تنومة.. مائة عام من الدم الحرام
عمران نت / 23 / يوليو / 2019
// مقالات // عبد الفتّاح علي شمّار
قبل مائة عام، سارت قافلة من اليمن إلى مكة بنيّة الحجّ، كان الهدوء والطمأنينة سمات الرحلة المباركة، اكثر من ثلاثة آلاف حاج يسيرون معا كما جرت العادة أن ينتظر المتقدّمون وصول المتأخّرين حتى يكتمل العدد ومن ثمّ يمضون جميعا بقيادة أمير واحد يهتم بهم وينظّم سيرهم و”يخاطب مسؤولي المناطق التي سيطر عليها آل سعود بالقوّة بعد عدد كبير من المذابح التي أودت بحياة الآلاف من البشر الذين تنبّهوا لخطر آل سعود وعمالتهم لليهود والبريطانيين على حساب العرب والمسلمين وغيرهم من شعوب الأرض الأحرار المستضعفين”، ولم يكونوا يحملون من السلاح إلا القليل من السلاح الناري والسلاح الأبيض الذي لا يغني عنهم شيئا إلا في مواجهة بعض الحيوانات المفترسة التي قد تعترض طريقهم، أو لإخافة قطّاع الطرق الذين لم يكونوا يجرؤون على مهاجمة ذلك العدد الكبير من الحجّاج، ولكنهم لم يكونوا على استعداد لمواجهة فرق عسكرية مدرّبة، استقبلهم امير عسير الذي كان تابعا لعبدالعزيز بن سعود وطمأنهم بأن الطريق آمن وأن بإمكانهم الوصول إلى مكة بأمان وسلام، انطلق الحجاج يحدوهم شوق متجذّر في أعماق اليمنيين إلى المشاعر المقدسة في مكة والمدينة، وفي وادي تنومة حطّ العدد الأكبر رحالهم وجلسوا لأخذ قسط من الرّاحة وإعداد طعام الغداء كما كان هناك مجموعتان أصغر إحداهما في سدوان الأعلى والاخرى في سدوان الأسفل، وما إن أنهى المسافرون غداءهم في وادي تنومة وبدؤوا يشدّون الرّحال لإكمال السفر حتى كان شياطين نجد قد اكملوا إعداد كمينهم الذي تم التخطيط له بحيث لا يبقى أي من حجاج بيت الله حيّا رجلا كان أو امرأة، أمطر الكافرون حجاج بيت الله الحرام يوم الأحد من شهر ذي القعدة الحرام، من العام الهجري 1431، الموافق الأول من يوليو 1923ميلاديّة، استبسل الرّجال في الدّفاع عن أنفسهم وعن نسائهم غير أن كثافة النيران فتكت بهم ليسقطوا شهداء، ولم يكتف الوهابيون التكفيريون الكفرة بذلك بل قاموا بتفتيش القتلى بحثا عن ناجين لا لإسعافهم بل لذبحهم، ولم ينجُ إلا من تظاهر بالموت وغمرت جسده وملابسه الدماء حيث ظن أعداء الله الوهابيون ــ الذين ماتت ضمائرهم ونمت في صدورهم مشاعر الحيوانات المفترسة الضالّة ــ أنهم قد اجهزوا عليه، وبعد قتل من في تنومة توجّه المجرمون إلى سدوان الأعلى وسدوان الاسفل لإكمال المهمّة التي أوكلها إليهم الخائن القذر الموبوء الوهابي المجرم عبدالعزيز بن سعود، وبعد إتمام جريمتهم النّكراء انصرفوا غير راشدين ولم يتنبّهوا إلى أنّ هناك من نجوا بفضل الله، وانقسم النّاجون إلى فريقين فريق عاد إلى اليمن وفريق أصرّ على إكمال رحلته وحجّ بيت الله الحرام، وبعد تنفيذ الجريمة حاول آل سعود إخفاء معالم وحشيّتهم وإلصاق التهمة بغيرهم إلا أنّ أعذارهم كانت واهية وزيفها مكشوف، وكان الإمام يحيى قد حكّم عبدالعزيز بن سعود بعد أن أرسل إليه ابن سعود يعتذر بأعذار واهية، وكان من الممكن تعبئة الشعب اليمني لقتال آل سعود حينذاك غير أن الإمام يحيى لم يستغل تلك الفرصة السّانحة، وللأسف فإنّ تلك الجريمة النّكراء دفنت ذكراها ولم يشر إليها المؤرّخون والكُتّاب إلا نادرا جدّا وأكثر من كتبوا عن ذلك تبنّوا الرّواية السعودية (السلوليّة) وأنا هنا أثير تساؤلا في غاية الأهميّة: إلى أي مدى سيطرت السّعودية على المشهد اليمني ثقافيّا وتربويّا وتعليميّا وإعلاميّا وحتى على مستوى الخطاب الدّيني حتى يتم تجاهل مجزرة بحجم مجزرة تنومة، وأين هم المثقّفون الّذين ملؤوا الرفوف بكتب فيها من الضلال والانحلال وبيع القيم والانبطاح لملوك ومشايخ وأمراء البترودولار ما لا يليق بأصحابه إلا الإعدام دوسا بأقدام العامّة من هذا الشّعب الذين خدعهم وخانهم أصحاب الكلمة وأرباب الأقلام إلا قليلا منهم وهم نادرون وفريدون، واتوجّه هنا بكلامي للمنبطحين في نجد والحجاز وتركيا ومصر وغيرها من البلدان ممن تأثّر بكتاباتهم الكثير من المخدوعين لأقول لهم: من تهن عليه دماء حجاج البيت الحرام ويغضّون الطرف عن سفك دماء أكثر من ثلاثة آلاف رجل وامرأة احقر وأتفه وأكثر سقوطا وأشد انحطاطا من أن يتحدّثوا عن اليمن أو أن يخاطبوا شعبا بعظمة وشموخ وصمود الشعب اليمني المؤمن بالله الواثق بنصره المبين والقريب بإذن الله تعالى.
وأنا أيضا أدعو إلى الاهتمام بالحديث عن تلك الفعلة النكراء والجريمة الهائلة من خلال المناهج الدراسيّة في المدارس والجامعات وإحياء فعاليات شعرية وقصصية في ذكرى المجزرة كل عام، وتناول الجريمة من خلال الرواية والمسلسلات والأفلام والمقالات واللوحات والبرامج التلفزيونية والإذاعيّة، وبكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة.
كما لا يفوتني أن أتوجّه بالشّكر الّذي لا حدود له لحضرة الأستاذ الباحث العالم الجليل المجاهد حمود الأهنومي على جهوده العظيمة في سبيل إيضاح الحقيقة وكشف المستور من خلال كتابه الرائع (مجزرة الحجاج الكبرى ..تنومة) الذي شمل تفاصيل الجريمة بشكل علمي سلس ومتميز جدا فله الشكر والمحبة والإجلال والتقدير وللمجلس الزيدي الذي كان له دور في بروز الكتاب وإعداده ونشره الشكر والتقدير.
كما أؤكّد بأنّ مؤسسة الإمام الهادي تنظر بعناية إلى إحياء الذكرى الأليمة وانّه بإذن الله سيكون للمؤسسة دور بارز وكبير في ذلك بحسب الممكن والمتاح والله ولي التوفيق.
الموت لآل سعود الذين عبّدوا أنفسهم لبريطانيا أولا ومن ثمّ لأمريكا وإسرائيل وسائر دول الاستكبار العالمي والمثل اليمني يقول:
ما تموت العرب إلا متوافية
والبشارة الأكيدة لكل قاتل جبان بالقتل لا شك فيها ولا جدال، وإن غدا لناظره قريبُ
والغد الذي ينتظره آل سعود هو ذات الغد الذي ألحق بمن قبلهم من أمثال بني أميّة الخزي والعار والخذلان والعذاب الأليم، (وإلى الله تُرجع الأمور).
ملتقى الكتاب اليمنيين