حرب تموز.. الانتصار الذي حفظ كرامةَ الأمة
منير الشامي
حرب تموز (هكذا سميت في لبنان) وسميت في إسرائيل بحرب لبنان الثانية وهي العمليات القتالية التي بدأت في 12 تموز (يوليو) 2006 بين قوات من حزب الله اللبناني وقوات العدوّ الإسرائيلي وَاستمرت 34 يوماً في مناطق مختلفة من لبنان، خُصُوصاً في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمال كيان العدوّ الإسرائيلي.
لم يكن الموقف الغربي وحده في هذه الحرب منقسماً على شرعية الاعتداء الإسرائيلي فقد شهد الصف العربي انقسامًا واضحًا، إذ أن جميع الأنظمة المنبطحة للكيان الصهيوني كان موقفها ضد المقاومة اللبنانية واضحًا على العلن فالموقف الرسمي الانحطاطي لمصر والسعوديّة والإمارات على سبيل المثال أعلن رسميًّا بل وكشفت الأيّام أن النظامين السعوديّ الإماراتي هما من مولا العدوّ الصهيوني في هذه الحرب تمويلاً كاملاً، ولعل وصف وزير خارجية السعوديّة لعملية خطف الجنديين اللذين قتلا وأعلن العدوّ الإسرائيلي عن اختطافهما “بالمغامرات غير المسؤولة” وكانت السعوديّة ومصر قد أصدرتا بياناً هاجمت فيه ما سمته “عناصر لبنانية”؛ بسَببِ ما اعتبرته “مغامرة غير محسوبة دون الرجوع إلى السلطة الشرعية” ودون التنسيق مع الدول العربية ولكن بالرغم من ذلك خرجت مظاهرات مؤيدة لحزب الله في مصر رفعت بها أعلام لبنان وحزب الله وصور حسن نصر الله زعيم حزب الله وطالبت بدعم حزب الله عسكريًّا ضد إسرائيل.
في هذه الحرب العدوانية على لبنان نتذكر أَيْـضاً التصريحات الخالدة والصادقة والمفعمة بالقوة والعزة والشجاعة والتحدي لسماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ومنها على سبيل المثال:-
– “أردتموها حرباً مفتوحة ونحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها وستكون حرباً على كُـلّ صعيد إلى حيفا وصدقوني إلى ما بعد حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا”.
– “نحن أمام خيارين، إما أن نخضع للشروط التي يريد العدوّ إملاءَها علينا بدعم دولي وأميركي وللأسف عربي وتعني إدخَال لبنان في العصر الإسرائيلي.. وإما أن نصمد ونواجه الصهاينة.. وأعدكم بالنصر مجدّدًا”.
– إن الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان ليست بسَببِ قيام الحزب بأسر جنديين إسرائيليين بل هي “حرب شاملة يشنها الصهاينة لتصفية حساب كامل مع لبنان وجيش لبنان انتقاماً وثأراً لما تم إنجازه في 25 مايو/ أيار 2000” (تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان).
-“نحن مغامرون.. لكننا مغامرون من العام 1982 ولم نجلب لبلدنا سوى النصر والتحرير.. هذه هي مغامرتنا”.
-“المفاجآت التي وعدتكم بها ستبدأ من الآن.. البارجة العسكرية التي اعتدت على بنيتنا التحتية.. انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة”. (خطاب متلفز في قناة “المنار”).
وفي هذه الحرب غير المتكافئة والتي شارك فيها أكثر من 10 آلاف جندي للعدو الإسرائيلي واستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الهجومية المتطورة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة من الطلقة إلى إف 15، 16 التي استهدفت أكثر من 15 بلدة لبنانية بما فيها العاصمة بيروت إلى جانب المدفعية وخلفت دماراً هائلاً وخسائر مادية وبشرية كبيرة مقابل بضع مئات من مجاهدي حزب الله الذين استطاعوا بفضل الله أن يحقّقوا انتصاراً تاريخيًّا على ثالث جيش في العالم وعروا حقيقته التي بينها الله في كتابه بأنه الجيش الأسرع انهزاما ونسفوا أُسطورة “الجيش الذي لا يهزم” التي روجها العدوّ الصهيوني لإخافة دمى الأنظمة العربية وجيوشها التي سخروها لقمع شعوبهم لا للدفاع عنها وعن الأُمَّــة.
إضافة إلى ذلك فقد اعتمد العدوّ الإسرائيلي في هذ العدوان على دبابات الميركافا التي كان يعتقد أنها ستصمد أمام ضربات أبطال حزب الله؛ كونها الأحدث والأكثر تدريعاً ومع ذلك فقد حولها أبطال حزب الله إلى هياكل متفحمة.
مع اقتراب نهاية الحرب ورجوح الكفة لصالح المقاومة اللبنانية “حزب الله” وقبل صدور قرار 1701 الذي ينص على “وقف الأعمال العدائية من الطرفين” وكان الهدف الأول من صدوره إخراج جيش العدوّ الصهيوني من مستنقع الهزيمة الذي دخل فيه وقبل دخول ذلك القرار حيز التنفيذ بساعات نفذ حزب الله أكبر عملية إبادة لدبابات الميركافا الصهيونية المتطورة في الجنوب اللبناني في كمين محكم في وادي الحجير في القطاع الأوسط للجنوب اللبناني بما سمي بعملية “مقبرة الميركافا”، حَيثُ تمت أكبر عملية إنزال صهيونية لدبابات ميركافا في آخر لحظات الحرب لمحاولة الخروج على الأقل بإنجاز صهيوني من هذه الحرب ولكن المقاومة فاجأتهم بكمين محكم نتج عنه تدمير أكثر من 35 دبابة صهيونية تدميراً شبه كامل بصواريخ موجهة ومتطورة نسبياً ومقتل ما يقارب الــ 20 جندياً.
ومن الجدير بالذكر أن العدوّ الصهيوني لو حقّق نصراً في هذه الحرب على حزب الله كما كان يحلم لكانت لبنان منذ ذلك اليوم تحت هيمنته الاحتلالية ولكان اليوم قد اجتاح مساحات واسعة من سوريا ومصر والأردن إن لم تكن معظمها أَو كلها سعيا لتحقيق دولته التي يحلم بها من النيل إلى الفرات، ما يعني ويؤكّـد أن المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله خاضت تلك الحرب دفاعاً عن الأُمَّــة العربية بكلها وليس عن لبنان، إضافة إلى ذلك فَـإنَّ انتصار المقاومة اللبنانية على جيش العدوّ الصهيوني في هذه الحرب وهزيمته أَدَّى إلى نكوصه على عقبيه وكسر شوكة غروره وألجم عنجهيته وأحجمه عن الدخول في حرب عسكرية مباشرة أُخرى بقيود صعبة تجعله يفكر ألف مرة في خوض أية حرب مستقبلية ضد المقاومة اللبنانية وهذا مكسب عظيم للأُمَّـة وليس لحزب الله فقط.