اغتيال أئمة المساجد في عدن المحتلة .. هل ورث مرتزقة محليون المهمة التي بدأها مرتزقة أجانب؟
عمران نت/ 26 / اكتوبر 2018م
مساء الثلاثاء الماضي اصطادت البندقية المجهولة الأكثر حضوراً وفاعلية في مدينة عدن المحتلة إمام مسجد جديد في أحد أحياء المدينة.
كالعادة تداولت وسائل الإعلام الخبر إلا أن التداول هذه المرة جاء في وقت متأخر وبعد مرور حوالي 24 ساعة على حدوث العملية ولم يزد الخبر عن الإكليشة المعتادة أن مسلحين مجهولين يستقلون دراجة نارية، اغتالوا الشيخ حميد الأثوري، إمام مسجد الفرقان، في حي النصر بمنطقة الصولبان بعدن.
وعلى عكس العمليات السابقة التي كانت في الغالب تستهدف أئمة ودعاة لهم مريدين وأنشطة فكرية ودعوية وأحياناً سياسية، فقد استهدفت العملية الأخيرة شيخاً مسناً لا يعرف له انتماء سياسي ولم يمارس أي نشاط سوى ارتياد المسجد والإمامة بالناس للصلاة في حال غياب الإمام الرئيسي للجامع بالإضافة إلى كونه (الأثوري) هو مؤذن الجمعة في ذات الجامع.
توقف الأثوري عن ممارسة نشاطه كمقاول إنشاءات بعد أن تقدم به السن ولجأ إلى ممارسة حياة هادئة تليق بكهل يبحث عن قليل من الراحة في سنواته الأخيرة.
الأسبوع الماضي نشرت صحيفة (buzzfeed news) الأمريكية تحقيقاً صحفياً استقصائياً كشف عن استئجار دولة الإمارات مرتزقة أمريكيين وصهاينة لتنفيذ عمليات اغتيالات ضد قادة سياسيين وشخصيات دينية في مدينة عدن ممن لا ترغب بوجودهم في المشهد القادم، تمت هذه الصفقة في أواخز عام 2015. مقابل تقاضيها مليون ونصف المليون دولار شهرياً.
وحسب التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأمريكية وأثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأمريكية فإن الشركة التي وقعت معها الإمارات العقد هي “مجموعه عمليات الرمح”، وهي شركة تقدم خدمات أمنية وعسكرية وتضم بين صفوفها محاربين قدامى أو جنود ضمن قوات الإحتياط، وتاسست في “ديلاوير” وأسسها “إبراهام جولان”، وهو مقاول الأمن الإسرائيلي الهنغاري الكاريزمي الذي يعيش خارج بيتسبرغ.
والذي قاد عملية الإغتيال التي استهدفت عضو مجلس النواب ورئيس حزب الإًصلاح في عدن إنصاف مايو أواخر ديسمبر من العام 2015.
الصحيفة التقت المقاول الإسرائيلي إبراهام جولان الذي أسس الشركة ويقود بنفسه أخطر العمليات ليثبت نجاح شركته ويرفع من المقابل الذي يفترض أن يحصل عليه لقاء تنفيذ عمليات لزبائنه قال للصحفي الذي أجرى التحقيق “كان هناك برنامج اغتيال لأهداف في اليمن، كنت مسؤولا عن تشغيله. نحن فعلنا ذلك. وقد أقرته دولة الإمارات داخل التحالف”.
ورغم الصدمة التي أحدثتها حقائق تضمنها التحقيق الصحفي والتفاصيل التي أدلى بها إبراهام جولان ورفيقه عن انتقالهم من الولايات المتحدة إلى أبوظبي وانتقالهم بطائرة عسكرية إماراتية إلى عدن والبدء بتنفيذ عملية استهدفت مكتب النائب إنصاف مايو لكنه (مايو) نجا، وغادر المدينة بعدها مباشرة إلى الرياض لينجو بنفسه، إلا أن الحكومة والأحزاب والنخب في اليمن البلد الذي كان ولا يزال مسرحاً للعبث الإقليمي والدولي بدت في حالة من التخدير عاجزة عن إظهار أي رد فعل حتى أن أياً من الجهات المعنية لم تطالب حتى بالتحقيق في هذه المعلومات أو تخاطب الولايات المتحدة الأمريكية للإستفسار عن مشاركة مجندين تابعين لها في تنفيذ عمليات اغتيال في اليمن.
ما الذي يعيد تفاصيل هذا التحقيق الصحفي إلى الواجهة؟
سيظل يستعاد هذا التحقيق وما ورد فيه من حقائق، لم ينفها أحد كما لم يدنها أحد باستثناء إدانات قليلة من منظمات إقليمية ثانوية، مع حدوث كل عملية اغتيال في مدينة عدن والمناطق المتصلة بها جغرافياً جنوب اليمن، الخاضعة لسيطرة المحتل الإماراتي والتشكيلات المسلحة التابعة لها.
ومع ما قدمته الصحيفة الأمريكية من معلومات وتفاصيل عن استئجار الإمارات مرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيالات في اليمن فإن الجانب الذي لا يزال مسكوت عنه هو الدور الموازي الذي يقوم به مرتزقة محليون. حيث شرعت الإمارات، كونها المتحكم في محافظات جنوب وجنوب شرق اليمن، منذ وقت مبكر في إنشاء عديد تشكيلات مسلحة تابعة لها بشكل مباشر وتتلقى منها التمويل والتدريب والإشراف ولا يستطيع رئيس البلاد ولا قائد الجيش ولا وزير الداخلية التخاطب مع هذه التشكيلات أو محاسبة أو تغيير المسؤولين عنها.
يذهب كثير من المراقبين إلى أن مسلحين محليين (مرتزقة) وتشكيلات مسلحة اضطلعت بالدور الأكبر من عمليات الإغتيالات منذ منتصف العام 2017 بعد أن تلقت جرعات من التدريب يجعل المشغل لها يستغني أو يقلل من دور شركات المرتزقة الأجنبية التي تكلفه مبالغ كبيرة.
كما أثبتت هذه التشكيلات أن لديها قدرة عالية واستعداد لإختطاف الخصوم السياسيين وإدارة سجون سرية وتنفيذ عمليات تعذيب دون حاجة إلى أن يكون للضحايا تهماً حقيقية.
ومن خلال تنفيذ مجموعة عمليات استهدفت قادة ينتمون لحزب الإصلاح وآخرين ينتمون للتيار السلفي المناوئ لهاني بن بريك، أحد الوكلاء المحليين للإمارات في جنوب اليمن، أثبتت هذه التشكيلات والمجاميع المسلحة قدرة كبيرة على التنفيذ دون أن يتركوا أثراً.. وبدت قادرة من خلال التشبيك مع نظيراتها من التشكيلات التي تدير الأمن في عدن على إغلاق ملفات كل هذه الإغتيالات واحدة تلو أخرى وتقييدها ضد مجهول وعدم إتاحة المجال لأي تحقيقات أو تعريض أى من المنفذين للمساءلة.
بالعودة إلى آخر عملية اغتيال والتي أودت بحياة الشيخ حميد الأثوري وهو الشخصية رقم (23) على قائمة أئمة المساجد الذين تم اصطيادهم في عدن فإن محاولات إعلاميين محليين يعملون لصالح الإمارات ويتبعون المجلس الإنتقالي (كيان يطالب بانفصال جنوب اليمن ويتلقى الدعم من الإمارات) للتغطية على هذه الجريمة وإنكارها تماماً يأخذ بعداً جديداً في التعاطي مع عمليات الإغتيالات.
وتكررت منشورات على مواقع التواصل الإجتماعي وردود على مغردين تنكر حدوث هذه العملية حيث أبدى مغردون جنوبيون يعملون في اتجاه واحد ضمن ما يبدو أنه غرفة عمليات موحدة إصراراً على أن هذه العملية هي من الشائعات التي يخترعها إعلام حزب الإصلاح، وهي شماعة يكررونها دوماً للتغطية على أى من الجرائم التي تعج بها المدينة، وخصوصاً الجرائم ذات الطابع السياسي.
لم تنفِ دولة الإمارات ما ورد في التحقيق الذي نشرته صحيفة (بزفيد نيوز) الأمريكية وظهرت غير محتاجة للنفي في ظل انعدام رد الفعل اليمني، واكتفت الإمارات بإدارة حملة إعلامية ضد حزب الإصلاح الذي يعد واحد من أكثر الأطراف اليمنية فاعلية وحضوراً على الساحة ومؤيد للعمليات العسكرية التي يديرها التحالف في اليمن، وحاولت الإمارات إشغال الرأي العام المحلي عن هذه القضية بتهمة تحالف الإصلاح مع الحوثيين وهي التهمة التي ترددها منذ قرابة عام وترتفع وتيرتها في مواسم انكشاف جرائم إماراتية في اليمن وكان أبرزها كشف تحقيق صحفي أجرته وكالة الأسوشيتد برس عن فظائع تحدث في سجون سرية تديرها الإمارات وما كشف عنه تقرير لجنة خبراء حقوق الإنسان ومؤخراً المعلومات التي وردت في تحقيق الصحيفة الأمريكية عن استئجار الإمارات مرتزقة لتنفيذ اغتيالات في اليمن.
وعلى الرغم من حضور دور لجماعات إرهابية وعناصر متطرفة في عدن إلا أن عدم تحرك الأمن للتحقيق في عمليات الإغتيالات وملاحقة وضبط المتهمين يقلل من احتمالية ضلوع إرهابيين في عمليات الإغتيالات بمنأى عن دعم وتغطية فصائل مسلحة حليفة للمتحكمين في المدينة.
مع أن خيار استخدام هذه الجماعات وتسهيل تحركاتها لتنفيذ عمليات محدودة سيظل أمراً وارداً بغرض لخبطة الأوراق والتغطية على الإغتيالات الممنهجة التي طالت خلال الفترة الماضية شخصيات بارزة من تيارات وأطراف تجاهر الإمارات بأنها لا ترغب أن يكون لهم حضور أو تأثير في المشهد السياسي مستقبلاً.