من تجارب الشعوب حرب القتل والتدمير الجوية

الدكتور/ حسـن علـي مجلـي

تمهيــــد :

ما فعلته السعودية وحلفاؤها باليمن سبق وأن جربته أمريكا في جنوب شرق آسيا. تسير السعودية على خطى أسيادها في شن الحروب العدوانية الظالمة وما يترتب عليها من هزائم مؤكدة ومذلة للمعتدين وأعوانهم وأذنابهم.

في (نوفمبر 1968م) كتب أحد خبراء شؤون جنوب شرقي آسيا في صحيفة (لموموند) الفرنسية يقول: ((صرح لنا أحد المسؤولين في منطقة (سام – نو) في دولة (لاوس) بأن (65) قرية قد دمرت في الفترة من فبراير 1965م إلى مارس 1968م)). وأضاف الخبير العسكري:

((أنه من المستحيل إجراء تحقيق على الطبيعة في فترة زمنية قصيرة غير أنني لاحظت على طول مسافة ثلاثين كيلومتراً من المكان الذي نوجد فيه، أنه لا أثر لأي منـزل في القرية وأن الجسور قد دمرت وامتلأت الحقول والأنهار بالفجوات التي صنعتها القنابل)).

وقد حدث هذا قبل أن يتخذ الرئيسي الأمريكي السابق (جونسون) قراره بوقف الغارات على الدولة الآسيوية الفقيرة المناضلة لأجل حريتها واستقلالها (فيتنام الشمالية). وعندما توقفت الغارات الجوية الأمريكية قامت (واشنطن) بتوسيع نطاق غاراتها على دولة أخرى آسيوية هي (لاوس). وشهدت الأشهر الأخيرة تشديد عمليات قصف (لاوس) بصورة لم يسبق لها مثيل. وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية يوم 25 يناير 1971م ما يلي:

((تقوم قاذفات القنابل الاستراتيجية الأمريكية الضخمة (ب-52) بحوالي ألف طلعة كل شهر فوق (لاوس) بالإضافة إلى آلاف الطلعات التي تقوم بها قاذفات قنابل ومقاتلات أصغر حجماً. كذلك تقوم الطائرات الحربية الأمريكية – بما في ذلك طائرات الهيلوكبتر المزودة بالمدافع بدعم وتعزيز قوات حكومة (لاوس) العميلة لأمريكا في عملياتها العسكرية)).

أسلحة عادية في عصر الإلكترونيات :

ولكن، ماذا كانت نتيجة ذلك كله حتى يناير عام 1976م؟. لقد فشل المستشارون الأمريكيون وعمليات القصف الجوي اليومية في وقف حركة التحرر الوطني لشعب (لاوس) الذي لم يكن لديه سوى أسلحة عادية تعتبر بدائية في عصر الإلكترونات وشعب حر صامد وقيادة سياسية – عسكرية ثورية وتأييد الرأي العام العالمي وخاصة شعوب الهند الصينية في مجموعها.

وقد أسفرت هزيمة أمريكا في (لاوس) (الهند الصينية) عن حقيقة هامة هي أنه إذا اشتدت مقاومة الشعوب التي تقاتل ضد الاستعمار الأمريكي، فإن هذه المقاومة تساعد على فضح حقيقة الولايات المتحدة، (كما هو الحال في فضح حقيقة السعودية وأمريكا وحلفائهما المرتزقة في العدوان على اليمن 2015م)، ويصبح العدوان الأمريكي مكشوفاً ومعزولاً، وهنا يتضح أكثر من أي وقت مضى أن الاستعمار الأمريكي جبان يخشى الرأي العام في بلاده وفي العالم، وهذا ما أثبته غزو (لاوس) في ذلك الوقت.

انهيار خطة (الفتنمة) :

مثلما كان ولا زال أحد أهداف تمزيق اليمن باسم (الأقاليم) هو تحقيق المطامع السعودية والاستيلاء على المزيد من الأراضي اليمنية واستمرار هيمنتها هي وأمريكا على اليمن واليمنيين وجعل الحروب بين اليمنيين أنفسهم.

فقد كان الهدف من (الفتنمة)، أي جعل الحرب بين الفيتناميين أنفسهم، هو استمرار الوجود العسكري الأمريكي في جنوب شرقي آسيا لأطول فترة ممكنة، كما أنها كانت (الفتنمة) تعني تصعيد الحرب هناك وليس العكس.

حينذاك أعلن (أفريل هاريمان) الرئيس السابق لوفد المفاوضات الأمريكي في (مؤتمر باريس) بشأن (فيتنام) – في تصريح أدلى به يوم 17 نوفمبر 1971م لمجلة (لوك) الأمريكية – قائلاً:

((إن سياسة الحكومة الأمريكية في (كمبوديا) كشفت عن هدفها الراهن سواء في (فيتنام) أو (كمبوديا) وهو محاولة دعم الحكومات العسكرية الموالية للغرب بصرف النظر عن معارضة السكان المحليين لهذه الحكومات)).

وأوضح (هاريمان) أيضاً حقيقة سياسة (الفتنمة) بقوله:

((إن هذا الهدف الذي تسعى إليه الحكومة الأمريكية، مستحيل بدون استمرار وجود قوات أمريكية كبيرة في (فيتنام) ومواصلة القتال)).

وذلك واضح أيضاً في اليمن. لقد فشل السعوديون في (يمننة) الحرب، قبل العدوان الشامل على اليمن، فتدخلوا عسكرياً بالحرب الجوية لغرض احتلالهم لليمن ودعم عملائهم فيها، وهم، أي السعوديون وسادتهم الأمريكان، الآن يريدون من جديد (يمننة الحرب) أيضاً عن طريق تشجيع أذنابهم في بعض مناطق اليمن وبالذات عصابات (القاعدة) و (داعش) الإرهابية على احتلال بعض عواصم المحافظات والمدن اليمنية مثل (المكلا) في (حضرموت) كي تصير تابعة فيما بعد للسعودية كما حدث قبلئذ لـ (نجران وجيزان وعسير والوديعة والشرورة)، ولكن الحكام السعوديين يخططون أيضاً إذا فشلت (اليمننة) لغزو بري عسكري للأراضي اليمنية واحتلالها.

قبل النهاية الدموية :

استخدمت (الولايات المتحدة الأمريكية)، في غزو أرض (لاوس) وقهر الشعب هناك، أقوى وأكفأ الوحدات المقاتلة التابعة لحكومة (سايجون) العميلة لأمريكا، سواء الوحدات التي كانت تعسكر حول العاصمة (سايجون) لحمايتها من قوات التحرير أو الوحدات التي كانت تقاتل في (إقليم كراتي) في (كمبوديا). ولم تشترك القوات الأمريكية البرية بصورة مباشرة وكثيفة في عملية الغزو. غير أن هذه العملية لم تكن لتتم بدون تولي الأمريكيين كل ما يتعلق بالإمدادات والمخابرات فضلاً عن الدعم الجوي الكامل. وهو نفس الحال الآن في الحرب ضد اليمن حيث يتم ذلك بدعم كامل من القوات الأمريكية.

ولكن ما الذي جرى رغم الإمكانيات العسكرية الهائلة للغزاة؟!.

لقد عجزت القوات العميلة لأمريكا عن المحافظة على أي موقع من مواقعها، ولحقت بالأمريكيين خسائر فادحة في طائرات الهيلوكبتر، وذكرت مجلة (تايم) الأمريكية – نقلاً عن مصادر رسمية – قبل النهاية الدموية لعملية غزو (لاوس) بثمانية أيام، أن قوات (سايجون) خسرت (ألفي) قتيل ومفقود و (أربعة آلاف) جريح أي (33 في المائة) من القوات التي اشتركت في الغزو. وصرح مصدر عسكري أمريكي بعد ذلك بأن نسبة تتراوح بين (45 في المائة و 50 في المائة) من القوات الفيتنامية الجنوبية العميلة التابعة لـ (سايجون) قد سقطت بين قتيل وجريح. وأصيبت (الفرقة الأولى السايجونية) – وهي تعد أحسن فرقة عسكرية لدى القوات الحكومية العميلة لأمريكا – بخسائر مروعة، فالكتيبة الرابعة لهذه الفرقة كانت تضم (500) جندي، ولم يعد في (فيتنام الجنوبية) من هذه الكتيبة عقب انسحاب أمريكا وعملائها من (لاوس) سوى (32) جندياً فقط بينهم عشرة مصابين!!. [وذلك هو ما سوف يحل بالقوات البرية التي قد تفكر بغزو اليمن مهما بلغ عددها ومهما تعدد عملاؤها في الداخل، ومهما تمكنت طائرات العدو السعودي الأمريكي وعملائهما من تدمير سلاح الجو اليمني].

آنذاك أعلن الصحفيون الذين كانوا يتابعون عودة القوات الحكومية المنسحبة من (لاوس) بعد فشل غزوها – وكانت تلك القوات في حالة من الهلع والذعر والإرهاق – أن أقل من نصف المصفحات التي أخذتها معها إلى (لاوس) عادت مع المنسحبين وأن المعدات الثقيلة مثل المدافع دمرت داخل (لاوس) سواء بواسطة قوات التحرير أو الحكوميين أنفسهم حتى لا تقع في أيدي الثوار.

وكان من المقرر أن تستمر (عملية لاوس) – وفقاً للبيانات الرسمية – فترة طويلة، ولكنها لم تستطع الاستمرار لأكثر من (خمسة أسابيع)، وكانت كل المسافة التي استطاعت قوات حكومة (سايجون) أن تقطعها في بطء شديد داخل أراضي (لاوس) هي (45) كليو متراً.

آنذاك كتب أحد الصحفيين واسمه (جاك ديكورنوي) في عدد شهر (أبريل) من مجلة (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسية: ((أن هذه الهزيمة أدت إلى تحطيم معنويات قوات حكومة (سايجون) العميلة، كما أن هؤلاء الذين كتبت لهم النجاة من (لاوس) – والذين لم يكونوا يفكرون في شيء سوى الهرب من ميدان القتال – أخذوا في رواية القصص والمشاهدات التي لا يمكن أن تساهم بأي حال في رفع المعنويات!)).

ماذا عن القتلى من قوات التحرير؟ :

كانت القيادة الأمريكية تعلن عن خسائر كبيرة في صفوف قوات التحرير الوطني، وقد اتضح كذب الإعلانات الأمريكية تلك، حيث تساءل المراقبون آنذاك كيف أحصت أمريكا هذه الخسائر؟. لا سبيل إلى ذلك سوى عن طريق الجو!. أي أن تقوم الطائرات الأمريكية بتسجيل عدد القتلى من قوات التحرير. وهذه الوسيلة تبعث على السخرية لأن الطائرات الأمريكية كانت تواجه في عملية غزو (لاوس) مشكلة المشاكل وهي النيران الكثيفة من مدفعية قوات التحرير. وليس من المعقول أن تجد هذه الطائرات الفرصة المريحة التي تتيح لها القيام بعمليات إحصائية. أما عن قوات حكومة (سايجون) العميلة لأمريكا التي كانت محاصرة في قواعدها، فلا يمكن بأي حال أن يتصور أحد أنها كانت تملك وقت الفراغ الذي يتيح لها إحصاء الجثث من قتلى قوات التحرير والدفاع عن الوطن.

أستاذ قانون – جامعة صنعاء

المستشار القانوني والمحامي أمام المحكمة العليا

عضو اتحاد المحامين العرب