غطرسةُ الأمريكيين تتحطَّمُ في البحر
عمران نت – تقارير – 7 رجب 1445هـ
تشكِّلُ العملياتُ العسكريةُ للقوات البحرية ضد السفن الأمريكية في البحرَينِ العربي والأحمر منعطفًا جديدًا في مسار المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فاستهداف سفينة أمريكية في خليج عدن له الكثير من الدلالات والرسائل والأبعاد، ويكفي أن اليمن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجرأت على توجيه صفعة لواشنطن دون مبالاة لنتائجها.
وتأتي هذه العملية بعد عدوان أمريكي بريطاني غاشم على اليمن أَدَّى إلى استشهاد عدد من أفراد القوات المسلحة، وقبله تم استهداف 10 من أبطال القوات البحرية؛ الأمر الذي أَدَّى إلى اتساع رقعة المواجهة، وفتح الكثير من الاحتمالات حول اشتعال المنطقة أَو توسيع رقعة الحرب.
وعلى الرغم من كُـلّ هذه التطورات والمساعي الأمريكية وعدوانها الغاشم على اليمن إلا أن موقف اليمن كان صُلباً وثابتاً فيما يتعلق بالمساندة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ فقرارُ منع مرور السفن الإسرائيلية من البحر الأحمر لا يزال سارياً وكذلك قرار منع أية سفينة تحاول المرور من البحر الأحمر باتّجاه الموانئ الصهيونية، ويضافُ إليها اعتبار السفن الأمريكية والبريطانية أهدافاً معادية للقوات المسلحة اليمنية، وفي المجمل لا تزال القوات المسلحة اليمنية تحتفظ بحق الرد، وتؤكّـد أنها لن تقف مكتوفة الأيدي.
ويرى الخبير والمحلل العسكري زين العابدين عثمان، أن “العمليات العسكرية اليمنية ضد المصالح الأمريكية في البحرَينِ العربي والأحمر تعد أهم وأقوى العمليات الهجومية التي تم تنفيذُها وأكثرها استثنائية، من حَيثُ واقعها العملياتي واختيار الهدف والنتائج التأثيرية المرافقة”.
وتطرق عثمان في تصريحٍ لصحيفة “المسيرة” إلى العملية العسكرية للقوات المسلحة اليمنية التي استهدفت سفينة عسكرية أمريكية بأكثر من 24 طائرة مسيَّرة، وشاركت فيها القوات الصاروخية بإطلاق صواريخ باليستية، وكذلك صواريخ بحرية، لافتاً إلى أنها “من حَيثُ الواقع والطبيعة العملانية تجاوزت العملَ الأُحادي إلى طابع هجوم مركَّب ومشترك تضمن مشاركة مثلث القوى الضاربة في القوات المسلحة المتمثلة في القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر والقوة البحرية، في مسار تنسيق عملياتي متكامل بما يخص إدارةَ النيران واختيار الهدف والمكان المناسبين وتحقيق عمل استهدافي للسفينة بقوة نيرانية منظَّمة ومعقَّدة وفعَّالة”.
ويشير إلى أن “العملية أخذت في مسارها مشاركةً كبيرةً من الصواريخ البحرية طراز كروز والنظائر الصاروخية الأُخرى وأسراب من المسيَّرات وعمليات بحرية داعمة، التي شكلت نمطاً نيرانياً مختلطاً وواسعَ النطاق تفوّق على قدرات ومسار العمل الدفاعي للسفينة المستهدفة والمدمّـرات المجاورة لها التي حاولت مساندتها”.
تكتيكٌ عسكري مميز:
وإذا كانت أمريكا لم تفِق من غيبوبتها نتيجة الضربة الأولى من قبل القوات المسلحة اليمنية، فَــإنَّ الضربة الثانية كانت أشدَّ وأكثر إيلاماً، عن طريق استهداف سفينة شحن أمريكية في خليج عدن.
وامتازت العمليةُ بأنها جاءت في مكان لم يتوقعه العدوُّ الأمريكي والبريطاني، كما أنها أرسلت عدداً من الرسائل للبيت الأبيض في واشنطن بأن القوات المسلحة لديها قدرات على توجيه ضربات موجعة ومؤلمة وبإصابات دقيقة ومباشرة في أكثر من اتّجاه، سواءً في البحر الأحمر أَو في البحر العربي، وأن الضربات قد تطال مصالح أمريكية أُخرى في المنطقة، وبعمليات تضر بالأمريكيين كَثيراً.
ونلحظ أن الجانبَ الأمريكي لا يزال يعيشُ واقعاً متخبطاً؛ جراء هذه الضربات الموجعة والمتتالية عليه من قبل صنعاء، حَيثُ جاءت بعد عدوان أمريكي بريطاني غاشم، وادِّعاءات الأمريكيين بأن هذه الضربات أضرت كَثيراً بالقدرات العسكرية لليمن؛ فجاءت هذه العمليات الأخيرة لتنسف الرواية الأمريكية، وتعزز من مصداقية رواية اليمن وجيشه وقيادته الثورية والسياسية.
ويؤكّـد الخبير العسكري زين العابدين عثمان، أن “ما بعد هذه العمليات ستكون قواعد المواجهة مختلفة، موضحًا أننا دخلنا عمليًّا في الاشتباك المسلح والمباشر ضد العدوّ الأمريكي، وهذا الاشتباك سيتوسع نيرانياً وعملانياً إلى أبعد مستوى، وقد يتحول إلى معركة كبرى تحول البحر الأحمر إلى محرقة جماعية للسفن الأمريكية ومصالحها بالبحر الأحمر والعربي، وذلك كلما استمرت إدارة أمريكا أَو أية دولة تتحالف معها في عربدتها وتصعيد عملياتها العدائية ضد قواتنا البحرية أَو ضد سيادة اليمن”.
من جهته يقول الناشط الإعلامي والمحلل السياسي زيد الشريف: “إن العملية العسكرية الاستراتيجية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية، والتي تم خلالها استهداف سفينة عسكرية أمريكية في البحر الأحمر بعشرات الصواريخ والطائرات المسيَّرة هي تأكيد يمني على عدة أمور أولها وأهمهما أن اليمن لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي اعتداء خارجي سواءٌ أكان أمريكياً أَو غيره، كما أنها تأكيد على أن الموقف اليمني الجهادي المساند للشعب الفلسطيني مُستمرّ مهما كانت التحديات ولن يتوقف إلا بفك الحصار ووقف العدوان الصهيوني على غزة”.
ويؤكّـد أن “اليمن قيادةً وشعباً وجيشاً لا يخشى أمريكا ولا يخاف من أساطيلها وبارجاتها وسفنها العسكرية، وَأن دماء القوات البحرية اليمنية التي سفكتها أمريكا في البحر الأحمر لم ولن تذهب هدراً وأن أمريكا يجب أن تدفع ثمن حماقتها وطغيانها وغطرستها”.
ويشير الشريف إلى أن “العمليات العسكرية اليمنية ضد المصالح الأمريكية مهمة وقوية وحساسة وفعالة ومؤثرة، وجاءت في وقت حرج جِـدًّا بالنسبة لأمريكا التي تعمل جاهدة خلال هذه الأيّام على خفض التصعيد في المنطقة وتعمل على عدم توسيع نطاق الصراع؛ بهَدفِ حماية إسرائيل من أي عمل جهادي عربي أَو إسلامي يستهدفها؛ لكي تواصل عدوانها وجرائمها في غزة”، لافتاً إلى أن “القوات المسلحة اليمنية قالت كلمتها الفصل على لسان الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيَّرة، ولن تخذل غزة ولن تتوقف عن مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته وفي الوقت نفسه لن تتهاون عن ردع من يعتدي علينا بدون وجه حق”.
ويوضح أن “السيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- كان واضحًا في خطابه مع أمريكا منذ البداية، وَمنذ أول رسالة وجهتها أمريكا إلى اليمن بخصوص مساندة غزة حين قال لهم: “لسنا ممن يتلقى توجيهاته منكم، ولسنا ممن يتقبل أوامركم، ولا نخضع لأوامركم”، وكذلك حين قال لهم بكل قوة وثقة ومصداقية: إن أي عدوان أمريكي على اليمن سيقابل بالرد ولن نقف مكتوفي الأيدي، وَإذَا تورطت أمريكا في العدوان على اليمن فسوف نستهدف السفن والبوارج والمصالح الأمريكية، وهذا ما حصل بالفعل”.
جهوزيةٌ عالية:
وتواجه الولايات المتحدة الأمريكية أكبر معضلة في الوقت الراهن، إذ تعجز في فك الحصار على الموانئ الصهيونية، وإيقاف اليمن عن قراره التاريخي لمناصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ويقول مستشار وزارة الإعلام توفيق الحميري: إن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة باستهداف السفن الأمريكية تعد تأكيداً يمنياً نهائيًّا للرأي العالمي باستمرار تنفيذ قرار القيادة اليمنية بمنع مرور السفن الإسرائيلية أَو السفن المرتبطة بها من المرور عبر البحر الأحمر إلى الكيان المجرم.
ويعتبر هذه العمليات نعمةً كبيرةً منَّ الله وانتقالة هامة وإعلانًا لبدء مرحلة جديدة وتاريخية أدخلت الأمريكيين في خط المواجهة المباشرة مع الشعب اليمني، لافتاً إلى أنها لا تزال رداً أولياً على جريمة استهداف عشرة من مجاهدي قواتنا البحرية الأبطال، وشهداء القوات المسلحة؛ ما يعني أننا سنشهد في قادم الأيّام المزيد من هذه العمليات، حتى يتوقف العدوان والحصار على قطاع غزة.
من جانبه يشير العميد أبو القاسم الشريف، إلى أن “العدوّ الأمريكي بدأ العدوان على اليمن باستهداف ثلاثة زوارق للقوة البحرية اليمنية واستشهد على إثرها وفقد عشرة مجاهدين من القوات البحرية للقوات المسلحة اليمنية؛ فخرجت القوات المسلحة اليمنية وتوعدت الأمريكي بالرد على هذه الجريمة على لسان الناطق الرسمي، وخرج كذلك الشعب اليمني في مسيرات مليونية مسانداً للقيادة في كُـلّ القرارات التي تتخذها ومطالباً بالرد على هذه الجريمة”.
ويواصل: “ليفهم الأمريكي أنه لا يوجد حدود ولا قيود تمنع المجاهدين من الرد على جرائم الأمريكي أَو مساندة إخواننا في غزة، وأن عملياتنا مُستمرّة في البحر وكذا في قصف العدوّ الصهيوني”.
ويضيف: “نحن لدينا بفضل الله القدرات الكافية للقيام بهذه العمليات واستهداف السفن الحربية أَيْـضاً، ولدى القوات المسلحة اليمنية الرؤية الواضحة والمحكمة في ردع العدوّ الأمريكي ومن تحالف معه، وسوف يلاقي من الويل والتنكيل ما لم يكن له في حسبان، وأن هذه العمليات رد أولي على الأمريكي”، مؤكّـداً أن القوات المسلحة اليمنية جاهزة لكل السيناريوهات المحتملة والمتوقعة، وهي مستمدة العون من الله.
ويرى أن الذي يمكن أن يذهب إليه الأمريكي جزء منه ظهر في مجلس الأمن وأن ما يعمله وزير الخارجية الأمريكي في جولته في المنطقة جزء من مخطّطه في توسيع تحالفه على اليمن، وأنه قد يقدم على القيام بجريمة هنا أَو هناك لمحاولة إرهاب المجتمع اليمني، لكن أياً يكون العمل الذي يريد العدوّ الأمريكي أن يقوم به؛ فنحن جاهزون لمواجهته، والعاقبة للمتقين.
بدوره يقول اللواء يحيى المهدي: “إن لهذه العمليات الكبيرة دلالات عديدة من حَيثُ الجرأة أولاً باستهداف سفن أمريكية بشكل مباشر لأول مرة في تاريخ الغطرسة والهيمنة الأمريكية تقوم دولة عربية مسلمة بتحدي أمريكا وتهاجم سفنها كرد أولي طبيعي لاستهداف سفنها ثلاثة قوارب يمنيه واستشهاد ١٠ أبطال من مقاتليها في تصرف لم تعرفه أمريكا في البحرين الأحمر والعربي الذين تسيطر عليه بارجاتها وسفنها الحربية منذ قرون”.
ويواصل: “بعد أن حشدت أمريكا تحالفاً دوليًّا مفككاً من بدايته لهدف إرهاب أهل اليمن وإخافتهم كانت الرسالة واضحة وضوح الشمس وسط النهار بأن تلك القوات المتواجدة في البحر الأحمر لم تؤثر في نفسيات أبناء اليمن أَو تخيفهم بل العكس أظهرت اليمن بقوته العسكرية المختلفة، وَأن تلك القوة ليست إلا صيداً ثميناً للقوة الصاروخية والطيران المسيَّر والقوة البحرية لتظهر كقوة جديدة صاعدة في المنطقة تعادل قوتها غطرسة وهيمنة أمريكا العظمى التي استكبرت وتعالت على المستضعفين في غزة، ظناً منها أنه لا يجرؤ أحد على ردعها أَو الرد عليها فأتى الرد صاعقاً ومزلزلاً بالنسبة لأمريكا والغرب عُمُـومًا لكون الرد أتى من دولة نامية كما يسمونها ودولة محاصرة فقيرة، بينما لم تجرؤ دول العالم العظمى كالصين أَو روسيا أَو غيرها أن توجّـه أية ضربة لأمريكا”.
ويضيف المهدي لصحيفة “المسيرة” أن من ضمن الدلالات التي تحملها العمليات العسكرية من الناحية الاستراتيجية أن هذا الرد وهذه الضربة تعتبر رداً استراتيجياً كَبيراً جِـدًّا، حَيثُ لم يعمل اليمن لهيمنة أمريكا أي حساب على الإطلاق وكسر هيبة الأمريكيين، وبين أنهم وغيرهم على السواء في حال الاعتداء على أرض اليمن أَو رجالها أَو مياهها وبحارها، وهذا ما سيؤدي إلى كسر الحواجز لدى الكثير من الدول العربية والإسلامية والدول الحرة من القيام بالرد على أية ضربة أمريكية في أية منطقة في العالم، فإذا تمكّن اليمن اليوم من توجيه ضربة مؤلمة للأمريكيين وكسر هيبتهم فَــإنَّ الجميع سيقتدون باليمن وقوتها في مواجهة الصلف الأمريكي.
وفي سياق دلالات العمليات أنها خلقت معادلة جديدة في المنطقة بأن كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وأن اليمن بقيادته وجيشه وشعبه قادر بعون الله ونصره وتأييده على فرض هذه المعادلة الجديدة لإيمانه الكبير بالنصر المؤزر من قبل الله، الذي وعد عباده المؤمنين بالنصر على الأعداء المشركين مهما كان قوتهم أَو طغيانهم وجبروتهم، كما قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، والكلامُ للواء المهدي.
صحيفة المسيرة | أيمن قائد