1000 يوم من الفشل المركب في #اليمن
عمران نت/ 23 ديسمبر 2017م
تقرير / إبراهيم الوادعي
لم يكن في توقع المندفعين في العدوان على اليمن ليلة ال 26 من مارس 2015م أنهم سيقبعون في غرف إدارة الحرب لنحو ألف يوم، وأن تصل نارها إلى قصر اليمامة الحصن السعودي ورمز الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
أكثر المتشائمين في ليلة ال 26 من مارس 2015م ومع انطلاق موجة الغارات الأولى والسيطرة الفعلية على أجواء اليمن توقع أن تطول الحرب لستين يوما ويجري إقفال غرف عمليات الحرب مع وصول دبابات التحالف إلى شوارع صنعاء.
تمديد يعقبه تمديد وعام تبع آخر ولا تغيير يذكر على الخارطة العسكرية في اليمن رغم إهدار مئات آلاف الأطنان من الأسلحة وشراء مئات الصفقات، وإنشاء جيوش من المرتزقة المحليين وجلب آخرين من كافة أنحاء العالم، كل أتى ليجرب حظه العاثر في اليمن، ويغادر بعد ذلك مكلوما، حاملا جثث قتلاه وسمعة تهاوت في أودية وجبال اليمن، وعلى سبيل المثال فلا يزال المرتزقة المحليون من المنتمين لحزب الإصلاح وجماعات منتفعة أخرى برغم كميات الأسلحة والدعم الجوي الممنوح لهم متعثرون في جبهات ميدي ونهم وتعز ولا تغيير يذكر بعد مضي الألف يوم من القتال.
في يوليو 2016م يمكن التحدث عن علامة فارقة فقط في سير المعارك العسكرية مع تمكن تحالف العدوان من تحقيق اختراق باحتلال عدن وإعادة الجيش واللجان انتشارهم إلى المناطق الجبلية الحصينة والتخلي عن المناطق الصحراوية، ما مكن التحالف من السيطرة على الجزء الأكبر من المناطق الجنوبية الصحراوية في معظمها وقليلة السكان – 30 % حجم السكان في جنوب اليمن –
خلال ألف يوم الأولى من العدوان تمكن أنصار الله ومعهم القوى الحرة والوطنية من إبطال مفعول جميع الأوراق التي لعبها التحالف في ميادين المواجهة العسكرية والاقتصادية، حتى اضطر لرمي أكبر أوراقه خلف جبهات القتال ليخسرها بعد يومين فقط بشوارع صنعاء، وينهار جهد عامين من الإعداد والتخطيط وتهريب المال والسلاح.
الحصار
يمكن الإشارة إلى أن الحصار على الموانئ اليمنية سبق العملية العسكرية بساعات وفقا لتأكيدات مصادر مطلعة بهذا الصدد حيث بدأت البوارج العسكرية لدول التحالف الأمريكي السعودي انتشارها صبيحة الخامس والعشرين من مارس قبالة السواحل اليمنية من نقطة ميدي وصولا إلى آخر نقطه بحرية حدودية مع سلطنة عمان، ومنذ ذلك الحين تنوعت أساليب الحصار بين فرض إجراءات مشددة لدخول سفن الغذاء والوقود وبين المنع الكامل والتعطيل الكامل للموانئ اليمنية وهو الحال القائم حاليا مع إتمام العدوان ألف يوم، ما دفع بأزمات متلاحقة وشديدة القساوة إلى الداخل اليمني وخاصة في مجالي الوقود والدواء.
كما شكل نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن نوعا جديدا من الحصار ودفع بالأزمة الاقتصادية إلى حافة أكثر خطورة مع انقطاع الرواتب عن موظفي الدولة وفرض حصار على الموارد التي يمكن للقوى المناهضة للعدوان أن تتزود بها في المواجهة وإدارة شئون 70% من السكان.
سياسيا
تطورات دراماتيكية تنقلت بينها إشكال الحرب على اليمن خلال ألف يوم الأولى وشنت قوى العدوان مع تبخر الآمال بوصول الدبابات السعودية والإماراتية الى صنعاء واقتراب العام الأول للعدوان على إسدال ستار أيامه، فانطلقت جنيف الأولى والثانية واستتبعتها مفاوضات في الكويت على أمل إرغام أنصار الله والقوى الوطنية على الرضوخ والإذعان للشروط الأمريكية والسعودية في حدها الأدنى، لكنها مع استلاب السيادة والاستقلال كانت تصطدم بحاجز الصد الوطني لدى القيادة الثورية وعلى رأسها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ويجري رفضها.
لكن مفاوضات الكويت التي جرى استئنافها لم تحقق الهدف المرجو منها بإرغام أنصار الله والقوى الوطنية على الرضوخ لأهداف العدوان، وحينها وجه السفير الأمريكي ماثيو تولر تهديده الشهير بنقل البنك المركزي وخلق مجاعة شاملة، وهو ما جرى تنفيذه بعد عدة أشهر لم تتلق فيه الولايات المتحدة ردا إيجابيا من أنصار الله بشأن القبول بما كانت تريد فرضه في الكويت، وتراكم الفشل العسكري في جبهات القتال.
قيادة وشجاعة
شن هجمات جوية بالكثافة التي شهدها العدوان في بداياته كان مفاجئا ليس لليمنيين بل للعالم وفيما كانت السعودية تعلن تجنيدها نحو مائتي طائرة من عدة دول للقيام بعمليات الإغارة المكلفة على المدن وشبكات المواصلات والمنشئات الحيوية والمواقع العسكرية، كانت مصادر تؤكد وجود أكثر من خمسمائة طائرة حربية متطورة وضعت في خدمة العملية الجوية التي بدأت للتو والحرب التي جرى إعلانها من واشنطن وبينها طائرات أمريكية وطائرات وطيارون إسرائيليون وهذه الأخيرة عملت بشكل مكثف من قاعدتها الموجود في دهلك الارتيرية، وتواجد مئات الضباط والخبراء الأجانب لقيادة الحرب في غرف العمليات يزودون من عشرات الأقمار الاصطناعية التي وجهت جميع إمكانياتها نحو الميدان اليمني.
في مقابل ذلك كله عملت القيادة الثورية على الجانب اليمني على امتصاص الصدمة الأولى وشرعت منذ الساعات الأولى للعدوان في إجراء تقييم منطقي للوضع وما يجب عمله، على الصعيد الداخلي نجحت القيادة الثورية في زرع التماسك وأثمر ذلك صمودا في بنية الدولة التي بقيت تعمل رغم الاستهداف الجوي المكثف للبنية التحتية، وبالتوازي نجحت الخطة في نقل جزء كبير من أسلحة الجيش وفي المقدمة الصواريخ التي كان يملكها الجيش إلى مخازن سرية وجديدة، فيما كانت خطابات قائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمثابة الفواصل التي تؤشر للانتقال بين مراحل الخطة وتعزز مواطن النجاح، أو تعالج مواطن الخلل كما هو خطابة عقب انسحاب الجيش واللجان من مدينة عدن.
قمة جبل الفشل
في مواجهة استنفاذ دول العدوان لآخر أوراقها ورميها في الساعات الأخيرة للألف الأولى من العدوان إن صح التعبير، لايزال الجانب اليمني لم يكشف عن كل أوراقه والتي يظهر أنها في طور التنامي، بوصول النار اليمنية على عواصم العدوان أبو ظبي والرياض وصواريخ متطورة سحقت التكنولوجيا الغربية حنى بات الهم المؤرق للسعودية والإمارات هو شكوى الدول المصدرة من سقوط سمعة سلاحها في اليمن.
سمعة لم توفر الجيش الأمريكي التجاري البلاك ووتر الذي لملم خسائره ورحل، وكذا شركة الداين جروب التي جربت حظها بعد البلاك ووتر وحصدت ما حصدته سابقتها.
يمكن الإشارة إلى معركة الحديدة التي يندفع اليها تحالف العدوان تظل في أهدافها أدنى من معركة شوارع صنعاء التي رتب لها على مدى عامين من الحرب وأنفقت عليها الكثير من الأموال وجنت لصالحها الكثير من الجهد الاستخباراتي.
وفي هذا السياق كان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي دقيقا في وصف سقوطها بإسقاط الورقة الأكبر للعدوان ، فمعركة الحديدة ليست اكثر من عملية تشديد للحصار على المناطق الجبلية فرضيات نجاحة مشكوك فيها بالكامل، فالمفاجأت البحرية لم يكشف عن مدياتها بعد ولاتزال رهن السرية، وحديث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن القدرات البحرية وايصال قوس النار اليمنية إلى الشواطئ على الضفة المقابلة يجعل من معركة البحر صعبة للغاية، وتؤشر إلى أن الطرف اليمني قد استعد لها بما يلزم وإن الوقت فات ليكون في صالح التحالف المعادي لليمن.
عموما يبدو أعراب الخليج في عمى كامل يدفعهم إلى ذلك استخفافهم باليمنيين رغم كل الشواهد المضادة ووصول الصواريخ إلى عواصمهم، ونهم ترامب على سلبهم أموالهم حتى الفلس الأخير، إذ لا مؤشرات على نيتهم التوجه وطرق الحلول السياسية والإنصات إلى الأصوات المتعقلة بوجوب إنهاء العدوان على اليمن.
وفي الخلاصة لسنا في معرض ألف يوم جديد من العدوان، باتت الحرب أقصر من ذلك بكثير، معركة الحديدة التي تتحسب لها جميع الأطراف بما في ذلك الأمم المتحدة وفق ما ذكره المنسق الأممي للشئون الإنسانية جيمي ماكغولدريك في مؤتمر صحفي بصنعاء، قد لا تكون المؤشر الأخير الذي تنتظره دول الخليج لتوقن بالهزيمة، بل ستكون المعركة التي ستخرج الولايات المتحدة من زعامة العالم وفيتنام جديدة، إذا ما صحت الأنباء والمعلومات عن تحضر جيوش أجنبية للمشاركة إلى جانب الجيوش الخليجية والمرتزقة في غزو الحديدة، ومعركة البحر المرتقبة.. فلقد رمت أمريكا وأعرابها بما في جعبتهم، بينما لايزال السيد يحتفظ بأوراقه الكبرى لقلب الموازين العسكرية.