الهجرة النبوية.. من وحيها تحيَى القلوب
منير الشامي
يصادف اليوم ذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها صلوات الله وسلامه وعلى آله وسلم والتي تمثل أهمَّ حَدَثٍ في تاريخ الرسالة المحمدية بعد البعثة، فهي نقطة فاصلة بين الحق والباطل، وبين النور والظلام، وبين الجاهلية والإسلام – وهي بحق الحدث الذي غير مسار التاريخ البشري وهي المنعطف التاريخي الذي؛ بسَببِه أشرقت أنوارُ الرسالة الخاتمة على مشارق الأرض ومغاربها.
بعد أن اجتمعت قريش واتخذت قراراً لم تجرؤ على اتِّخاذه طوال ثلاثة عشر عاماً وعزمت عليه، أخبر الله رسوله بما كان من كفار قريش وبما عزموا عليه بقوله تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ) فكانت هذه الآية إيذانا من الله سبحانه وتعالى لرسوله بالهجرة إلى يثرب.
لقد كان بإمْكَان الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- أن يجعل هجرته كمسراه في أقل من لحظة واحدة من ثانية إلا أنه لم يفعل ذلك وجعل من نفسه قُدوةً لأمته في تحمل مسؤولية الدعوة وتحمل الصعاب والمشاق في حملها، وخوض بحار الأخطار للحفاظ عليها، ومواجهة قوى العالم؛ مِن أجلِ تبليغها وتسخير النفس والجسد وبذل كُـلّ شيء؛ مِن أجلِ أداء أمانتها إرضاء لله وحده، وهو ما جسده الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في هذا الحدث العظيم تجسيدا كاملا، بتحَرّك عملي وموقف ثابت تضمن من الآيات والمعجزات ما يكفي ليسلم ويؤمن بالله ورسوله الحجر والشجر وليس البشر فقط وتضمن من الدروس والعبر ما يكفي لهداية الناس جميعاً، فمن معجزاتها العظيمة خروج النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- من بيته أمام العيون المفتوحة التي كلفت برصده ومن بين السواعد القوية القابضة على السيوف التي أعدت لقتله وقيام الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- بذر التراب على رؤوسهم استحقارا لمكرهم ومكر شيطانهم ومنها معجزاتها أَيْـضاً خروج النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وهو وحيد من وسط أُمَّـة تريد دمه، ومن معجزاتها ما جرى في غار ثور وما جرى لسُراقة بن مالك وغير ذلك من أحداث الهجرة النبوية الخارقة للعادة.
ومن آيات الهجرة وعبرها دروس شتى للبشرية وأولها أن كُـلّ من يحارب الله خسران مهزوم ولو كان عددهم كرمال الصحاري والسهول، وأن من يجاهد في سبيل الله مؤيد ومنصور ولو وكان وحيدا، ومن آياتها أَيْـضاً أن لله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض وأن أمره نافذ ووعده واقع فقد رد كيدهم عن نبيه بأوهن البيوت بيت العنكبوت، وخسف الأرض تحت حوافر خيل من لحقوا به ومن آياتها ودروسها أَيْـضاً أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- قطع أكثر من 400 كيلومتر في هذه الرحلة ليعلم الناس أن ركوب الأخطار؛ مِن أجلِ الحق سعادة وتحمل المشقة في سبيل الله نعيما، والتحلي بالصبر؛ مِن أجلِه قربة وأن حمل أمانة الرسالة منوطا بكل مؤمن ومؤمنة منذ ذلك اليوم وإلى قيام الساعة، وهذا كله هو ما يجب علينا أن نستفيد منه من ذكرى الهجرة النبوية الشريفة وما يجب أن نحييه في اعماقنا ونزكي به نفوسنا ونجسده في واقعنا بمواقف ثابتة لله ورسوله وتحَرّك عملي في حمل أمانة الرسالة وتبليغها وفي حمل مسؤولية الدين والتمسك بقيمه ومبادئه والسير على هداه وقرآنه وهذا الدرب الذي يجب أن نمضيَ عليه اقتدَاءً برسوله وأعلام هداه خُصُوصاً نحن اليمنيين الذي خصَّنا الله سبحانه وتعالى بالشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي-رضوان الله عليه- وضرب أمامنا أروعَ مَثَلٍ في الاقتدَاء برسول الله في حمل مسؤولية دين الله وأدائها والتضحية في سبيله بكل غالٍ ونفيس ومن أجلها، بتحَرّكه العملي الذي أبرز من خلاله مشروع الثقافة القرآنية وأنقشع عنا بأنواره غياهب الظلمات التي كانت قد خيمت بسوادها الحالك على قلوبنا وديارنا، وحرفت بنا إلى سبل شتى فرقت بنا عن سبيله، ولولاه هو وقائد ثورتنا سماحة السيد العَلَم عبدالملك بن بدر الدين الحوثي-يحفظه الله ويرعاه – بعدَ اللهِ لكُنا اليوم أمواتاً قلوبنا وعبيداً لأعدائنا خانعين أذلاء بلا عزة ولا كرامة نقاد كالأغنام ونعمل كالخدام.