تقييم أداء حكومة الإنقاذ … أبرز الاختلالات وأوجه الحل

عمران نت/ 19 نوفمبر 2017م

تحرير: أ/ عبدالعزيز أبوطالب

عَقَدَ “منتدى مقارَبات” بمركَز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني لقاءَه عصرَ الأربعاء 25/10/2017 بإقامة ندوة بعنوان: “تقييم حكومة الإنقاذ.. الاختلالات وسيناريوهات الحل”، وَقدّم الورقةَ الرئيسةَ فيها الأستاذُ عَبدالوهاب الشرفي والتي احتوت توصيفاً مهمّاً لجذور المُشكلة وملابسات إنشاء هذه الحكومة، وتطرقت بشكل مفصَّل إلى جوانبِ الخلل فيها ومقترحات الحلول، حضر الندوة كُلٌّ من القاضي أحمد سيف حاشد عضو البرلمان والأستاذ محمود الجنيد مدير مكتب الرئاسة والأستاذ محمد النعيمي عضو المجلس السياسي الأعلى والدكتور ياسر الحوري، والدكتور سامي عطا والدكتور رشيد أبو لحوم ، والأستاذ محمد المهدي والأستاذ عَبدالله الضاعني من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والدكتور محسن الدربي الأكاديمي بجامعة صنعاء، والأستاذ عَبدالسلام المحطوري وكيل وزارة المالية، والكاتب والصحفي الأستاذ صلاح العلي، إضَافَة إلى طاقم المركَز برئاسة الأستاذ عَبدالملك العجري رئيس الندوة والأستاذ أنس القاضي الباحث بالمركز والأستاذ عبدالعزيز أبوطالب رئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركَز.

وشارَكَ الحضورُ بمداخلاتهم على الورقة الرئيسة، بما أثرى النقاشَ والخروجَ ببعض المقترحات والحلول مع الإشارة إلى ضرورة أن تكون هذه الندوة والورقة أرضيةً وقاعدةً لبلورة مشروع وطني لحل الأزمَة القائمة بعقد المزيد من الندوات والحلقات واستضافة المزيد من الخبراء والمختصين.

أخذت حكومةُ الإنقاذ الوطني، اسمهَا من جسامة المهام الملقاة على عاتقها، والتي تمثّلت في مهمة إنقاذ وطني للوضع اليمني في مختلف جوانبه، والتي تأتي في مرحلة مستقلة قانونياً عن المرحلة التي سبقتها، فقبل تشكيلها كانت تحكُمُ البلد اللجنة الثورية العليا، مع واقع شلل وزاري مفتعَل صاحَبَ تلك الفترة ناتجاً عن الأزمَة السياسية التي دخلت بها البلد لم تنتهِ باستهداف اليمن من قبل التحالف العدواني الذي تقوده السعودية. ورغم محافَظة اللجنة الثورية على مُؤَسّسات الدولة، إلا أن تلك الظروف أَدّت إلى تردي الخدمات العامة، والتي ضاعفها العدوان على شكل أزمات سياسية واقتصادية وخدماتية وأمنية وعسكرية وإنْسَانية.

وقعت اللجنة الثورية في محدودية الجُهد غير الكافي لإدَارَة مختلف جوانب العمل الحكومي، الرئاسة، والحكومة، والبرلمان، ومرَدُّ ذلك لعدم خروج الوحدات التي صممت في الإعْلَان الدستوري إلى الوجود، مما ضاعف من ثقل المهام فوق وحدة غير مؤهلة لإدَارَة هذا الحجم من ناحية السعة. كما جرى خروج عدد من الأوعية الإيرادية عن سلطة اللجان الثورية، وسحب السيولة من البنك المركزي اليمني، واستنفاذ الاحتياطي على المكشوف والذي بدأ قبل تولّي اللجنة الثورية نفسها، واختتم في عهد حكومة الإنقاذ بنقل البنك المركَزي وعجزه عن الإيفاء بمرتّبات موظفي الجمهورية. ذلك النقل الذي لم يكن فقط نقلاً سياسياً، بل إن العالم كله تواطأ واعترف به، وبالتالي تتم المعاملات المالية مثل المنح والمساعدات الخارجية عبر مركَزي عدن.

إن تقييمَ الحكومة يجبُ أن يكونَ موضوعياً ومتجرّداً، ولا يخلِطُ بين المعوقات التي تسبّب بها العدوان وتلك الناجمة عن القصور في الأداء، وبطريقة لا تبرّئ ساحة العدوان ولا تُلقي بها كاملةً على عاتق الخلل والقصور الوظيفي والمهني لهذه الحكومة. فتجربةُ الحكومة تجربة جديدة، فهي أول حكومة يمنية تنشأ في ظل العدوان وتوقّف المرتّبات -والتي بدأت بالتوقف قبل تشكيل الحكومة-، فأيَّةُ حكومة تتشكل في هذه الظروف، لا بد أن تتوقع الفشل أَوْ لا تأمل في تحقيق نجاح في أحسن الأحوال. كما أن نوع الشراكة السياسية هي بين شريكَين غير متجانسين، بينهما تركة سابقة من المشاكل والخلافات، والتي انعكست بالتالي على الحكومة وأدائها.

 

حكومة الإنقاذ والخلل البنيوي

رافَقَ إنشاءَ الحكومة عددٌ من الاختلالات أهمها الاختلالات في الرؤية التي انطلق منها كُلُّ طرف عند تشكيل المجلس السياسي الذي أفرز هذه الحكومة، وأُخْرَى منهجية تتعلق بسعي كُلّ طرف إلى تحقيق أَهْدَافه من وراء تشكيل الحكومة، ثم الخلل المرجعي بمعنى غياب المرجع المستند إليه حال الاختلاف عند عقد أي اتّفاق، وهو هنا الدستور والقوانين المنبثقة عنه والذي لم يحوِ شيئاَ اسمُه حكومة إنقاذ، وعليه كانت القوانين يرجع إليها تارةً وتارةً يتم تجاوُزُها بحُجَّة الشراكة بمفهومها المطاطي. إلا أن أهمَّها هو الخلل البنيوي.

كان تأخر حكومة الإنقاذ أربعة أشهر من تشكيل المجلس السياسي مؤشراً على وجود معضلة يجب الاعتراف بها. حيث كان أول اختلالاتها هو في جانب البنية، فقد غلب البُعد السياسي في التشكيلة، على البُعد العملي الوظيفي المهني، تمثل ذلك ابتداءَ في العدد (44 وزيراً) الذي بات عبئاً عليها، وفي المقابل لم يحصل المجلس السياسي على النتائج السياسية المرجوة من هذه التشكيلة.

كانت استحقاقاتُ الدور الوظيفي لهذه الحكومة يجب أن تغلب على الاعتبار السياسي، خَاصَّة أنه معروفٌ سلفاً أنها لن تحصل على اعتراف دولي. وإذا كان لا بُدَّ من التأقلم مع الحاجات السياسية في التشكيلة، فكان الأولى تشكيل “حكومة مصغّرة” داخل الحكومة تقوم بمهام الإدَارَة بفعالية ومهنية وكفاءة، وهو ما زال حاجة مُلِحَّة إلى الآن.

واجهت حكومةُ الإنقاذ مهمةً خَاصَّة، متمثلة بتركه ثقيلة من المشاكل والأزمات التي لم تحسم بفعل عدم توفر الاستقرار السياسي لأيٍّ من الحكومات السابقة. ومنها على سبيل المثال كشف الراتب، وفشل برنامج الإصلاح المالي والإداري، واختلالات في هيكل مُؤَسّسات الدولة (عدم وجود قانون ينظم عمل وزارة التخطيط المسؤولة عن إعداد البرامج التنموية والبرامج العملية الحكومية).

على المستوى النوعي، خَلَتْ هذه الحكومة من الكوادر والكفاءات الضرورية لإدَارَة مرحلة بهذا التعقيد، فاصطدمت بعراقيل تفوق إمْكَانياتها الإدارية والفكرية، وبجانب ذلك فقد مثل تداخل الملف اليمني بالملفات الإقليمية والدولية صعوبة جديدة على الحكومة مواجهتها، وقد عجزت الحكومة عن مجاراة الديبلوماسية الإقليمية والدولية المحترفة.

قدمت حكومة الإنقاذ برنامجاً فائضاً عن حاجتها، وغير موضوعي، أقر خلال أسبوع وتمت الموافقة عليه من قبل البرلمان، ما اعتبر مشاركاً في المسؤولية، ومن بين ما تم طرحه للرد على هذه المسألة في “لا موضوعية” البرنامج هو طبيعة الظروف السياسية التي تعمل في ظلها، لكن ذلك لا يعفيها من تقديم برنامج عملٍ موازٍ لما يسمى بـ”حكومة الشرعية”.

يبقى أن تقييم حكومة الإنقاذ ينطلق من أهم العناوين والمهمات التي تشكلت من أجل التصدّي لها وقد ذكرت في برنامجها وهي:

1ـ مواجهة العدوان ومعالجة آثاره.

2ـ السياسات الاقتصادية والمالية والإصلاحات المُؤَسّسية.

3ـ الخدمات العامة والبنية التحتية.

4ـ السياسة الداخلية والخارجية.

لكنها لم تنجحْ بتنفيذ أيٍّ منها إلا بنسبة لا تتعدى الـ 15% من واقع برنامجها، وضمن هذه النسبة هناك أدوار شعبية ساعدت ولا يمكن نسبتها إلى نشاط الحكومة. كما أن جزءاً كبيراً من مهام الحكومة التي قامت بها، هي مهام روتينية، لم تصل بعد إلى العمل الاستراتيجي ورسم السياسات وإخراجها إلى أرض الواقع.

 

حكومة الإنقاذ والسيطرة الكاملة على إدَارَة الشأن العام:

يمكنُ القولُ بأن حكومةَ الإنقاذ قد عجزت عملياً عن فرض سيطرتها العملية والنشاطية المُؤَسّساتية ذات العلاقة بالشأن العام، على مختلف المناطق التي تقع في نطاق توجدها العسكري السياسي، وتأخذ هذه المشكلة صور متعددة منها:

بقاء صلاحيات ومهام حكومية تديرها وتتحكم فيها قوى نفوذ خارج إطار الحكومة. أَوْ تدار من قبل أطراف من داخل الجهاز الحكومي باستقلالية عن الإدَارَة الحكومة والصالح العام وبعيداً عن النظام والقانون. (مثل قضية فتح حسابات للجهات الحكومية خارج البنك المركزي، رغم أهميّة بعض هذه الحسابات لتجاوز مشكلة عدم توريد المُؤَسّسات في المحافظات التي يسيطر عليها العدوان إلى البنك المركزي).

 

حكومة الإنقاذ والشلل البرامجي

فرض الواقعُ على الحكومة أن تنهج التخطيط العلمي لمواجهة مختلف المشاكل المعقدة المصاحبة لأزمة الفراغ الدستوري والعدوان، وتلك الموروثة من الحكومات السابقة، إلا أن حكومة الإنقاذ لم تستجب لحاجات هذا الواقع الموضوعي، واستمرت في العمل الشكلي الرتيب. فلم يسجل أي برنامج حكومي مزمن في أيٍّ من الوزارات لمعالجة تلك التعقيدات والآثار التي خلفها العدوان كما كان مفترضاً.

إذ كان ينتظر منها على سبيل المثال، أن تقوم ببرامج هادفة إلى معالجة أزمة المرتبات كأولوية مقدمة على غيرها، وتفعيل الدور الرقابي ومعالجة أزمة المتطلبات المعيشية والخدماتية الاجتماعية، كمسائل ملحة على وجه الضرورة الاستثنائية.

بالإضَافَة إلى ذلك، فقد شاب أداء الحكومة “تحجيم بُعد السلطة ” الناتج عن عدم السيطرة الشاملة، فدأبت الحكومة على العمل فيما أتيح لها، ولم تحاول تفعيل أَوْ مد سلطتها لتشمل مختلف جوانب الاختصاص الحكومي، لسببين رئيسيين: الأول عدم نفاذ الإرَادَة السياسية. والآخر: سلبية وعدم كفاءة الوزارة ذاتها.

قضية المرتبات هي نموذج لعجز الحكومة عن البرمجة العلمية، فمثل هذه القضية لا تبحث كسؤال هل هناك أموال في البنك؟. بل بالنظر إلى الموارد من حيث المنشأ، ومعالجة عوائق وصولها إلى البنك المركزي، وتطوير الموارد، برامج الإنفاق، حتى الوصول إلى نقطة تحقيق الهدف.

كما أن تحالف العدوان كما هو معروف استخدم الورقة الاقتصادية، كجزء من التكتيك الحربي، بل أَصْبَحت ورقته الأهم بعد فشله في الميدان، من أجل الحصول على التسوية السياسية التي يريدها، وقد اشارت إلى ذلك تقارير الأمم المتحدة، وحتى إحاطة مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ الأخيرة أشارت إلى أن الحصارَ أَصْبَح جزءاً من التكتيك الحربي! وبينما يمارس العدوان أجندته العدوانية ومنها الحصار الشامل كأحد استراتيجياته، وبشكل مُخَطّط وعلمي، تزاول الحكومة أعمالها بطريقة بدائية وغير مبرمجة لا ترقى لمحاولة التصدّي لهذا الواقع.

 

حكومةُ الإنقاذ وفقدان بُعد المسؤولية

سار نشاطُ الحكومة، بعيداً عن استشعار المسؤولية التأريخية، والانضباط للأوعية الإدارية المختلفة، فلم تخضع الحكومة للمجلس السياسي الأعلى الذي يملك حق مسائلتها، ولا استشعرت مسؤوليتَها وواجباتها تجاه الأجهزة الرقابية والقضائية، الغير مُفعلة أصلاً، وأول هذه المُؤَسّسات التي لها مهام رقابية محاسبية هو مجلس النواب الذي يعاني من سطوة المحسوبية والولاءات الفئوية الحزبية على نشاطه لا الالتزام إلى الجماهير الشعبية التي ينوبون عنها.

فكان نشاط الحكومة، منفلتاً عن كُلّ رقابة ومحاسبة من مختلف المُؤَسّسات الحكومة والسلطات المختلفة. مما وجه نشاطها إلى مصالح شخصية أَوْ فئوية حزبية ضيقة، ضاربة بالمصلحة الوطنية عرض الحائط الذي يتلقى عصف العدوان!

كما لم تشهد حكومة الإنقاذ انسجاماً بين مكوناتها الإدارية ولم تلتزم بالتدرج الوظيفي الهرمي أَوْ تأدية المهام وفق التخصصات، الإدارية والمهنية، وممارسة بعض الوزراء دور المعارضة لحكومة ينخرط فيها، مضاف له إهمال وتقصير شامل، كنتيجة منطقية لانعدام الرقابة والمحاسبة.

 

حكومة الإنقاذ وشلل الإرَادَة السياسية

المجلسُ السياسي الأعلى، الذي يمثل من حيث البناء الهرَمي المُؤَسّسة التي تعلو الحكومة، هو الآخر عجز عن تجسيد إرادته السياسية على الحكومة، إذ تتنازعه الإرادات السياسية للشريكين المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله، دون أن يصبح مُؤَسّسة بذاتها موحَّدة في قراراتها وقادرة على تجسيد تلك القرارات وفرضها على الهيئات الأدنى.

لم تتوحد “الإرَادَة” و”الإدَارَة” في هذه الشراكة، وهو الأمر الذي انعكس بدوره على أداء مُؤَسّسات الدولة، كما عانت الحكومة من الانشقاق عن الصف الوطني فيمن هم مع العدوان، وبقاؤهم في مُؤَسّسات الدولة لخدمة هذا التوجه التخريبي تنفيذياً، إضَافَة إلى عمليات الفساد، والترهل في إدَارَة الدولة بشكل كلي. ومعالجة كُلّ هذه العوامل يصعب إدارتها في ظل “التوافق” الذي لم يتحقق في واقع الأمر. فهناك من ينظر إلى موقعه السياسي مستقبلاً، فلا ينخرط مع الشركاء في خط سياسي واحد وواضح ومحدد. وفي نهاية الأمر يمكن القول بأن المجلس السياسي الأعلى أَصْبَح أشبه ما يكون بجهاز مهمته إصدار القرارات التوافقية، وتكادُ الشراكةُ تصبحُ فقط تقاسُماً في المناصب.

ومن حيث المقارنة يمكن ملاحَظةُ نجاح النموذج الأمني والعسكري، ويعزَى نجاحُهما إلى استقلال الإرَادَة والإدَارَة والقرار عن المفاهيم التوافقية التي تدار بها الحكومة، هذا النجاح غير واقع صنعاء الذي اتسم بالاغتيالات والتفجيرات والعمليات الإرْهَابية لتنخفض إلى الصفر، فلا اغتيالات ولا تفجيرات رغم أن العدوان يعمل على بنيته التنظيمية الإرْهَابية في الداخل، ويقوم بالكثير من المؤامرات إلا أنه يعجز عن تحقيق أي تقدم في هذا الجانب الأمني نتيجة لنجاح هاتين المُؤَسّستين.

 

حكومة الإنقاذ وشلل الكفاءة

كان لغياب مبدأ الكفاءة وتغليب البُعد السياسي في بُنية الحكومة آثار مدمرة، انعكست في ذاتية وشخصية و”لا مُؤَسّسية” الإدَارَة والقرار، واعتماد الولاء والشللية في التعيين، مما جعل الأداء خاضعاً للأمزجة الشخصية لا مواكباً للواقع الموضوعي ومتطلباته، وبالتالي رفع المعاناة عن الشعب وتصليب موقف مواجهة العدوان. كما لم تتجسد في نشاطِ الحكومة الهُوية القانونية والنظام العام، فلم يتم تمثيل القانون، بل عملت أقسام الحكومة على تمثيل الرغبات والتوجهات الخَاصَّة، لأطراف الشراكة، ناهيك عن وضح حد لخلافات الشريكين في مُؤَسّساتها.

 

حكومة الإنقاذ ونقل البنك المركَزي والسيولة والعُملة الوطنية

كان قرارُ نقل البنك المركزي، من أبرز القضايا التي وقفت الحكومة عاجزةً عن التعامل معها، ومع التسليم بالتوجّهات العدوانية الأمريكية -المعلنة في كواليس مفاوضات الكويت- خلفَ هذا القرار، إلا أن الحكومة لم تبذل الجُهدَ المطلوب والممكن لمعالجة هذه القضية، فلم تقم باقتراح التشريعات الخَاصَّة بالمرحلة التي تتجاوز إشكالية نقل البنك. ولم تتمكن من فرض توجيه الإيراد العام إلى البنك المركزي. كما لم تتمكن من توجيه موارد الاحتياطي إلى البنك المركزي لمواجهة فقد الاحتياطي العام. بما يسهم في الحد من تدهور سعر صرف الريال وحفظ النقد الأجنبي في البنك المركزي.

 

ترتب على ذلك أزمات عديدة، تلخصت في:

نفور رؤوس الأموال الخَاصَّة؛ نتيجةَ اهتزاز ثقة رؤوس الأموال بالمُؤَسّسات المالية، وخروج هذه الأموال عن النظام المالي الحكومي إلى أنظمة مصرفية خَاصَّة أَوْ وسائل حفظ بدائية في الخزائن، وهو ما حرم الاقتصاد من كثير من صور الاستثمار والعوائد والتشغيل الائتماني للأموال والسيولة المالية.

 

حكومة الإنقاذ وأزمة الخدمات

الخدمات هي الأُخْرَى، من أبرز الجوانب التي عجزت الحكومة عن توفيرها وانتظام تدفقها وسيرها، مثل المياه والكهرباء والصحة، والتعليم، إذ لم تملك الحكومة أي برامج أَوْ خطط مسبقة لمعالجة هذه القضايا، رغم أنها من مهام وأولويات أي حكومة عادية لا تعيش أزمة أَوْ تواجه عدواناً.

حكومة الإنقاذ وسوق النفط

“تعويم النفط” الذي تم في عهد اللجنة الثورية تسبّب في كسْرِ احتكار الدولة لتسويق المشتقات النفطية لصالح تجار محددين، إلا أنها أَصْبَحت مادة احتكارية خَاصَّة برجال الأعمال، ولم يفتح السوق للمنافسة الحرة، كما كان مفترضاً.

جاءت الحكومة دون أن تقوم بأي جهد في ضبط هذه المسألة البالغة الأهميّة، فلا هي سيطرت على السوق والأسعار وضبطت المنافسة عبر شركة النفط الوطنية، ولا أعادت النظر في هذا القانون.

 

حكومة الإنقاذ والهيئات والمُؤَسّسات الرقابية

اتضح منذ الأشهر الأولى لعمل الحكومة، غياب الإرَادَة السياسية في محاربة الفساد في الحكومة والمجلس السياسي، إذ كان ينتظر أن وصولَ تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى المجلس السياسي الأعلى سيفجر ثورة. إلا أنه لم يتم الأخذ بها وبسائر تقارير الهيئة العليا لمكافحة الفساد فيما يعزى ذلك لغياب الإرَادَة السياسية لمحاربة الفساد أَوْ نفاذها في أحسن الأحوال، فهذه الأجهزة على علاتها قدمت مخرجات ينبغي أن تحركها الإرَادَة السياسية بالمتابعة والتفعيل.

فهناك أموال طائلة مهدرة بالإمْكَان تحصيلها من كبار المكلفين، وملفات ضريبية يمكن متابعتها بلجان خَاصَّة في فترة زمنية محددة إذا ما توفرت الإرَادَة السياسية وإن كان بعضها موجودة كأرقام لا سيولة.

وبدلاً عن تحصيل هذه الأموال من كبار المكلفين، تذهب الحكومة إلى البرلمان لفرض ضرائب جديدة على المواطنين، وأُخْرَى على التجار – لكنها تنعكس أخيراً على المواطنين- في سياسة معادية للشعب. ولا نغفل إصدار القوانين من قبل التجار (نواب برلمانيين) أنفسهم بما يحمي فسادهم في صيغة أُخْرَى لـ “مقاومة مكافحة الفساد قانونياً”.

 

حكومة الإنقاذ ومواجهة الفساد

مثّلت مهمة إيقاف أَوْ الحد من الفساد إحدى المهام المحورية للحكومة، إلا أنها لم تتخذ أية خطوات لتأهيل وتفعيل إدارات الرقابة والتفتيش في الوحدات الإدارية التابعة لها. ولم تحاول فرْضَ مستوى مقبول من الشفافية. أَوْ تضع نظام تقارير أداء ملزم. ولم تفعل أَوْ تتفاعل مع تقارير الأجهزة الرقابية الأُخْرَى. ومنها قضايا محالة إلى الأجهزة القضائية. ولم تضع آلية للتنسيق مع الأجهزة الرقابية المختلفة. كما لم تتوجه إلى البرلمان لاستصدار قوانين ولوائح لمحاربة الفساد.

أحياناً يتبع المواجهة الحادة مع الفساد آثار سلبية؛ لكن هذا لا يعني أن نتجاهل تماماً هذه المواجهة، فيمكن تجنيب قضايا الفساد العالقة من قبل العدوان إلى ما بعد مرحلة العدوان. فالفساد بآثاره التدميرية اليوم أشد من خطر الإرْهَاب على المجتمع.

إضَافَةً إلى تجاهل النسب المخيفة التي تصور حالات التفكك المجتمعية من طلاق وتسرُّبٍ من المدارس وخلافات أُسرية واشتداد الفقر، والتي لا تقل خطورة من معركة على الفساد.

 

حكومة الإنقاذ والموازنة العامة للدولة

نظراً لملابسات الوضع الذي تمر به البلد لم تُقدم الحكومة موازنة عامة للدولة، واكتفت بما سمي “برنامج الإيراد والإنفاق” وقدمته لمجلس النواب للتصويت عليه، وأَصْبَحت ملزمةً بتنفيذه، وهوَ ما لم يحدث، فلم تتمكن الحكومة من ضبط الإيراد والإنفاق وفق جدولة متناسبة مع متطلبات المرحلة التي يمر بها البلد.

كما لم تقم الحكومة بأي عمل لإصلاح الكادر الوظيفي وتخليصه من “الازدواج” و”الوهمي”. بل وزادت على بمخالفات في جانب التوظيف والتعيين والترقيات دون معايير قانونية.

 

حكومة الإنقاذ ومِلَفُّ المحافظات الجنوبية

رغم العوائق الجوهرية التي يمكن تفهمها بالنسبة لحكومة محسوبة على طرف من أطراف الملف اليمني، إلا أن الحكومة لم تقم بأي دور في حدود الممكن باتجاه تلك المحافظات، فلم تحاولْ مخاطبة الجهات الدولية أَوْ تحديد موقف معلَن من احتلال الجزر اليمنية، وما يتم من انتهاك سيادة وسلب وتجريف ثروات الجنوب. ولا توجهت سياسياً نحو توحيد القوى الوطنية الجنوبية المتواجدة في شمال الوطن.

 

الحلول والمعالجات

عندَ الحديث عن المعالجات والحلول لا بد من العودة إلى الاختلالات البنيوية التي رافقت إنشاء هذه الحكومة فنحن اليوم أمام خلل أوسع من حكومة الإنقاذ ذاتها، وخللها هو جزء من كل، ومن هذا المنطلق يجب النظر إلى مسألة الحل المطلوب لمعالجة خلل الحكومة، كي يتحقق للبلد حكومة مؤهلة لإنجاز مهمة طوارئ فاعلة تسهم في انتشال البلد من مخاطر الانهيار الشامل، وتجيد توظيف الفرص المتاحة وتعزز من الصمود ومن فاعلية مواجهة العدوان

وعليه فإن الحل المطلوب يجب أن يسير وفقاً للخطوات التالية:-

 

أولاً: برنامج تحولي

يجبُ أن يكلِّفَ المجلس السياسي الأعلى لجانَ عمل تساعدُها كفاءاتٌ إدارية وتخصصية، مهمتها إنجاز برنامج تحولي يقوم المجلس السياسي والبرلمان والحكومة بتنفيذه كأرضية يمكن البناء عليها لتمكين الإدَارَة الحكومية والانتقال الفعلي لإدَارَة المُؤَسّسات.

الهدفُ الرئيسُ لهذا البرنامج هو تسوية الأوضاع بالشكل الضامن الذي يسمح بامتلاك ونفاذ الإرَادَة السياسية وبحضور الهوية الحكومية في كُلّ تفاصيل الشأن العام.

 

وأهم ما يجبُ أن يتضمَّنَه البرنامجُ التحولي الآتي:

  • تسوية وضع مُؤَسّستَي الجيش والأمن بشكل وطني ضامن.
  • عملية تدوير وظيفي شامل وفق مبدأ النزاهة والكفاءة.
  • تحديد معالم وإجراءات واضحة للمجهود الحربي.
  • تسوية وضع سوق المشتقات النفطية.
  • الاتّفاق على قائمة بنود إنفاق ملزمة.
  • الاتّفاق على معالجات البنك المركزي لضمان استقبال كامل الإيراد وبناء احتياطي والتدخل لحماية الاقتصاد الوطني.
  • تأهيل وتفعيل أجهزة الرقابة.
  • ممارسة الرقابة المصاحبة من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
  • وضع آلية لإدَارَة العملية التفاوضية تجمع بين الدور الحكومي ودور وفدي التفاوض.
  • الاتّفاق على مواصفات الأداء الإعلامي الحكومي والإعلام الذاتي لطرفي الشراكة.
  • الاتّفاق على صيغة لحكومة طوارئ وفق رؤية منهجية لبنية الحكومة وفقاً للمهمة والمرحلة التي تمر بها البلد.

 

ثانياً: حكومة طوارئ

تشكيل وإعْلَان حكومة الطوارئ وفقاً لصيغة المنهجية المتفق عليها بمراعاة الآتي:

  • اختيار أعلى الكفاءات المتاحة للبلد في مجالات الإدَارَة والاقتصاد والسياسة والقانون والإعلام، ويفضَّلُ أن تكونَ كفاءات محايدة غير منتمية للمكونات السياسية والاعتماد على المبدأ الوظيفي 100%.
  • مراعاة مبدأ النزاهة كأساس ملازم لأساس الكفاءة.

 

ثالثاً: برمجة الأداء

تبدأ برمجة أداء حكومة الطوارئ فور إعْلَانها وتكون أمامَ مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة تنفيذ البرنامج التحولي.

المرحلة الثانية: مرحلة برنامج الطوارئ والذي يتمثل في برامج تنفيذية لإنجاز كافة المهام المطلوبة من الحكومة كسلسلة خطوات لكل مهمة يجب تنفيذها لإنجاز المهمة ومن تلك المهام على سبيل المثال لا الحصر:

  • دفع المرتبات.
  • توريدُ كاملِ الإيراد للبنك المركَزي وتطوير الأوعية الإيرادية.
  • إقناع رأس المال المخزن بمخاطر بقائه خارج البنك المركزي.
  • الحد من الفساد.
  • الحقوق والحريات.
  • التخفيف من آثار العدوان.
  • معالجة مشكلات الكادر في الوظيفة العامة عسكرية ومدنية.
  • تفعيل أداء المُؤَسّسات.
  • إعادة تقديم الخدمات.
  • إجراءات تلافي انهيار الاقتصاد وتردي سعر العملة.
  • ضبط الأسعار والأسواق.
  • تنفيذ معالجات سوق النفط.

مقالات ذات صلة