الدين في دائرة الاستهداف الناعم
عمران نت/ 22 مايو 2018م
تحول الدين بمفاهيمه وتعاليمه واعتقاداته وشعاراته… الى قضية جوهرية ومحورية في الصراع الناعم بالاخص ذاك الذي يستهدف الاسلام على وجه الخصوص. والسبب وراء ذلك، التعاند والتعارض الجوهري بين حقيقة الدين وتأثيراته وتجلياته وبين مقتضيات العصرنة والخطط المعادية الآتية من كل حدب وصوب. وبعيداً عن التخمين اللاواعي والغرق في فكرة التآمر، يكفي الإطلالة السريعة على مروحة كبيرة وواسعة من النشاطات والاعمال والحركات… لمعرفة استهداف الدين.
عندما يريد العدو استخدام قوته الجاذبة للترويج لقيمه الخاصة فإن الخطوة الاولى تبدأ عندما يتمكن من اسقاط قيم ومعتقدات وتعاليم الآخر…وبذلك يُمهد الطريق لدخول افكار الآخر التي لا تخلو من مصالحه.
قبل الدخول الى عناوين الاستهداف التي نطالعها في البرامج التلفزيونية والاعلامية ووسائل التواصل والمؤسسات والمراكز البحثية والعلميةو… والعشرات من الأدوات، لا بد من اطلالة على الخطط والمشاريع المؤسسة لهذه الحرب على الدين.
الخطط الامريكية لإستهداف الدين
نطالع في العديد من الدراسات والتقارير التي اصدراتها المؤسسات الامريكية ، التخطيط المسبق والعلني لاستهداف تعاليم الدين الاسلامي كونها تشكل الخطر الابرز على سياسات الولايات المتحدة الراغبة باعادة صياغة العالم الاسلامي على صورة جديدة تنسجم بالكامل مع الساسات والاستراتيجيات الامريكية.
اصدر مركز راند للدراسات الاستراتيجية العديد من الدراسات التي خططت لاستهداف الاسلام وكان من ابرزها، دراسة “بناء شبكات اسلامية معتدلة” . الهدف المعلن من الدراسة تغيير الاسلام، باعتبار ان تحقيق الاهداف الامريكية لا ينسجم مع وجود اعتقادات وتعاليم اسلامية. اللافت في التقارير تركيزه على عناوين من ابرزها:
1- يشدد الامريكي في هذه الدراسة وغيرها على ضرورة انتاج اسلام معتدل، والواقع ان المعيار الوحيد الذي يميز المعتدل عن سواه حسب الفهم الامريكي، تطبيق الشريعة او عدم تطبيقها. وفي الفهم الامريكي ايضاً فإن عدم تطبيق الشريعة الاسلامية مؤشر لوجود الاسلام المعتدل.
2- تدخل الدراسات الامريكية الى تفاصيل الاسلام المعتدل فتعالج معتقداته وافكاره التي يجب ان تنسجم بالكامل مع الفكر الليبرالي الغربي وهنا وعلى سبيل المثال ذكرت التقارير الامريكية عناوين من ابرزها: الاسلام المعتدل هو الذي يعتقد بالديمقراطية الغربية، وهو الذي يعتقد بعدم ضرورة حاكمية الاسلام، وهو الذي يؤمن بحرية المرأة في اختيار “الرفيق” وليس الزوج… والى ما هنالك من افكار ومسائل لا تنسجم مع تعاليم الدين الاسلامي.
3- ثم تدخل الدراسات الامريكية الى التفاصيل الاكثر حساسية ذات العلاقة بالدور والوظيفة. والمقصود بالتحديد دور ” المسجد” ، اذ يعتبر ان المسجد هو المكان الاساس الذي ينطلق ويشع منه الاسلام الى عقول الناس، لذلك وفي الفهم الامريكي لا بد من تغيير وظيفة المسجد ليكون الساحة الوحيدة للمعارضة، ويدعو من جهة ثانية لدعم علماء الدين العاملين خارج المسجد. وفي هذا الاطار عناوين كثيرة تدخل ادق التفاصيل، ولم يكتفي الامريكي بذلك بل ابدى رأية في الاسلام ، فالقرآن من وجهة نظره ، كتاب تاريخ لا يصلح للقرن الحادي والعشرين وهو كتاب غامض ونظام العقوبات في الاسلام نظام قاسٍ غير حضاري… . طبعا لا يتسع المقال لدراسة مجمل الاتجاه الامريكي اتجاه الاسلام.
ملامح الاستهداف
ان قراءة سريعة للاستهدافات الدينية الموجودة وبالرجوع الى الادوات والمشاريع والتي ذكرنا البعض منها، يتبين ان المستهدف:
أ- ضرب صورة القدوة والرمز: يعمل المعتدي وبكافة الاساليب والادوات على اسقاط صورة القدوة والرمز في الدين والمعتقد الاسلامي وذلك بالتصويب على شخصية الولي الفقيه والمرجع وعالم الدين وشخصية المتدين. يحاول المعتدي زرع صورة عن القدوة والرمز في اللاوعي الشعبي ويسوق العديد من الافتراءات التي تتعلق بسلوكه ومعتقده مما يؤدي الى اسقاطه كنموذج. وتبرز اهمية هذه القضية بالاخص فيما يتعلق بالولي في ان المعتدي يحاول التصويب على مفهوم القيادة وشخص القائد باعتبار ان سقوط القائد يؤدي الى سقوط منظومة باكملها. من هنا نجد الامام الخامنئي (دام ظله) يقول: “الهدف الرئيس للاعداء في هذه المرحلة من الحرب الناعمة، هو التحضير لتفريغ النظام من عناصر ومكامن قوته الداخلية” . ويشكل شخص الولي المصداق الابرز لتفريغ النظام من عناصر القوة الداخلية. ويقول (دام ظله) ايضاً: “اليوم فإن هدف حرب العدو الناعمة…جعل الناس غير مبالين بالمثل العليا” . طبعاً يتجرأ المعتدي على القدوة والرمز متسلحاً بادعاءات حرية التعبير والنقاش الهاديء والشفاف والواقع غير ذلك اذ ان اعماله لا تتجاوز الاتهام وترويج الاشاعات والافتراءات…
ب- التشكيك في النصوص الدينية: عندما نطالع المحاولات والبرامج والدراسات، تظهر امامنا مجموعة من الادعاءات التي تحكي عن التشكيك في النص الديني ، ولعلنا في الاونة الاخيرة عايشنا الجدل القائم حول وجوب الحجاب في الاسلام وحرمة الخمر او رأي الاسلام في الشذوذ والى ما هنالك من افكار وتعاليم دينية نص عليها الدين واردفها بالدليل القاطع بما لا يترك مجالاً للشك والترديد او التأويل فيها. ومع ذلك انبرى البعض ليقدم نصوصا وتأويلات للامور المتقدمة تخالف النص الصريح.
ت- حَصْر المشكلة في الدين: يحاول المعتدي تلمس اجابات للمشاكل الاجتماعية والسلوكية من خلال ارجاعها الى الدين وقصوره عن الرقي بهذه السلوكيات. وهنا يتم استحضار عناوين كثيرة تشكل مصاديق تهدف للتصويب على الدين من باب عجزه في الحل لا بل ومشاركته في وجود الخلل، من ابرزها: زواج القاصرات، الثأر والخلافات العائلية، التخلف، الحقوق على اختلافها بدءً من حقوق المرأة والطفل… والحضانة والى ما هنالك من عناوين يتم ربطها بالدين وتعاليمه متجنبين بذلك البحث الدقيق في المنظومة الدينية، بل يعتمدون كل الاعتماد على تجارب خاصة لا تحكي عن الممارسة الدينية.
هذا غيض من فيض الاستهدافات الكثيرة، لكن ما هو ماثل للعيان ان التركيز على تحطيم صورة الاسلام وتعاليمه، تعدىّ الشفافية ليصبح برنامجاً مخطط له بشكل مسبق يصب نهاية في خدمة المقولة الامريكية: “يجب ان نجعل الآخرين يريدون ما نريد”. وهنا لا بد من وقفة تأمل واقعية حول اهداف الاعداء، وحول قيمنا وتعاليمنا التي كان الهدف الاساس منها اخراج الفرد والمجتمعمن الظلمات الى النور. كما لا بد من الوقوف طويلا امام المسؤوليات التي تتطلب وعياً لما يخطط له الآخر وعملاً دؤوباً للخروج من المؤامرات الغربية ضد الاسلام. وفي هذا الاطار نستحضر التأكيد الدائم للامام الخامنئي (دام ظله) على المفاهيم المحورية ألا وهي البصيرة واليقظة والتخطيط والعمل … الكفيلة بالحفاظ على الهوية الذاتية.