ذاكرةُ طفل مليئة بالدم
بقلم/ رند الأديمي
قالت لي: ماذا أفعل ولد أختي يموت؟
أنا: خير اللهم اجعله خيراً.
أجابتني: مريض بذاكرته بقلبه عمره سنتين لايعرف الا ماما بابا سيارة بيت
أنا: ذاكرته؟
نعم هو ولد الشهيدَين ماتا أبواه في قصف بصعدة وهم نائمون الساعة العاشرة ليلاً ورأى بأم عينيه أبويه وهم يلفظان أنفاسهما وأنه لم يتجاوز السنتين.. ولد أخي الآن لم يعد طفلاً كسائر الأَطْفَال يلعب ويلهو حتَّى وإن دغدغنا جسده لا يتدغدغ مثل الأَطْفَال.. هو شارد الذهن مثقل الخُطَى.. كلنا لا نعرف ما الذي رآه بالضبط؟
مرت الساعات الطويلة حتَّى عرفنا أنهما استشهدا لنأتي لهم وولدهما ملقى على بطنه ورجليه مطوقتان على بطنه وكان يحلق بنا بدهشة؟!
ولا نعرف كم مرت ساعات الدهشة وماذا عساه هذا الطفل يحدث ذاته؟ وما هو الذنب الذي تقاصصه الحياة عليه الآن وهو صفحة بيضاء؟
كان يقوقع رجليه عله يحمي نفسَه من خواطر الأسئلة الناسفة “كيف ولماذا ومتى ومن؟
سردت بالحديث: كُلّ دقيقة ينزل من السلالم وهو يقول” بابا جه “ماما جت”.
ويعود ألينا قائلاً بلسان ثقيل مابا حد “لا أحد” وهو يناظر الأرض.
لقد كان يرسم امرأةً تلبس جلباباً أسود وتحمل حقيبةً وينادي عمته قائلاً: ماما ماما لعبة.
وكان يرسم بيتاً لونه أخضر وينادي جدته قائلاً: بابا ماما سيارة مسدس.
وعندما لبست ثوباً كثوب امه بكى وقال: حق ماما حق ماما ولم يهْدأ حتَّى خلعت ثوبي وأخده وخبّأه داخل حقيبته الصغيرة.
من هنا انتهت خالته من الحديث عنه، ومن هنا بدأت أجيّش بوعكة الضمير.
يا إلهي هل باستطاعتي شراء ذاكرته وقلبه الصغير ليعود لطفولته وأحلامه البيضاء؟!!.
وهل بوسعي حمل عيون كُلّ أَطْفَال الحروب.. الراكضين وراء أشباح آبائهم.. ولو كان بوسعي البكاء نيابةً عن أعينهم الحالمة لبكيت دماً حتَّى تجف عروقي من الحياة وحتمية الوجود.
آآآآآآآه ليته أنا.. وليت القلوب تُشترى وتباع لأشتري هذا القلب وأهبه قلباً أبيض وذاكرة لم تستهلك قط.
وأود كُلّ الود من الرب أن يهبني معجزة حمل عيون الأَطْفَال المنتظرين على ناصية البيوت.
وهؤلاء مَن أعينهم لا تغادر شرفات منازلهم.
* * *
ويمر ليلٌ بعد ليل ونهارٌ مشمسٌ وآخر غائم وبتنوع الطقس والليالي كُلّ شيء قد يأتي إلى المعلقين في خلجات الروح
الراحلين بدون استئذان والتاركين فلذات أكبادهم على الرصيف.