يوم القيامة يتجلى للإنسان أهمية العمل، عملك هو الذي يتحدد به مصيرك
عمران نت/ 11 مايو 2018م
من هدي القرآن الكريم
يُعيد الله الحياة إلى الخلق وتبدأ مرحلة الحشر، يحشر الناس بكثرتهم الأولين والآخرين، كل البشر منذ آدم وإلى نهاية الحياة البشرية، الجميع عادوا إلى الحياة، والجميع يُحشرون ويُجمعون إلى ساحة الحشر وفق ترتيبات أعدها الله سبحانه وتعالى هناك.
في يوم الفصل، في يوم الحساب﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ﴾[طه:10]، عندما يدعوهم الداعي ويجمعهم وينظمهم الملائكة الكل يتحرك إلى ساحة الحساب، إلى ساحة الحشر بكل انتظام، ليس هناك أحد يتعصَّى أو يمتنع أو يتعنَّت الكل منقاد، والكل يجتمعون بكل انتظام، وكلٌ يأخذ موقعه ومكانه في ساحة الحشر بحسب الترتيبات التي تُعدِّها ملائكة الله هناك.
﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ﴾[طه:10] بينما الكثير لم يتبع داعي الله في الأرض وهناك كانوا على استعداد، ويجتمع الخلائق والكل يأتي في ساحة الحشر من كل البشرية عبداً ذليلاً مستسلماً خاضعاً لله سبحانه وتعالى، يأتي إلى ساحة الحساب بعبوديته من موقع عبوديته، ليس هناك أحد يأتي متعالياً، ولا أحد سيأتي بموكب كبير، ولا أحد سيأتي من مقام دنيوي معيَّن رئيساً أو ملكاً أو أميراً أو قائداً أو ضابطاً أو أي مرتبة أو أي عنوان من عناوين الدنيا. لا.
الكل عبيد لا رئيس ولا مرؤوس ولا ملك ولا رعية ولا أي شيء، الكل يأتي بصفته عبداً ذليلاً في موقف الحساب والسؤال والجزاء﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا﴾[مريم:93-95] الكل يأتي فرداً لا جيش له، لا نصير له، لا قوة له.
وليس بإمكان أحد أن يمتنع أو يختفي أو يُنسى أبداً.﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾[مريم:94]، فيأتي الكل ويجتمع الكل في ساحة الحساب وقد نظمتهم الملائكة وكلٌّ أخذ موقعه في حالة مُهِيبة، في موقف مُهِيب، مع كثرة البشرية على امتداد حياتها الدنيا، مع كثرتها الهائلة الكل في حالة خضوع وإجلال واستسلام لله سبحانه وتعالى في مقام مُهِيب.
﴿ وَخَشَعَت الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا﴾[طه:108] من يريد أن يتحدث إلى من بجنبه أو إلى شخص آخر يتحدث معه بالهمس، الموقف مُهِيب بشكل كبير جداً وجلال كبير للموقف، حتى الملائكة﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾[النبأ:38].
يتفاجأ الإنسان في تلك الحالة ويستغرب، يستذكر كم كان الفارق بين الحياة الأولى والحياة الآخرة ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم:55-56]﴿يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم:55] يرون الفترة التي كانت ما بين الحياة الأولى والحياة الأخرى منذ مماتهم إلى أن بُعثوا أنها قصيرة وقصيرة جداً وكأنها ساعة واحدة، ويقسمون على ذلك.
تبدأ مرحلة الحساب والمسائلة في تلك الساحة الكبيرة، وتبدأ عملية الحساب بتسليم الصُّحُف والكُتُب، الإنسان كل أعماله مُوثَّقة، والعدل الإلهي سيُعطي للإنسان فرصة المحاسبة والمسائلة والدفاع عن نفسه، والعدل الإلهي سيُثبت ما على الإنسان من إدانات، من جرائم، من تقصير، من عصيان بكل الأدلة والبراهين الدامغة؛ ولذلك تسلم الصُّحف والكُتب في بداية عملية الحساب والمسائلة ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير:10] في ذلك اليوم المهم ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء:13] هو الذي يُحدِّد مصيره ومستقبله ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء:13-14] سترى نفسك بنفسك، وسترى عملك.
عندما ننظر في واقع حياتنا في هذا العصر كيف مكَّن الله البشر من تَقَنِيات التصوير والتوثيق والفيديو، يوثق الإنسان صوتاً وصورةً بشكله وعمله يوثقُ تماماً ويُرى، لا نستبعد أن تكون طريقة التوثيق لأعمال الإنسان في الكتب الإلهية في هذا الكتاب الإلهي الذي يُحصي الله فيه أعمالك ما لك وما عليك أن تكون موثقة على هذا النحو، هناك آيات في القرآن تؤكد على أن الإنسان سيشاهد عمله ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاء الأَوْفَى﴾ [النجم:40-41] والرؤيا هنا لم يُعبَّر بها عن نفس العذاب أن يرى عذابه؛ لأنه تحدث عن العذاب مستقلاً ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاء الأَوْفَى﴾، ﴿لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ [الزلزلة:6].
فهذا الكتاب الإلهي يتضمن أعمال الإنسان، وهنا يتجلى للإنسان أهمية العمل، عملك هو الأساس، عملك هو الذي يتحدد به مصيرك، والبعض تبدأ حالة الخوف لديهم، تعظم وتشتد من تلك اللحظات يدركون أنهم خاسرين﴿ وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف:49].
تبدأ عملية تسليم الصُّحف والكُتب التي وثق فيها أعمال الناس، وعملية التسليم نفسها فيها مؤشرات ودلالات على مستقبلك ومصيرك وعلى ما يحتويه كتابك، هل يحتوي كتاب عملك على أعمال عظيمة، أعمال خير، أعمال بر، أعمال طاعة، أعمال استقامة؟ أم هو أسود بالذنوب والجرائم والعصيان، والتقصير والتفريط، والتعنت، والتجاهل لكثير من أوامر الله سبحانه وتعالى، والإخلال بمسؤوليات أساسية أمرك الله بها؟
عملية التسليم، الإنسان المؤمن الحقيقي الفائز سُلِّم كتابه بيمينه ومن أمامه ومن أمامه فيستبشر ويكون حسابه يسيراً، والإنسان الخاسر الخائب الهالك يؤتى كتابه بشماله ومن وراء ظهره ويبدأ شعوره بالندم والأسف وإدراكه لخطورة ما يحتويه ذلك الكتاب، كم سيتضمن من أعمال أساسية أمره الله بها لم يعملها، كم سيتضمن من تجاوز وتعدي واقتراف لكثير من الذنوب﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾ [الإنشقاق:7-12].
وفي آية أخرى يوضح الله لنا مدى تحسُّر وندم وألم من يؤتى كتابه بشماله ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ﴾ [الحاقة:25-27] يرى الإنسان أعماله ويُحاسب على ضوء ما احتوته تلك الكتب, ويرى أن الله أحصى كل شيء, الله لم يغفل ولم ينسى, عليك رقابة منه، ورقابة جعلها لتوثيق ما تعمل وإحصاء ما تفعل فيما تقترفه وفيما تقصر فيه وتفرط فيه، وهناك تستمر عملية الحساب, ويُدان الإنسان أو يفوز على حسب ما عمل, على حسب ما كان قد حدده من مصيره في الدنيا.
وفي ذلك الوضع سيحاول الإنسان أن يدافع عن نفسه، الإنسان المُدان المقصر المفرط العاصي الذي عاش بعيداً عن هدى الله، عن توجيهات الله، لم يحسب حساب الله، حساب آخرته، تغافل ونسي وتجاهل سيحاول أن يدافع عن نفسه﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا﴾[النحل:111] فيجادل ويناقش، ولكن لو أكثر من الكلام لو تحدث كثيراً، لو حاول أن ينكر ما قد توثق من أعماله مرئياً واضحاً ثابتاً سيُقال له: اسكت هناك من يريد أن يتكلم﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾[يس:65].
بعد الكثير من الكلام والكثير من الجدال والكثير من المكابرة﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[يس:65] اسكت أيها الإنسان هناك شهود آخرون لهم شهادات وسيقدمون شهاداتهم، أعضاؤك جوارحك، ويصل الإنسان إلى حال لا يستطيع فيه المكابرة، وحينها يتحدد مصيره.
بعد إكمال الحساب على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي, الحساب للإنسان كإنسان, والحساب للإنسان ضمن أمة ضمن توجه؛ لأن من أهم ما في يوم القيامة أنه يوم الفصل, يوم الفصل بين العباد, يوم يحكم الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون, ما اختلفوا عليه في الدنيا وما تقاتلوا عليه, ما تنازعوا فيه, ما تباغضوا عليه, ما كانت بسببه مشاكل فيما بينهم يحكم الله بحكمه العادل يوم القيامة, ويوم القيامة يوم يتجلى فيه العدل الإلهي, وتتجلى فيه حكمة الله, ويتجلى فيه عزة الله المنتقم, يوم ينتقم الله للمظلوم من الظالم, يومٌ يُحقُّ الله فيه الحقّ, يومٌ ينصر الله فيه أولياؤه النصر العظيم, النصر الأكبر ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَـهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَـهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر:51-52].
وهناك في ذلك المقام في يوم الفصل الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون، بعد الفصل، بعد المحاكمة الإلهية، بعد الحساب الفردي والجماعي، يأتي الحكم الإلهي العادل، الحكم على الإنسان، فبعد المساءلة والحساب تأتي مرحلة الجزاء، مرحلة الجزاء، والإنسان في ذلك الموقع وقد تحدد مصيره، هو في حالة عجز، لا يستطيع أن يعمل لنفسه شيئاً.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بعنوان (اليوم الآخر)
القاها بتاريخ: 25رمضان/ 1433هـ.