نص المحاضرة الرمضانية الثانية للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1445هـ
الثلاثاء 2 رمضان 1445هـ 12 مارس 2024م
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
حديثنا عن أهمية التقوى، التي هي الثمرة التربوية لفريضة الصيام، وما تعنيه لنا التقوى؛ ليتضح لنا مدى حاجتنا إلى التقوى، وماذا تعنيه بالنسبة لنا، لنركز عليها، ونسعى لأن نحصل على هذه الثمرة، من خلال أدائنا لفريضة الصيام المباركة، ومن خلال سعينا للاستفادة الواسعة من بركات الشهر الكريم (شهر رمضان المبارك).
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيَّن لنا كثيراً في القرآن الكريم عن أهمية التقوى بالنسبة لنا، وعن حاجتنا إليها، وفي واقع الحال فالسعي للتقوى، والحرص على التقوى، والاهتمام بأمر التقوى هي مسألةٌ فطريةٌ لدى الإنسان، الإنسان هو بفطرته يحب الخير والسلامة لنفسه كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: الآية8]، يحب لنفسه الخير، ويريد لنفسه الخير؛ ولذلك نحتاج مع الفطرة التي تؤثِّر عليها مؤثرات هذه الحياة، ويؤثر أيضاً جهلنا بما هو الذي يشكِّل وقايةً لنا، وسلامةً لنا، وخيراً لنا، كما يؤثِّر على الإنسان ما يعانيه من الضلال، وسوء الفهم، والتصورات الخاطئة عمَّا هو الذي يحقق له الخير، ويشكِّل وقايةً له من الشرور والشقاء، وضنك المعيشة، وعن الخزي في الدنيا، وعن العذاب في الآخرة، نحتاج إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحتاج إلى الإيمان الواعي، الذي يتحقق لنا من خلاله التقوى، مع هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” رسم لنا في توجيهاته، وتعليماته، وأوامره، ونواهيه، ما يمثل وقايةً لنا في الدنيا، وفي الآخرة:
- في الدنيا: من الشقاء، من ضنك المعيشة، من الخزي، من القهر، من الظلم، من الذل، من كل الشرور.
- وفي الآخرة: من العذاب العظيم، من سوء الحساب، من الخسران الكبير، الخسران لرضوان الله، ولجنته، وللنعيم الأبدي، والاتجاه نحو العذاب الأبدي والعياذ بالله.
ما ينقص المسلمين مع انتمائهم للإسلام هو التقوى، وهذا النقص له أثرٌ خطيرٌ على حياتهم، في كل شؤونهم: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، وغير ذلك، ومن الواضح مدى الخسارة التي يعانيها المسلمون، بسبب هذا النقص في التقوى، لو أن المسلمين التزموا التقوى، وبنوا واقعهم على أساسها، لكان وضعهم مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه، ولما حصلت لهم ما حصلت من المآسي والكوارث والويلات، ولا يعني ذلك ألَّا يكون هناك معاناة وتضحيات في إطار عملي، فهذا شيءٌ طبيعيٌ في ظروف هذه الحياة، التي هي ميدان اختبار وميدان مسؤولية، ولكن المسألة تختلف كثيراً عن تضحيات ومتاعب لها ثمرة، ولها نتائج مهمة جداً، وعن معاناة تنتج المزيد من المعاناة، ومآسٍ تنتج المزيد من المآسي، وعن تتابع الكوارث والمآسي والويلات التي عانت منها الأمة على مدى تاريخها.
النقص في التقوى كان خطيراً ومؤثراً، والأخطر أيضاً من نتائجه وآثاره في هذه الحياة الدنيا: العواقب الخطيرة في الآخرة؛ فلذلك ندرك من خلال التأمل في آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم الأهمية الكبيرة لمعالجة هذا النقص، والسعي لتلافي هذا النقص.
الخطر الذي يسبب للإنسان أن يقع في المصائب الكبرى، والعواقب الخطيرة جداً، هو بمخالفة توجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنها هي التي تُشَكِّل وقايةً لنا، وشملت مختلف شؤون حياتنا، فعندما يخالفها الإنسان كشخص، أو كمجتمع، أو كأمة، لذلك تابعات، ومخاطر، وأضرار، وآثار، وعواقب وعقوبات، جزءٌ منها يأتي في الدنيا، والجزء الأوفى، والجزء الكبير، والجزء الخطير يأتي في الآخرة.
والمسلمون فَرَّطُوا في كثيرٍ من تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التي تشكِّل وقايةً لهم من الضعف، والهوان، والشتات، والذل، والقهر، والظلم، فَرَّطُوا في تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته، التي تبنيهم كأمةٍ قويةٍ عزيزة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أمرهم في القرآن الكريم بالاعتصام بحبله، وحذرهم من التفرُّق، فتفرَّقوا وفرَّطوا في هذه التعليمات، أمرهم بالجهاد في سبيله، أمرهم بأن يكونوا أمةً قائمة بالقسط في عباده وبلاده، حمَّلهم مسؤوليات فيها الشرف الكبير لهم، بها نهضتهم، وعزتهم، وقوتهم، وريادتهم بين الأمم؛ ولذلك فرَّطوا في ذلك، بدلاً من أن يكونوا الأمة التي تتحرك في إطار تلك المسؤوليات العظيمة، وتحظى بنصر الله، ومعونته في أدائها لتلك المسؤوليات الكبرى: في الدعوة إلى الخير، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في السعي لإنقاذ البشرية وإصلاح واقعها، التفريط في ذلك، التفريط في الجهاد في سبيل الله، التفريط في الدور الحضاري وتقديم النموذج الحضاري الإسلامي، الذي يعمر هذه الحياة على أساسٍ من هدي الله وتعليماته، على أساسٍ من القيم والأخلاق العظيمة، فرَّطوا في كل ذلك، فرطوا في إعداد ما يستطيعون من القوة، فكانت النتائج عليهم خطيرة؛ لأن تفريطهم في ذلك كله امتد على مدى قرون من الزمن، على مدى مئات السنين، فكان الاتجاه هو اتجاه انحدار بين الأمم، الأمم الأخرى تنهض، تكبر، تقوى، وأمتنا الإسلامية تهبط في مسار هبوط على مدى التاريخ؛ لاستمرارها في ذلك التفريط، ولتفاقم وتعاظم هذا النقص في التقوى، والإصرار عليه، فكانت النتيجة في هذه الحياة نتيجة مؤسفة جداً، بعد امتداد التفريط لقرون من الزمن تغير واقع الأمة، هبطت في مستواها بين الأمم، وطمع فيها أعداؤها.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعد المسلمين، وعد المؤمنين على الالتزام بالتقوى بالنور والفرقان؛ ليكونوا أرقى أمة في وعيهم، في حكمتهم، في بصيرتهم، في فهمهم، في معرفتهم، ولكن فرَّطوا في التقوى؛ فخسروا ذلك، بدلاً من أن يكونوا أمةً ترى بنور الله، تمتلك الوعي العالي، والبصيرة، والحكمة، والفهم، خسروا ذلك، وأصبحوا أمة ينقصها الوعي، يتمكن أعداؤها من إغوائها وإضلالها، وتضييعها في اتجاهات مختلفة، وأهواء مختلفة، وأفكار مضطربة، تزيدها ذُلاً، وتزيدها هواناً وضعفاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: من الآية29]، فقدوا الفرقان؛ فالتبست عليهم الأمور، وتمكّن أعداؤهم من التأثير عليهم، في رؤاهم، في ثقافاتهم، في أفكارهم، بما يخدم أعداؤهم، ويؤثر عليهم سلباً.
وعدهم الله على الالتزام بالتقوى أن يكون معهم، وهذا شيءٌ جامع، جامعٌ لكل خير، لكل فلاح، لكل عزة، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}، {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: من الآية123]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: الآية128]، فلا يضر بهم ولا يؤثر عليهم مكر أعدائهم كيفما كان، {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: 127-128].
وعدهم– كما وعد الأمم من قبلهم- على الالتزام بالتقوى بالبركات والخيرات، في أرزاقهم، في متطلبات حياتهم، في معيشتهم، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96].
وعودٌ كثيرة تحدث عنها في القرآن الكريم، تتعلق بعاجل الدنيا، وأيضاً في الآخرة الجزاء الأوفى، الحساب اليسير، الأمن في يوم الفزع الأكبر، الفوز برضوان الله تعالى، الوصول إلى نعيم الله، إلى أرقى نعيم، إلى جنة الله، إلى السلامة من عذاب الله، ومن الشقاء والعذاب الأبدي.
ولذلك فالتقوى ذات أهمية كبيرة للإنسان، وحاجة ضرورية للإنسان، البديل عنها: هو ما يقع فيه الإنسان من الشقاء، من العذاب، من الهوان، من الخزي، من المصائب، من الشرور، فالتقوى ذات أهمية للإنسان، وإذا كان الإنسان قد يجازف بالتقوى، في حساب ما يحسبه من شقاء في هذه الحياة، وشرور في هذه الحياة، وأراد أن يجازف، وأن يستهتر بنفسه ولا يبالي بذلك، فماذا عن الآخرة؟ ماذا عن العذاب الأبدي، الشقاء الأبدي، الحسرات والندم، والعذاب النفسي والعذاب الجسمي الرهيب جداً في الآخرة، هل يمكن أن يفكر الإنسان بأنه شيء عادي، بأنه شيءٌ بسيط، بأنه شيءٌ يمكن أن يجازف وأن يورط نفسه فيه؟ هذا ما ينبغي أن نتأمله أيضاً من خلال القرآن الكريم.
العواقب والعقوبات في الآخرة رهيبة جداً، فظيعة وشديدة للغاية، وتداعيات، وعواقب، وعقوبات، إخلال الإنسان في هذه الدنيا بالتقوى، بما يشكل وقايةً له، لا تقتصر عند شرور ومصائب هذه الحياة، ما يواجه الإنسان في هذه الحياة من شرور ومصائب ومخاطر، بل الخطير جداً أنها تمتد إلى عالم الآخرة، إلى عالم الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً يفوق تخيل الإنسان، فهي لا تقتصر على الدنيا، بل تمتد إلى الآخرة، وجزاء عظيم، جزاء كبير جداً، يُبيِّن لنا أهمية مسؤولية الإنسان كإنسان، وأهمية أعماله، وما يترتب على أعماله من جزاء، عِظَمُ الجزاء يدل على أهمية العمل، وآثار هذا العمل، ونتائج هذا العمل بالنسبة للإنسان.
ولذلك فالإيمان بالآخرة، واليقين بالآخرة، من أهم ما يساعد الإنسان على التزام التقوى في هذه الحياة، والاستقامة في هذه الحياة؛ لأن الإنسان يدرك أنَّ مستوى العقوبات والعواقب خطيرة جداً على الإخلال بالتقوى، ومهولة، ورهيبة، وليست فقط في ما قد يصيب الإنسان في هذه الحياة من شرور، ومن آلام، ومن مخاطر، ومن أضرار، ومن مصائب، بل أكبر بكثير، رهيبةٌ جداً، فهذا يمثِّل حافزاً له على الاستقامة في هذه الدنيا، فهذه مسألة مهمة.
ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم في أوصاف المتقين: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: من الآية4]، وصلوا في مستوى إيمانهم بالآخرة إلى درجة اليقين، واليقين له أثره الكبير على الإنسان، عندما يكون موقناً بكل تلك التفاصيل عن عالم الآخرة، التي ذكرها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن، ويدرك أنَّه سيتَّجه إليها، وإذا عاش تلك التفاصيل ووصل إليها بإخلاله بالتقوى، بتفريطه في تعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهي حالة خطيرة جداً.
فالإنسان بحاجة إلى هذا الإيمان، وهذا اليقين، وبحاجة إلى الاستحضار؛ لأننا في واقعنا كأمةٍ مسلمة نقر في إيماننا بالآخرة، إيمان إقرار، نحتاج أولاً إلى أن يكون إيمان يقين، وإيمان راسخ، ووعي، وبصيرة، وفي نفس الوقت الاستحضار والتذكر لما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن عالم الآخرة، من خلال تلاوة الإنسان للقرآن الكريم، وينبغي أن تكون هذه العلاقة مع القرآن الكريم، في الاهتمام بتلاوته علاقة دائمة، علاقة مستمرة، علاقة يومية، والإنسان يقرأ في القرآن الكريم وفي القرآن مساحة واسعة جداً للحديث عن عالم الآخرة، فالإنسان عندما يتلو كتاب الله، ويتلو آيات الله، ويرى تلك التفاصيل المؤثِّرة جداً، والمهمة للغاية، هذا يزيده دافعاً للتقوى، ويدرك أهميتها باستمرار، فالغفلة، وعدم الاستحضار، عدم التذكر، عدم الانتباه، يسبب للإنسان قسوة القلب، وإذا قسى قلب الإنسان؛ كان جريئاً على المخالفة لتوجهات الله، وتعليمات الله، التي هي تشكِّل وقايةً له، فيفرِّط في التقوى، وهي حالة خطيرة جداً.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال عن عباده المتقين المفلحين؛ ليبيِّن هذا الاستحضار للآخرة، هذا التذكر، هذا الإيمان، هذا اليقين، يحكي عنهم: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان: الآية10]، هذا التذكر، وهذا الاستحضار مثَّل دافعاً عملياً، وكان شعوراً حياً يحملونه في قلوبهم، ومشاعرهم، ووجدانهم.
يقول عن أهل الجنة في الجنة، عن المتقين الذين لم يفرِّطوا بالتقوى، فوصلوا إلى الغاية العظمى، والسعادة الأبدية، وهم يتحدثون عن أسباب نجاتهم في الدنيا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور: الآية26]، لم يكونوا في حالة غفلة دائمة مستحكمة، وإعراض، وتجاهل، واستهتار، كان هناك حالة إشفاق، محاذرة من الوقوع في سخط الله، وعذاب الله، والعقاب الإلهي.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ذكر أيضاً حتى عن ملائكته، وعن أنبيائه، كيف هي مشاعرهم حيَّة، كيف يعيشون حالة الحذر من المخالفة لتوجيهات الله، وتعليمات الله؛ لأنهم يؤمنون أنَّ ذلك يوقعهم في العذاب، أنَّ ذلك تفريطٌ في التقوى، فيما يشكِّل وقايةً لهم، فيقول عن ملائكته، وهم ملائكته: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: الآية50].
يتحدث عن أنبيائه كذلك، عن مخافتهم: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء: من الآية57]، يخافون من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يحملون مشاعر الخوف من أن يفرِّطوا في توجيهاته، في تعليماته؛ لأنهم يدركون أنَّ ذلك هو تفريطٌ فيما هو وقايةٌ لهم.
يقول عن خاتم أنبيائه وسيِّد رسوله محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الزمر: الآية13]، رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ” يحمل مشاعر الخوف من أن يفرِّط في التقوى، من أن يخالف تعليمات الله، من أن يعصي الله؛ لأنه يدرك ما وراء ذلك من العذاب العظيم.
هؤلاء هم ملائكة الله وأنبياؤه، كيف بنا نحن؟! كيف بالإنسان الجاهل، الغافل، المستهتر، الذي لا يدرك الخطر الكبير الناتج عن تفريطه بالتقوى؟!
يوم القيامة وأهواله، هو مرتقبٌ ومنظور، وله ثقله في السماوات والأرض، يومٌ عظيم، ينبغي أن يلتفت الإنسان إليه، له شأنٌ يعنيه، ويتعلق به؛ ولهذا يقول الله عن القيامة، عن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية187]، شأنها كبير، مشهد رهيب جداً، مرتقب بين ملائكة الله، وبين خلق الله، وسيأتي حتماً، ويترتب عليه نتائج كبيرة جداً؛ ولهذا بهذه الأهمية الكبرى، كان من أهم أدوار الرسل والأنبياء ومسؤولياتهم ومهامهم: أن يكونوا مبشِّرين، وأن يكونوا منذرين؛ لإقامة الحجة على الناس، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: من الآية165]؛ لأن ما يأتي أمر رهيب، وأمر عظيم جداً.
فعالم الآخرة، ويوم القيامة، ليس مجهولاً، بل أتى الحديث عن تفاصيله الكثيرة جداً في القرآن الكريم، وعن مراحله، مرحلةً بعد مرحلة، وبحديثٍ تفصيليٍ عجيب، يُشَخِّص للإنسان في حالة تقريبية- إذا تأمل الإنسان ذلك- ما يرى منه مشهداً رهيباً جداً، يدرك أنَّ من الخسران، وأن من الحمق أن يتجاهل الإنسان هذا المستقبل الآتي حتماً، الذي هو مصيرك المحتوم، ستتجه إليه، ويتقرر فيه أيضاً حياتك في عالم الآخرة، الحياة الأبدية، إمَّا بخيرٍ خالص، وإمَّا بشرٍ خالص.
عالم الآخرة مرتبطٌ ومترابطٌ مع عالم الدنيا، فمنذ بداية التكوين في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يكون هناك عالم الدنيا (العالم الأول)، وعالم الآخرة، وليس فقط عالماً واحداً، وحياة الإنسان- كذلك- في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” منذ البداية، الإنسان مخلوق لحياتين: الحياة الأولى، والحياة الآخرة، بينهما فاصلٌ قصيرٌ جداً، هو الموت، والإنسان سيستشعر حين البعث كم كان الموت فاصلاً قصيراً جداً، قد يتصوَّره الإنسان بمقدار ساعة واحدة، أو بعض يوم، فالإنسان منذ البداية في تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مخلوقٌ لحياتين بينهما ارتباط، حياة محدودة، بأجل محدود، قصيرة جداً في مقابل الحياة الأخرى، التي هي أبدية، لا نهاية لها؛ ولذلك ينبغي على الإنسان بما أنَّ مصيره في الحياة الأخرى مرتبطٌ بهذه الحياة، وبما يعمله في هذه الحياة، ينبغي أن يحسب حساب حياته الأخرى، وليس فقط يتَّجه إلى هذه الحياة ناسياً ذلك المستقبل الأبدي، حسابات الإنسان واهتماماته ينبغي أن تكون مبنيةً على ذلك.
أتى الحديث عن عالم الآخرة، وعن نهاية هذه الحياة في القرآن الكريم بعناوين مهمة جداً، عناوين تبيِّن لنا رهبة وعِظَم ذلك المستقبل الآتي حتماً: القيامة، والساعة، والواقعة، والقارعة، والطامة الكبرى، والصاخة، والحاقة، هذه من الأسماء والعناوين التي تعبِّر عن هول المرحلة الثانية للوجود، هذه المرحلة الآتية في جزئيها: نهاية هذه المرحلة الأولى، وبداية المرحلة الأخرى في النفخة الأولى والنفخة الثانية، الصيحة الأولى والصيحة الثانية.
في مقدمة ما ينبغي أن نعرفه عن القيامة، وعن أهوالها: أنَّها قد اقتربت، أنها قريبةٌ جداً، وأنها بالنسبة لنا في هذا العصر أقرب من أيِّ زمنٍ قد مضى، نحن آخر الأمم، نحن على مقربةٍ- فعلاً- من قيام الساعة، من نهاية المرحلة الأولى من الوجود، ومجيء المرحلة الثانية في عالم الآخرة، نحن على مقربة- نحن أهل الأرض بشكلٍ عام- نحن على مقربة أكثر من كل الأجيال البشرية التي قد مضت في التاريخ، فنحن على مقربة من نهاية هذه الحياة، على قربٍ من قيام القيامة والساعة، نحن على مقربةٍ من نهاية التاريخ، نحن في حقبة نهاية التاريخ، في المراحل المتأخرة جداً، وهذا ما أكَّده الله في القرآن الكريم؛ ولذلك ختمت رسالات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بخاتم النبيين، وسيِّد المرسلين محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، فكان ختام الأنبياء، وكانت رسالة الله إليه هي نهاية الرسالات، وختام الرسالات؛ لأن البشر على مقربة من القيامة، من الحساب والجزاء.
ومع قربها، هي ستأتي بغتة، ليس هناك وقت محدد يتصوَّر الإنسان أنه في يوم كذا، في ساعة كذا- سواءً من ليلٍ أو نهار- تقوم الساعة، ستأتي بغتة، في وقتٍ غير متوقع، معنى مجيئها بغتة: أنها ستأتي في مرحلة، في وقت، في لحظة لا يتوقع المجتمع البشري حتى بالرغم مما يمتلكه البشر في هذا العصر من تقنيات، من إمكانات، وقد تطوَّرت العلوم بمختلفها، علوم الفلك… وغيرها من العلوم، تطوَّرت وامتلك البشر فيها أيضاً وسائل وتقنيات، وإمكانات متطورة، مع كل ذلك ستأتي في وقتٍ غير متوقع، خارج الحسابات والقراءات، ولو كان لدى البشر مراصد فلكية، وحسابات رياضية لحركة الأفلاك، وحركة الكواكب، وحركة الأرض، ولكن ستأتي في وقتٍ لا يتوقعونها أبداً، بغتة، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، فلا يعرف أحدٌ اللحظة التي تحصل فيها، تجيء فيها الساعة، وتقوم فيها القيامة، إلَّا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}[الأعراف: من الآية187]، فهي قريبة، كما قال عنها: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}[النجم: 57-58].
النفخة الأولى كما في التعبير القرآني، والصيحة الأولى أيضاً كما في تعبيرات قرآنية، يختل بها نظام عالمنا هذا، في سمائه وأرضه، وتدمِّر الأرض بكلها تدميراً كلياً هائلاً، بزلزالٍ عظيمٍ شامل، يسحق جبالها بكلها، بالرغم من كثرة الجبال في الأرض، من قوتها، مما فيها من الصخرات، وهي أوتاد للأرض، هذه الجبال الشامخة، الممتدة على مساحات ورقعة واسعة في الأرض، تنسف بشكلٍ نهائي نتيجةً لذلك الزلزال العظيم، وتتحول إلى هباء، إلى غبار يتطاير في الجو وتنتهي؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة: الآية13]، واحدة فقط، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة: الآية14]، يعني: لا يحتاج كل جبل إلى نفخة، وإلى صيحة، وإلى حادث منفرد به، ثم ينتقل إلى الجبل الآخر، فيبدأ بها جبلاً ثم جبل، إلى آخر الجبال في الأرض، بل في نفحةٍ واحدة تدك كل الجبال، تنسف كل الجبال التي على الأرض، {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة: الآية15].
الزلزال الذي يُدمِّر الأرض بكلها، وبكل ما عليها من الجبال، فما بالك بالعمران! إذا كانت الجبال بكل قوتها، وشموخها، وثقلها، وكبرها، وصخراتها الصلبة، وجبال كثيرة هي بذاتها صلبة، تدمَّر وتنسف في لحظةٍ واحدة، في نفحةٍ واحدة، في صيحةٍ واحدة، فما بالك بما على الأرض من عمران، من مدن، من قرى، من منشآت عمرها الإنسان على كوكب الأرض، كلها ستنسف، لا يتخيل الإنسان هذه الحالة الرهيبة، هذا المشهد المهول جداً، من الدمار والخراب الذي ينسف كل ما على الأرض من المدن والقرى في لحظةٍ واحدة، في لحظة واحدة يتم تدمير كل ما على الأرض، من مدن، من منشآت، من عُمران، من مبانٍ، كل ما عمره الإنسان، وتنتهي كل معالم الحياة على الأرض، كل ما على الأرض من معالم للحياة؛ ولهذا يقول الله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة: 1-5]، في بداية الأمر يصاب الإنسان بالذهول، بالدهشة، بالحيرة، بالخوف؛ لكنه سيهلك، يهلك كل البشر الذين تأتي الساعة وهم على قيد الحياة، يهلكون بأجمعهم، كل الكائنات الحية على وجه الأرض كلها تنتهي، كلها تموت، كلها تهلك.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: الآية26]، يفنى كل ما على وجه الأرض من كائنات حية، الأرض التي كانت تنتشر فيها الكائنات الحية باختلافها وأنواعها، في برها وبحرها، كل تلك الكائنات الحية تموت، كل ما على الأرض يفنى، لا يبقى ولا كائنٌ حي على وجه الأرض.
تنسف الجبال بكلها، تمحى كل معالم العمران على الأرض، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف: الآية8].
حتى البحار والمحيطات، التي تغطي نسبة واسعة من كوكب الأرض، تتبخر وتتلاشى، {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار: الآية3]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير: الآية6]، تتلاشى وتنتهي، لا يبقى على الأرض لا مياه، ولا جبال، ولا عمران… ولا أي معالم من معالم الحياة التي كانت قائمةً عليها، تتحول الأرض إلى صعيد، إلى جُرُز، ليس فيها أي نبات، ولا أي غابات، ولا أي معالم من معالم الحياة، ولا ماء… ولا أي شيء، {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}، لا نبات فيه، ولا حياة فيه.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}[طه: 105-107]، لا ترى في الأرض تتحول إلى ساحة مستوية تماماً، وصعيدٍ مستوٍ، ليس فيها لا جبال، ولا منخفضات، ولا وديان، ولا أنهار، ولا بحار… ولا أي معالم من معالم الحياة، ينمحي كل ما عليها من معالم الحياة، ومن العمران، تصبح صعيداً جُرُزاً، وقاعاً صفصفاً مستوياً تماماً، ليس فيه أي شيء آخر.
{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}: مستوية بشكلٍ تام، بشكلٍ تام، يتغير وضع الأرض بشكلٍ كامل، ومعالمها، صورتها وشكلها، كل شيء يتغير، يتغير، الآن للأرض شكلها، ولها لونها، بالبحار والمحيطات التي تغطيها، بالغابات التي تغطِّي مساحةً منها، وفي أماكن منها أيضاً معالم العمران الذي عمره البشر، من مدن وقرى، كل ذلك ينتهي، ولا مزارع، ولا نباتات… ولا أي شيء، شكل مختلف تماماً.
ليس فقط هذه المتغيرات التي تأتي على الأرض، في نهاية المرحلة الأولى من الوجود، وتمهيداً للمرحلة الثانية، بل يشمل السماء، السماء في بداية أمرها تنشق، السماء يقول الله عنها: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار: الآية1]، {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق: الآية1]، {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة: الآية16]، يتغير لونها {كَالدهَانِ}[الرحمن: من الآية37]، كما ورد في الآية المباركة، ثم تطوى وتتلاشى وتنتهي، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}[الأنبياء: من الآية104]، تطوى وتنكمش وتتلاشى.
الشمس التي هي نجمٌ ملتهبٌ، متوقدٌ، مستعرٌ، هائل، كبير الحجم جداً، تنتهي، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير: الآية1]، النجوم تتساقط {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}[التكوير: الآية2]، كذلك يطمس نورها وينمحي، ويظلم العالم ظلاماً مطبقاً وبشكلٍ تام، وهكذا الشمس والقمر تصطدم ببعضها البعض، {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[القيامة: الآية9].
فينتهي هذا العالم بكل ما فيه، ويعيد الله صياغته من جديد؛ لتبدأ المرحلة الثانية من الوجود فيما بعد ذلك، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تُبَدلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}[إبراهيم: من الآية48]، يعيد الله صياغة الأرض وتشكيلها، وتشكيل السماوات والأرض، لمهمة مختلفة، الأرض عندما يغيِّر الله حالها، لا يبقى فيها الجبال، ولا البحار، ولا النباتات، وتتحوَّل إلى صعيدٍ مستوٍ تماماً؛ لأن لها مهمة، مهمة أخرى، غير المهمة السابقة، مهمة الحشر عليها، والحساب عليها، تمهيداً للانتقال إلى عالم الجزاء.
ما بين المرحلتين: مرحلتي القيامة والساعة، في مرحلتها الأولى التي هي نهايةٌ للوجود، وخرابٌ لنظام العالم لإعادة تشكيله وصياغته، إلى المرحلة الثانية، التي أعيد فيها تشكيل هذا العالم من جديد؛ لتبدأ مرحلة جديدة هي الحياة الأخرى، وليبدأ الناس في البعث والحشر إلى عالم الآخرة، هي مرحلة ليست بعيدةً جداً قياساً بما قد مضى من الزمان؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}[النازعات: 6-7]؛ ليبيِّن القرب ما بين النفخة الأولى والنفخة الثانية، والله أعلم كم هو قياساً بالنسبة للزمن.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[الزمر: من الآية68]، هذا الاستثناء لما خارج الأرض، أمَّا الأرض فهو قال عنها: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن: الآية26]، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: من الآية68]، بعد إعادة تشكيل الأرض والسماوات والعالم من جديد، تأتي النفخة الثانية، والصيحة الثانية، صيحة البعث، صيحة الحشر والنشور، في يوم النشور، في يوم البعث.
نستكمل الحديث على ضوء بعضٍ من الآيات المباركة القرآنية عن مرحلة الحشر، والنشر؛ والحساب، والجزاء؛ والجنة، والنار، باختصارٍ- إن شاء الله- في محاضرة الغد.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛