ثورة الإمام زيد بين الأمس واليوم
سعاد الشامي
من يعود إلى التأريخ ويستقرئُ معالمَ الثورات يجدُ في مضمونها بأنها مشاريعُ تحرريةٌ تسعى إلى تغيير الواقع السيءِ إلى الأفضل، من منطلق القيم وَالمبادئ التي يحملها الثوارُ في وجدانهم ويسعون إلى ترسيخها واقعياً؛ لضمان كرامة وحرية الإنسان والأوطان، ويقاس نجاح الثورات بتحقيق أهدافها واقعياً وبما تتركه من آثار إيجابية تمتدُّ عبر العصور وإلى كُـلِّ الأجيال.
إنَّ حديثَنا عن ثورة حليف القرآن الإمام زيد بن علي عليه السلام هو حديثٌ عن المشروع القرآني العادل بكل تلك المبادئ الإيمانية والقيم الإنسانية والتضحيات العظيمة التي يسطّرها الأحرارُ في مواجهة قوى الشر والإجرام من منطلق العلاقة الوطيدة بكتاب الله والتي تُجْبِرُ صاحبَها على مقارعة الجبابرة والطغاة وعدم السكوت والخنوع لهم.
ولعل الإمام زيد عليه السلام وضّحها بقوله: “والله ما يدعني كتابُ الله أن أسكُتَ”، فالأحرار لا يسكتون على الظلم والضلال مهما كانت التضحيات التي سيقدمونها ما داموا يتحركون طبقاً لتوجيهات الله وتعاليم الإسلام.
من فضل الله على اليمنيين أن تعليمَهم لمبادئ الإسلام كانت على يد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي نهلوا من فيض علمه النقي ما جعلهم على مرِّ العصور أنصاراً لله ولرسوله ولأوليائه، وبرغم أن الإمام زيداً عليه السلام كان عَلَماً لكل الأمة وَثورته كانت عالميةً، ولكن كان لأهل اليمن أكثرَ من غيرهم شرفُ حب الإمام زيد واحتواء ثورته المباركة، فجعلوه إمامَهم وساد مذهبُه في معظم المناطق اليمنية.
ولكن للأسف وكما هي عادة أعداء الدين والحرية في استهداف المشاريع التحررية للأمة فقد سعوا إلى تعطيل ثورة الإمام زيد عليه السلام عن مضمونها الحقيقي لتصبحَ في فترة من الفترات مجرد انتماءات مذهبية ومسائلَ فقهيةٍ وطقوساتٍ كلامية، وما كان ليحصل هذا إلا نتيجة ضياع البصيرة والوعي الذي كان الإمام زيدٌ يناشد بها الأمة لتحافظَ على مبادئ دينها ومرتكزات قوتها فلا يستطيع الأعداءُ خداعَها وتضليلَها وحَرْفَ مسارها الإيماني.
ومن يقرأ ملازمَ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وهو العَلَمُ الذي اكتسب بصيرتَه من كتاب الله، يلاحظ في بعضها نسبةَ الانزعاج والعَتَب الشديد التي كان يوجهها لمن يسمون أنفسَهم زيوداً ويدّعون انتماءهم إلى هذا القائد الحُرّ والثائر وهم لا يسيرون في طريقه ونهجه الثوري، وقد فضّلوا الصمتَ والخنوعَ على الصدع بكلمة الحق في وجه الظالمين، وهذا يناقِضُ مبادئَ الإمام زيد، فالثورةُ التي تبقى تحت رحمة الطغاة تفقد بركاتِها، فلا يعد لها أثرٌ في الحياة ولا قيمة لها في الواقع.
تحرَّكَ السيدُ حسين بدر الدين الحوثي كما تحرك الإمامُ زيدٌ عليهما السلام من منطلق ثقافة القرآن التي فرضت عليه ألّا يسكت فصرخ ثائراً في وجه قوى الجبروت والاستكبار بعد أن أوجعه حالُ هذه الأمة التي أصبحت تحتَ أقدام اليهود والنصارى، وأعاد بمشروعه القرآني نبضَ الحرية إلى قلوب اليمنيين، فهم اليومَ في وجوه طغاة العصر من المعتدين الذين استباحوا أرضَهم وعِرضَهم كالأفواج المتدفِّقة التي لا سبيل إلى اعتراضها أو تغيير مسارها.
نعم، بالوعي والبصيرة ستبقى ثورةُ الإمام زيد عليه السلام هي المدرسةَ الكبرى لليمنيين الأحرار والتي يتخرّجُ منها يومياً وللعام الرابع العظماءُ في زمن الذُّلِّ والانحدار، والأبطالُ في زمن الضعف والانكسار.