الفُجور الحلال
عبد الكريم الوشلي
أكثر من ٦٠٠ ألف طن من المواد الغذائية والمساعدات، تتكدس عالقةً في الجانب المصري من معبر رفح، في الوقت الذي يموت فيه أطفال غزة ونساؤها ومُسنُّوها وعُجَّزها وعُزَّلُها جوعا بعد استنفاد كلِّ ما لجأ أبناءُ القطاع المحاصر إلى أكله وإطعام أطفالهم منه وهو غير صالح للاستخدام الآدمي بما فيه علفُ الحيوانات .
نعم ،في ظل هذا الواقع الفجائعي الذي يُسحق فيه مليونان ونصف من ذوي قُربانا ورحِمنا وإنسانيتنا في غزة بآلة الموت الصهيوني الأمريكي الضارية، قصفا وتجويعا، بحصيلة بلغت اليوم وفي شهرها الخامس أكثر من مائة ألف شهيد ومصاب.
في ظل هذا الواقع يصر الجار العربي المسلم الأقرب على «تقطير» دخول تلك الكميات من المساعدات المنقذة للحياة والمكدسة في مخازنه على بُعد أمتار من مئات آلاف الجوعى المنتظِرين تَمنُّنَ هذا الجارِ بإدخالها، والذي يتحجج في موقفه المستهجَن بأنه لا يستطيع السماح بإدخالها بشكل سلس وطبيعي إلا بالتنسيق مع الجانب «الإسرائيلي» أي مع القاتل الذي يُفترض أنه لا شأن له على الإطلاق في إجراءٍ هو من صميم الشؤون السيادية لهذه الدولة ذات السيادة .
غير بعيد وفي الجهة الأخرى يقوم النظام «العُكازي» الآخر بمسرحية إسقاط «مساعداته» البائسة جوا بتنسيق واضح مع العدو وبشكل فائق الغباء المتذاكي! ضاعف أوجاع أهل غزة بوجع أشد في كرامتهم، وكلُّ ذلك لتبييض صفحته الملطخة بالخيانة، فكان كمن أراد أن يكحلها فأعماها!
طبعا بقدرٍ صعبِ الاحتمال من المرارة الشديدة نلحظ أمرا كهذا، واضعين إياه برسم الضمير والوعي والغِيرة لدى إخواننا في البلد الكبير .
وفي الوقت ذاته نجد صعوبة في تجاهل ما يشهده ويحفل به السياق من مواقفَ وتموضعاتٍ أنكى وأشدَّ في إخزائها ومَعَابتها الفائقة، وتضع أصحابها من عرب التتبيع و»التطبيع» والإنبطاح في صف العدو القاتل السفاح؛ وهذا ما نراه في «المتفضلين» على هذا العدو بالجسر البري لتعويض ما يناله من مفاعيل الحصار البحري اليمني.
هؤلاء الذين ذهبت نخوتهم ونجدتهم في الاتجاه العكسي تماما لبوصلة الدين والعروبة والإنسانية.. وللأسف باتوا مفلسين تماما من أي انتماء حقيقي أصيل لهذه المفاهيم والقيم الأساسية.
لقد اختلط زيتُهم بمائهم وتقاربت جهاتُ جغرافيا زيفهم وزيغهم إلى حد التماهي والتداخل والوصول إلى لوحة سريالية فوضوية بات هذا هو منتجَها من مفاهيم الجنون والخلط والتخبيص الشيطاني : الفسوق المؤمن، العهر الطاهر، الكذب الصادق، الخيانة الأمينة، القتل المساعد للمقتول، الفجور المباح، البار/الديسكو الحلال…وهلم جرا!!
هذه هي المفاهيم «المخضرية» في ظل «الإسلام» الأمريكي التلمودي المعرَّبِ المُسَعْودِ الجديد، بعد أن انتهت صلاحية نسخته الوهابية القديمة.
يهودة وصهينة تحاول نسفَ ليس فقط دينَ الله وإسلامَ محمد بن عبدالله والقرآن، بل أيضا العقلِ والمنطقِ واللغات والمعاني والمفاهيمِ والحقائق.. بهدف السطو على الوجود البشري، بكل مقدراته، من خلال هذه الفوضى التخريبية الشيطانية الهدامة(الخلاقةِ بالمفهوم الأمريكي!)،التي يجري إغراق عالمنا المستهدف فيها.
هذا هو التضليل الأكثرُ وقاحةً والكذبُ الأكثر فضاضةً وفجاجة، الكذبُ الذي اخترع له الشيطان الأمريكي اليهودي تسمية «الحقائق البديلة» لتسويغه وتمريره.. وبموجبه يُعاد تعريفُ الأشياء والمفاهيم، بما يخدم صُنَّاعه المجرمين ويساعدهم في السيطرة التامة على شعوب العالم وتحويلها إلى قطعان من العبيد الذين لا يملكون من أمرهم شيئا.. فهل يتنبه عالَمُنا للخطر الماحق الذي يتهدده؟