اليمن توسّع دائرة الحصار البحري على “إسرائيل”
العدو الإسرائيلي سيكون الخاسر الأكبر، سواء بلع الضربات البحرية أو ردّ عليها، ولا فكاك له من القبول بالمعادلة القائمة: فكّ الحصار مقابل الحصار، ووقف العدوان مقابل وقف العمليات العسكرية اليمنية.
/علي ظافر
اليمن تهدد باستهداف أيّ سفينة تبحر باتجاه موانئ الكيان المؤقت.
بعد سلسلة من العمليات العسكرية اليمنية النوعية ضد سفن العدو الإسرائيلي، تذهب القوات المسلحة اليمنية لتوسيع دائرة الحظر والمنع البحري، بتهديدها استهداف أيّ سفينة تبحر باتجاه موانئ الكيان المؤقت، وقد وضعت معادلتها الجديدة على قاعدة الغذاء والدواء مقابل مرور السفن.
المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع هدّد مساء السبت، بـ “منع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، من أي جنسية كانت”، موسّعاً دائرة التهديد لتشمل البحرين الأحمر والعربي، مؤكداً أن القوات المسلحة ستنفّذ القرار من لحظة صدوره، ما لم “تدخل قطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء”.
وقد جاء هذا التهديد بعد أن أفشلت واشنطن قراراً في مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة، وأعلنت عن صفقة جديدة من السلاح لـ “إسرائيل” لمواصلة جرائم الإبادة المستمرة منذ أكثر شهرين في غزة، ليؤكد عدداً من الرسائل ويثبت عدداً من معادلات الرد والردع على استمرار العدوان والحصار الأميركي الإسرائيلي، ويمكن أن نلخّص تلك الرسائل على النحو التالي:
– توسيع دائرة الاستهداف لتشمل كلّ السفن ومن كلّ الجنسيات والدول والشركات المتعاملة مع العدو الإسرائيلي، بمعنى أن العمليات لم تعد حكراً على العدو الإسرائيلي وسفنه فقط.
– توسيع مسرح العمليات ليشمل البحرين الأحمر والعربي على امتداد 2500 كيلومتر، وصولاً إلى أعالي البحار (المحيط الهندي).
– تدشين معادلة الحصار مقابل الحصار، حصار السفن الإسرائيلية والتي تتعامل مع “إسرائيل”، في مقابل الحصار المفروض على غزة، على قاعدة المرور مقابل الغذاء والدواء، وبما يلبّي الاحتياج الإنساني في غزة.
– فرض حصار بحري تجاري واقتصادي وعسكري على الموانئ في فلسطين المحتلة.
– المعادلة تأتي رداً عملياً على خطوة واشنطن بإفشال مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة بحقّ النقض الفيتو في مجلس الأمن، وعلى جرائم الإبادة الإسرائيلية والحصار المفروض على غزة.
– إبطال مفاعيل التخويف الأميركي الإسرائيلي للمجتمع الدولي بـ “تهديد الملاحة الدولية”، وإفشال مساعيهما لتشكيل تحالف إقليمي دولي بحري ضدّ اليمن.
هذه المعادلة بما تحمله من رسائل، حظيت منذ اللحظات الأولى بتأييد شعبي واسع، عبّرت عنه المسيرات الليلية العفوية في العاصمة صنعاء ومختلف المدن اليمنية، كما حظيت أيضاً بمباركة الأحزاب والمكوّنات السياسية اليمنية، ورحّبت بها وثمّنتها فصائل المقاومة الفلسطينية باعتبارها “خطوة متقدّمة، وموقفاً عربياً وإسلامياً أصيلاً، في لحظة تاريخية”، و”قراراً شجاعاً وجريئاً ينتصر لدماء شعبنا في قطاع غزّة، ويقف ضدّ العدوان الصهيو-أميركي الذي يمعن في حرب الإبادة الجماعية واستهداف مقوّمات الحياة الإنسانية”.
ما ينبغي التوقّف عنده أن هذه المعادلة قابلة للتحقّق والتنفيذ، فالقيادة في اليمن وعبر القوات المسلحة تهدّد وتنفّذ (قول وفعل)، ونحن أمام سلسلة من العمليات الناجحة والمؤثّرة إنْ بالاستهداف العسكري كما حصل باستهداف سفينتي “يونِتي إكسبلورر” و”نمبر ناين” مطلع هذا الشهر 3 كانون الأول/ديسمبر 2023، أو عبر تنفيذ عمليات استيلاء معقّدة على السفينة “غالاكسي” على بُعد 1200 كم، بمحاذاة المياه الإقليمية اليمنية، رغم صعوبة الأحوال الجوية وحركة الأمواج البحرية التي تسبّبت وفق مصدر عسكري مطلع بـ “تحطّم بعض القوارب البحرية وهي في طريقها إلى السفينة “غالاكسي”، ورغم كل ذلك نجح المنفّذون الذين تدرّبوا طيلة عامين على عمليات من هذا النوع في اقتياد السفينة بكفاءة واقتدار إلى سواحل اليمن، لتتحوّل إلى منتجع سياحي يرتاده اليمنيون بمختلف فئاتهم.
إذاً نحن أمام قوة إقليمية أثبتت جدارتها بالأفعال لا بالأقوال، وأثبتت السنوات الماضية قدرتها وقوتها، وخبِرها الأعداء في مختلف الميادين، والأوساط الصهيونية تدرك هذه الحقيقة، وتدرك أيضاً أن هذه المعادلة تشكّل “معضلة” لـ “إسرائيل” بحسب توصيف صحيفة يديعوت أحرنوت، ذلك أنها تفرض حصاراً بحرياً فعلياً سيضرّ بالكيان، وقد بدأت مفاعيل ذلك بإدخال ميناء إيلات في حالة شلل شبه تام، وضرب الاقتصادي الإسرائيلي والحركة التجارية، والمعضلة الأكبر أن العدو يعيش مرحلة أزمة خيارات في الرد على هذه المعادلة، لاعتبارات أهمها:
– العدو يعيش أزمة خيارات ويرى أنّ أيّ إجراء سيخدم صنعاء ويشتّت جهوده في غزة، حيث لا يزال غارقاً منذ شهرين من دون تحقيق أي صورة نصر.
– أيّ ردّ أميركي أو إسرائيلي في البحر الأحمر تحديداً سيحوّله إلى بؤرة نزاع مؤثّرة ليس فقط على الملاحة الإسرائيلية، بل ستمتد تداعياته إلى كل دول العالم بما يمثّله باب المندب من شريان حيوي لإمدادات الطاقة العالمية يمر عبره 6.2 ملايين برميل من النفط يومياً و10% من التجارة العالمية، وأي توتر أو نزاع عسكري سيدخل الدول الغربية في أزمة طاقوية كارثية على أبواب هذا الشتاء.
– أيّ ردّ من القواعد الأميركية في دول الخليج، سيمثّل هو الآخر تهديداً لمنابع الطاقة لأنّ اليمن لا يمكن أن يقف مكتوف اليدين تجاه أي عمل عدائي من أي مكان كان، والعبرة من ضربة بقيق وخريص، كما أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للمغامرة بمصالحها وقواعدها العسكرية.
وهذا لا يعني أننا نستبعد أن يقدم العدو على أي حماقة، مع ذلك لا يزال الأمر محط نقاش وخلاف عميقين داخل كيان العدو الإسرائيلي، بين من يطالب بالرد “حتى لا يتمادى الحوثيون”، ومن يرفضه “حتى لا يستفيد الحوثيون”، وجزء ثالث يراهن على عمل عسكري أميركي ما، ويبدو أن نتنياهو يقف بين بين، بين من يهدّد وبين من يعوّل، فبحسب ما نقلته القناة الـ 13 فإن نتنياهو، “أخبر بايدن وشولتس أن “إسرائيل ستتصرّف عسكرياً إن لم تُتخذ إجراءات ضد الحوثيين”، على أنّ صنعاء تنتظر بفارغ الصبر وهي مستعدة لكل الخيارات.
صحيح أن لدى “إسرائيل” طائرات يمكن أن تصل الى اليمن وتنفّذ ضربات جوية، وهي شاركت بالفعل في العدوان على اليمن خلال السنوات التسع الماضية، لكن أي حماقة من هذا النوع في ظل هذا التوقيت لن تنهي التهديد اليمني للسفن الإسرائيلية ومن يتعامل معها، بقدر ما ستوسّعه من ناحية، وتحوّل البحر الأحمر وباب المندب إلى جحيم، وتزيد من فرص اندلاع حرب إقليمية أوسع، وهذا ما لا تريده أميركا بالنظر إلى ما أشرنا اليه سابقاً.
الخلاصة أن العدو الإسرائيلي سيكون الخاسر الأكبر، سواء بلع الضربات البحرية أو ردّ عليها، ولا فكاك له من القبول بالمعادلة القائمة: فكّ الحصار مقابل الحصار، ووقف العدوان مقابل وقف العمليات العسكرية اليمنية، على أن مصير السفينة “غلاكسي” بات بحسب ما أعلنته القيادة اليمنية بتصرّف المقاومة الفلسطينية وورقة تفاوضية تفعل بها ما تريد، وهي بمثابة عهدة لدى اليمن، إلى أن ينتهي العدوان على غزة وتنتهي جرائم الإبادة بحقّ سكانها، وأقصى ما يمكن أن يفعله الأميركي في هذا التوقيت هو فرض العقوبات، وربما إعادة تصنيف أنصار الله كـ “جماعية إرهابية” وممارسة الضغط عبر برامج المساعدات الإنسانية.