أسباب تراجع التصريحات السعودية التركية حول التدخل العسكري البري في سوريا
عمران نت_وكالات
لم يكن خبر تحرير الجيش السوري وحلفائه لبلدتي نبّل والزهراء بريف حلب الشمالي بتاريخ 3-2-2016، بالسهل والمستساغ على مسامع “المعارضة السورية” التي اجتمعت في جنيف، وكل من حليفتيها تركيا والسعودية ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية، فلقد شكّل هذا التحرير انتصاراً عظيماً للحلف السوري بقدر ما شكّل هزيمة لحلف المعارضة الذي بدأ يبحث عن مخرج له، فلم يجد أمامه إلا التعمية عن الانتصار بالتلويح بعمل عسكري بري ضد سوريا فبدأ الصوت التركي والسعودي يصدح بالتهديد والوعيد ليعود الصوت يخفت من جديد بعد ردة الفعل التي أبدتها سوريا وحلفاؤها.
وفی الوقت الذی کان وفد الحکومة السوریة ینتظر أن یتبلور الوفد المعارض الذی یجب علیه أن یفاوضه فی جنیف، کان الجیش السوری قد بدأ عملیة عسکریة خاطفة بریف حلب الشمالی، سیطر خلالها على قرى وبلدات استراتیجیة، واستطاع فی النهایة تحریر بلدتی نبّل والزهراء المحاصرتین من قبل المجموعات التکفیریة منذ أکثر من ثلاثة أعوام.
و وجه التقدم الذی حققه الجیش السوری فی الشمال ، صفعة قویة للوفد المعارض المتخبط فی جنیف والذی ازداد تخبطاً بعد سماعه نبأ فک الحصار عن نبّل والزهراء، وکأنها رسالة من الدولة السوریة لممثلی الفصائل المسلحة المشارکة مع الوفد المعارض مفادها أنه من المستحیل أن تفاوض سوریا مجموعات إرهابیة، وأن المکان الوحید للمفاوضات هو میدان القتال.
و ادت خیبة الأمل التی رافقت الوفد المعارض، الى تعلیق مباحثات جنیف، کما أثارت حفیظة حلفاء المعارضة ترکیا والسعودیة ومن خلفهما الولایات المتحدة الأمریکیة، وخاصة أن التقدم الذی حققه الجیش السوری وحلفاؤه کان بدعم واضح من الطیران الحربی الروسی الذی شلّ أی محاولة ترکیة لإرسال تعزیزات إلى “جبهة النصرة” وأحرار الشام، وبالتالی إسقاط ورقة ترکیا وإبعاد تهید عسکری من جانب أنقرة، فکان لابدّ من التحضیر لسیناریو معاکس، للتعتیم على کسر هیبة المعارضة وداعمیها أمام الرأی العام، فتمّ الإعلان عن إمکانیة تدخل عسکری بری سعودی إلى سوریا بحجة محاربة داعش وبمساندة من ترکیا ودعم من أمریکا.
و بدأت هذه الحملة الإعلامیة من قبل الحلف المعارض، بتصریح من وزیر الخارجیة الأمیرکی جون کیری، بعد یوم واحد من تحریر بلدتی نبّل والزهراء بتاریخ 4-2-2016 عندما اتهم “الحکومة السوریة وحلیفتها روسیا بالسعی الى “حل عسکری” للنزاع فی سوریا”، لیُتبع التصریح ببیان للخارجیة الأمریکیة قالت فیه: “إن الغارات التی تشنها الطائرات الروسیة فی مدینة حلب ومحیطها “تستهدف بشکل شبه حصری” المجموعات المسلحة المعارضة ومدنیین بدلاً من أن تستهدف تنظیم “داعش، العدو المشترک للمجتمع الدولی بأسره”.
وکان لابد للتصریح الأمریکی من تداعیات على الأرض السوریة، فعشیة الیوم الذی صرحت فیه أمریکا، أعلنت السعودیة عن احتمال مشارکتها ضمن قوات التحالف بعمل عسکری بری فی سوریا بهدف “محاربة داعش”، ما لقی ترحیباً من مسؤولین فی وزارة الدفاع الأمریکیة، وإعلان تضامن کل من البحرین والإمارات فی حال تدخل السعودیة فی إطار ما یسمى “قیادة عسکریة موحدة لدول الخلیج”، لتعلن روسیا بالتزامن أن لدیها أسباباً جدیة تحمل على الاعتقاد بأن ترکیا تُعد لتدخل عسکری فی سوریا.
و بدات التصریحات السعودیة حول التدخل البری فی سوریا على لسان وزیر الخارجیة عادل الجبیر الذی قال: “إن إرسال السّعودیّة طائرات إلى قاعدة إنجرلیک الجویة فی ترکیا هو جزءٌ من حملة نشر قوات خاصّة سعودیة فی سوریا” زاعماً أن “استعداد السّعودیّة لإرسال قوّات خاصة لأی عملیة بریة فی سوریا یرتبط بقرار وجود عنصر بری لهذا التحالف ضد تنظیم “داعش” فی سوریا”.
وتعقیباً على إرسال الطائرات السعودیة إلى ترکیا، علّق وزیر الدفاع الترکی عصمت یلماز، یوم الأحد بتاریخ 14-2-2016 بقوله: ” لم تأتِ تلک المقاتلات حتى الآن، لکن من المنتظر أن تصل أربعة من طراز إف 16، فلقد تم اتخاذ قرار فی هذا الشأن” مضیفاً “لقد اتفقنا على ذلک من حیث المبدأ، وأبلغنا الجانب السعودی أنه بإمکانهم المجیء”
و أول رد فعل رسمی من الجانب السوری على التصریحات السعودیة والترکیة جاء على لسان وزیر الخارجیة ولید المعلم الذی اعتبر فی مؤتمر صحفی بتاریخ 6-2-2016 أن “الولایات المتحدة لا ترید أن تتعاون مع الجیش السوری الذی یکافح تنظیم داعش، ومن الطبیعی أن تستجیب السعودیة ” معلناً أن “سوریا ستعتبر أی توغل بری فی أراضیها عدواناً ونأسف أن یعود هؤلاء المعتدون فی صنادیق خشبیة إلى بلدهم”.
و لم یستبعد الرئیس السوری بشار الأسد احتمال إقدام ترکیا والسعودیة على تدخل بری فی سوریا، وقال فی مقابلة مع وکالة فرانس برس بتاریخ 12-2-2016: “إن المنطق یقول إن التدخل غیر ممکن، لکن أحیاناً الواقع یتناقض مع المنطق. هذا احتمال لا أستطیع استبعاده لسبب بسیط وهو أن الرئیس الترکی رجب طیب أردوغان شخص متعصب، یمیل للإخوان المسلمین ویعیش الحلم العثمانی” مضیفاً: “نفس الشیء بالنسبة للسعودیة. إن مثل هذه العملیة لن تکون سهلة بالنسبة لهم بکل تأکید، وبکل تأکید سنواجهها” .
والرد الروسی على الطائرات السعودیة المدعومة من ترکیا، لم یأت یقتصر فقط على التصریحات بل بإرسال طراد لإطلاق الصواریخ إلى البحر المتوسط، صنع العام الماضی.
أما الرد الإیرانی فجاء على لسان قائد الحرس الثوری اللواء محمد علی جعفری الذی صرّح لوکالة تسنیم یوم الأربعاء بتاریخ 17-2-2016، بأن “السعودیین عاجزون ولن یجرأوا على شن هجوم بری ضد سوریا، مضیفا “إن السعودیین لا ولن یجرأوا على دخول الاراضی السوریة من البر، وذلک لأنهم لیسوا فی هذا المستوى ویفتقدون الى القوة التی تؤهلهم للقیام بمثل هذا الهجوم.”
و بدأت التصریحات الترکیة والسعودیة بعدها، تأخذ منحى العودة والتراجع عما کان قد أعلن سابقاً وذلک بعد سماع الرد من الجانب السوری والحلفاء، فقد صرح وزیر الخارجیة الترکی أحمد داوود أوغلو بتاریخ 16-2-2016 قائلاً: “لن ندخل الحرب فی سوریا ولکننا نتخذ الإجراءات اللازمة لحمایة حدودنا وأمننا” .
وتصریح داوود أوغلو تبعه إعلان وزیر خارجیته مولود جاوش أوغلو الذی قال: “إن بلاده والسعودیة وبعض الحلفاء الأوروبیین یرغبون فی شن عملیة بریة فی سوریا، لکن لا یوجد إجماع فی التحالف ولم تتم مناقشة استراتیجیة بهذا الخصوص بشکل جدی.” مضیفاً: “إن بعض الدول مثلنا والسعودیة وکذلک بعض الدول الأخرى فی غرب أوروبا تقول إن من الضروری شن عملیة بریة.. لکن توقع هذا من السعودیة وترکیا وقطر فقط هو أمر غیر صائب ولیس واقعیاً”.
وبخصوص التدخل البری السعودی الترکی فی سوریا قال العمید الطیار فی الجیش السوری محمود علی لوکالة تسنیم “بقناعتی لن یجرؤوا على ذلک، فمنظومة اتخاذ قرار الحرب بترکیا لا تسمح بذلک وما یجری هو مناورات فی السیاسیة وهی عملیة تفاوض النار بالنار بهدف الحصول على أکبر نسبة أوراق فی التسویة القادمة للأزمة السوریة” لافتاً إلى أنه “عندما کانت سوریا فی عام 2014 أضعف مما هی علیه الآن بکثیر وکانت تحالفاتها الإقلیمیة والدولیة لیست ناضجة کما الآن، وفی نفس الوقت کان الطرف الآخر فی عز قوتهم وأوج غرورهم وأقصد هنا السعودیة وترکیا، فإنهم لم یتجررؤوا على القیام بمثل هکذا مغامرة، فکیف الآن وسوریا وحلفاؤها فی منتهى القوة والطرف الإرهابی وحلفاؤه فی منتهى الضعف إن کان فی ترکیا أو السعودیة؟”
وفی هذا السیاق قال الکاتب والباحث اللبنانی الأستاذ معن بشور: إن “الحکام فی الریاض وأنقرة باتوا مدرکین تماماً أن مشروعهم فی سوریا قد فشل ولکن کل ما نراه الیوم من سیناریوهات یأتی لإخفاء هذا الفشل وإلباسه بلبوسات متعددة” لافتاً إلى أن “المعارک الإعلامیة والسیاسیة وتغییر الاتجاهات، کل ذلک یکشف حجم المأزق مرة أخرى الذی وقع فیه هذا المحور السعودی الترکی”
وأضاف الأستاذ معن بشور: “إن المشکلة فی هذا المحور (الترکی السعودی) أنه اعتقد أنه عبر أموال کثیفة وتضلیل إعلامی وتحریض طائفی ومذهبی یستطیع أن یغیر جملة حقائق فی هذا الإقلیم وفی سوریا بالذات وهو من البدایة لم یدرک أن إرادة الشعب السوری وقدرات الجیش السوری وصمود القیادة السوریة سیکون بالتأکید ضمن الفرضیات لکل ما یجری.