهم مبادئ مشروع دولة الوحدة المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان و العدالة الاجتماعية و سيادة القانون والنظام السياسي والنظام القانوني. ومنها على سبيل المثال:
المادة المتعلقة بالسياسة الاقتصادية في دستور الوحدة المقر من الشعب في 15- 16 مايو 1991م كانت كالتالي:
“المادة (9) توجه الدولة التجارة الخارجية وتعمل على تطويرها ورفع فاعليتها وتطويعها لخدمة الاقتصاد الوطني، وتشرف الدولة على التجارة الداخلية بهدف حماية المستهلكين وتوفير السلع الأساسية للمواطنين”.
وفي دستور الجمهورية اليمنية المعدل، جاء في المادة المتعلقة بالسياسة الاقتصادية ما يلي : المادة (10): ترعى الدولة حرية التجارة والاستثمار وذلك بما يخدم الاقتصاد الوطني وتصدر التشريعات التي تكفل حماية المنتجين والمستهلكين وتوفير السلع الأساسية للمواطنين ومنع الاحتكار وتشجيع رؤوس الأموال الخاصة على الاستثمار في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقاً للقانون.
ومما يثبت هذه التوجهات المعادية للشراكة الوطنية ما جاء في مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: “بالنسبة لنا المشايخ والعلماء كان توقعنا أن الحزب الاشتراكي اليمني دخل الوحدة وسينظم إليه الأحزاب اليسارية الأخرى في الشمال من ناصريين وبعثيين .. وسيشكلون كتلة واحدة.. ولهذا لا بد من إنشاء أحزاب تكون رديفة للمؤتمر وطالب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الاسلامي وأنا معهم أن نكون حزباً في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر، وقال لنا: كونوا حزباً يكون رديفاً للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثلما المؤتمر، إضافة إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي، وهم يمثلون الحزب والدولة التي كانت في الجنوب، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي العام والدولة التي كانت في الشمال، وبيننا اتفاقيات لا استطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح في حين كان هناك فعلا تنظيم هو تنظيم الإخوان المسلمين الذي جعلناه كنواه داخلية في التجمع لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية”.(مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. ص 248-249 ).
ومن العلوم ما جرى بعد ذلك من انتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأبناء المحافظات الجنوبية والحزب الاشتراكي اليمني الذي تعرض لعملية اغتيالات كوادره ومحاولات تفريخه ومصادرة املاكه ومقراته، وهي ضربة لم يتعافى منها حتى اليوم.
اتفاقية العهد والاتفاق
كانت الأزمات التي سبقت حرب 94 هي التعبير السياسي عن خلافات طرفي الوحدة حول الوظيفة والهوية الاجتماعية للدولة الجديدة ” اليمن الموحد” أي تناقض المصالح الاجتماعية التي يحملها كل طرف وحول ممارسة السلطة فيها وتحديد المشروعية الفكرية للتقنين، وقد تبلورت هذه الخلافات في صيغة سياسية عُرفت “بأزمة التعديلات الدستورية” التي تلت انتخابات 1993م والتي تركزت الخلافات الشديدة فيها في المسألة.
الأولى: السعي نحو الغاء المجلس الرئاسي الذي يعني ضرب مبدأ القيادة الجماعية التي كانت ضرورية لقيادة المرحلة الانتقالية خاصة وأن مؤسسات دولتي الوحدة لم تندمج.
الثانية تتعلق بمسألة من يستطيع أن يُقر المسائل الكبرى المتعلقة بهوية النظام السياسي.
الثالثة حول الحكم المحلي واسع الصلاحيات، الذي يُفترض أن يُشرك الجماهير والمجتمعات المحلية في إدارة أمورهم كتعبير ملموس عن الديمقراطية.
الرابعة، كانت حول مصدر التشريع ولم يكن الخلاف حول مسألة أن الإسلام مصدر التشريع أم لا؛ فقد أقر دستور الوحدة على أن الدستور يبنى على التشريعات الإسلامية، كان الخلاف هو حول من له الحق في القول بأن رأيه هذا هو رأي الإسلام ففيما شدد الاشتراكي على إقرار مسألة كفل حق الاجتهاد، تمسك الإخوان بسلفية التعامل مع النص”.
كانت اتفاقية العهد والاتفاق التي وقعت في عمان الأردن برعاية الجامعة العربية صيغة سياسية ملائمه لحل هذه التناقضات والخلافات بشكل سلمي وفق مبدأ الشراكة السياسية الديمقراطية والمشاركة المحلية في الحكم والتوازن السياسي بين مختلف المناطق اليمنية في إدارة الحكم، إلا أن المؤتمر والإخوان الذين وقعوا على هذه الاتفاقية وقفوا ضد تنفيذها وعملوا على تفجير الموقف. كما هو عليه الحال مع اتفاق السلم والشراكة، وفي المقارنة ما بين اتفاق السلم والشراكة 2014م مع اتفاقية العهد والاتفاق 1993م نجد الكثير من التشابه ذلك أن القضايا التي لم تحل في اتفاق العهد والاتفاق ظلت مستمرة دون حل حتى ثورة 21 سبتمبر 2014م.
النقاط العشرين
قبل انطلاق مؤتمر الحوار أصدر هادي قراراً بتعيين لجنة فنية للتحضير لمؤتمر الحوار صاغت هذه اللجنة ما عُرف بالنقاط العشرين كإجراءات لبناء الثقة يتم تنفيذها قبل انطلاق مؤتمر الحوار الوطني. تضمنت هذه النقاط رفع المظلوميات الاجتماعية الاقتصادية الأمنية والتعويض وإعادة الاعتبار السياسي والثقافي والعقائدي، للقوى السياسية والاجتماعية المظلومة، التي شُنت ضدها الحروب والأعمال القمعية، وهي المجتمع الجنوبي والحزب الاشتراكي اليمني، المجتمع في صعدة ومحيطها وأنصار الله، وجماهير الحراك الجنوبي وانصاره.
كانت النقاط العشرين محل اجتماع وطني فقد باركها المبعوث الأممي ووافق عليها الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق، وطالب بها الاشتراكي وأنصار الله الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار برئاسة محمد علي احمد -قبل استقالته-، وكذلك أحزاب اللقاء المشترك بقيادة حزب البعث الاشتراكي آنذاك، والتجمع اليمني للإصلاح-رغم رفضه لها لكنه لم يجد بدا من التعبير عن الموافقة عليها- وفريق عمل قضية صعدة، كما احتج فريق عمل القضية الجنوبية ووقف أعماله لمدة يوم احتجاجا لعدم تنفيذها، وعندما لم يوجه هادي بتنفيذها وقع المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني على عريضة تطالب الرئيس الانتقالي بتنفيذ هذه النقاط، وطالبت معظم القوى الوطنية والشخصيات السياسية اليمنية بتنفيذها.
كانت النقاط العشرين بالغة الأهمية وهي تماثل من حيث الأهمية مخرجات الحوار الوطني، وكان الشروع في تنفيذها يعني قطع شوط كبير، وعدم تنفيذ النقاط العشرين كان مؤشراً جوهرياً برفض النخبة الحاكمة التنازل عن مصالحها غير المشروعية التي اكتسبتها تاريخيا عبر الحروب والاستبداد والعمالة.
مؤتمر الحوار الوطني:
شاب عملية مؤتمر الحوار الوطني تجاوزت عديدة أخلت بمساره التوافقي، قام بها الرئيس الانتقالي عبده ربه منصور هادي خدمة لمصالحه والنخبة التي بدأت تتشكل حوله بدعم أمريكي وخدمة أيضاً للنخب المرتبطة بحزبي المؤتمر والإخوان، وكانت مؤشراً على عدم قناعته ومن خلفه الأمريكيين بمبدأ التوافق والحلول الوطنية، وجعل مؤتمر الحوار مجرد احتفالية شكلية لإضفاء الطابع الوطني على التوجهات العدوانية التي كانت تُفرض على الشعب.
وكان من أخطر التجاوزات ما يتعلق بالهيئة الوطنية المعنية بالإشراف والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وظل هادي يرفض اصلاح وضعها حتى مرحلة ما بعد اتفاق السلم والشراكة، فمن المفترض أن لهذه الهيئة سلطة الرقابة والإشراف والمتابعة على كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية في البلد بما فيها مؤسسة الرئاسة والبرلمان فيما يتعلق بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ولذلك فقد تم تأجيل تشكيل الهيئة الوطنية والقيام بتمرير قرارات بعيداً عن إشرافها ومتابعتها، منها قضية تقسيم الأقاليم ومنها إقرار المصفوفة التنفيذية المزمنة الخاصة بمخرجات الحوار وغيرها من الإجراءات المتعلقة بالمخرجات كل ذلك قبل تشكيل الهيئة كما أن لجنة صياغة الدستور انتهت من المسودة الأولية للدستور دون أي رقابة عليها من قبل هذه الهيئة الوطنية المفترضة والتي لم يتصحح وضعها ولم ترجع إليها القرارات التي حسمت قبل تشكيلها.
هذه وغيرها من التجاوزات الصريحة والممارسات التخريبية المباشرة من قبل هادي والنخب الحاكمة والسفير الأمريكي، كانت بحاجة إلى عملية إصلاح وعملية الإصلاح لم تكن لتأتي نتيجة صحوة ضمير هادي بل بضغط ثوري، وقد كان أنصارالله هم القوة السياسية الوحيدة القادرة على إزاحة هذه القوى الاستبدادية الاستغلالية الفاسدة، وكان أنصارالله هم القوى السياسية الوحيدة القادرة على الخروج باتفاق كاتفاق السلم والشراكة.
اتفاق السلم والشراكة
جاءت وثيقة اتفاق السلم والشراكة لتعيد ترتيب أولويات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بما يراعي الأوضاع اليمنية الملموسة، وقد اتجهت مواد اتفاق السلم والشراكة نحو القضايا التي تم تجاوزها في مؤتمر الحوار الوطني والتعامل معها من خارج قاعدة التوافق الوطني في مساعي قديمة لدى هادي في الانقلاب على مؤتمر الحوار. وبناء على حقيقة أن اتفاق السلم والشراكة سابقة في التاريخ اليمني بدعوة المنتصر خصومه ومنافسيه واصدقائه إلى الشراكة وعدم اقصاء أي طرف، فقد سارعت القوى السياسية الرئيسية إلى توقيع اتفاق السلم والشراكة ومباركته، وكان من الغريب أن يقوم طرف ما بإقصاء نفسه وعدم الموافقة على الاتفاق الذي حظي بدعم أممي والذي يعد نقطة تطور في مجرى الانتقال السياسي اليمني من بعد ثورة 11 فبراير 2011م.
لم يكن موقف القوى الدولية مغايرا لموقف القوى السياسية اليمنية، فقد اتجهت مختلف القوى الدولية التي لها تأثير على الحوار في اليمن والمعروفة بالدول العشر ممثلة بسفرائها في اليمن التي كانت هي الراعية للمبادرة الخليجية وثم مؤتمر الحوار الوطني.
الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة
كان الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة مبيتاً منذ توقيعه ومباركته من قبل القوى المعادية، فلم يكن الأمريكي والسعودي وعملائهم من هادي وحزب الاصلاح وجناح هادي وصالح في المؤتمر الشعبي العام موافقين باتفاق السلم والشراكة من حيث حقيقة أنهم من مانعوا من قبل الثورة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ونهج التوافق في أعمال مؤتمر الحوار، وكذلك رفض قانون العدالة الانتقالي ومحاولة التغطية عليه بقانون المصالحة للتهرب من الجرائم التاريخية الذي ارتكبتها النخبة المسيطرة. فمن قبل انتصار ثورة 21 سبتمبر بيومين، في تاريخ 19 سبتمبر 2014م أجتمع هادي بسفراء الدول العشر في صنعاء وقال “إن تفجير الوضع (الثورة) من قبل الحوثيين محاولة انقلابية لأسقاط الدولة وقد كان هذا التصريح والقاء معبراً عن الموقف الراسخ للقوى الداخلية والأجنبية المعادية للثورة والسلم والشراكة والاستقلال الوطني” وفي يوم 20 سبتمبر 2014م اجتمع هادي باللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام ودعا إلى ما اسماه “بالاصطفاف الوطني” الذي يعني بشكل دقيق اصطفاف القوى المعادية للثورة وفي في 23 سبتمبر عقد هادي اجتماعا موسعاً مع لمجلس النواب والوزراء والشورى، بعد يوم من توقيع اتفاق السلم والشراكة وقال ” طعنا وغدرنا والمؤامرة كانت فوق التصور وتعدت حدود الوطن. وفي 24 سبتمبر 2014م، تلقى هادي اتصالاً من مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب ليزا موناكا وفي ذات اليوم استقبل هادي في العصمة صنعاء السفير الأمريكي ماثيو تولر.
كان الموقف العدواني تجاه الثورة و السعي للانقلاب على الاتفاق هو الموقف الراسخ لدى القوى الدولية والمحلية المضادة للثورة وللسلم والشراكة والسيادة الوطنية، وقد برز هذا الموقف في التصريحات الأمريكية والسعودية وكذلك تصريحات هادي بنبرتها التشنجية المعادية للاتفاق.
عندما كانت تتعقد الأوضاع وتقدم قوى الثورة على خطوات ثورية رادعة كانت القوى الدولية والمحلية تؤكد أن منشأ هذه العراقيل هو التباطؤ في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة، فيما كان هذا القرار بيد هادي الذي يعد جزء من التحالف الطبقي المسيطر الذي يتألف من النخب المسيطرة سالفة الذكر، كما كان بيده سابقاً تنفيذ النقاط العشرين وإخضاع قرار شكل الدولة للتوافق الوطني، لو أنه لم يكن يعمل على إفراغ مؤتمر الحوار من مضمونة وتحويله إلى فعالية شكلية لتمرير سياسات النخبة الحاكمة والدول المهيمنة.
عندما أعاقت الثورة إقرار الدستور غير التوافق وأوقفت بن مبارك في 17 يناير 2015م، وبحوزته مسودة الدستور، أخذت الاوضاع في اليمن تتطور بشكل محموم نحو التقيد والحرب، فشنت قوات الحماية الرئاسية هجوماً على اللجان الشعبية في السبعين، وبعد هزيمتهم، قدم هادي استقالته ثم قدم بحاح رئيس الحكومة استقالته، وصولاً إلى اغلاق السفارات في صنعاء وانتقالها إلى عدن، وهروب هادي من صنعاء إلى عدن والتراجع عن الاستقالة وتفاقم العمليات الإرهابية في عدن ولحج وصنعاء واضطرار قوى الثورة إلى التعبئة العامة لمكافحة الإرهاب، وبانتصار اللجان الشعبية على الجماعات التكفيرية في لحج وعدن في 25 مارس 2015م، عجلت الولايات المتحدة الأمريكية في تدخلها عن طريق أدواتها الإقليمية وكان أن اعلن وزير الخارجية السعودية العدوان على اليمن من واشنطن.