اليمنُ يكسرُ طغيانَ العدوّ ويهزمُ قيودَ الجغرافيا
عمران نت – تقارير – 12 جمادى الأولى 1445هـ
منذ أن أعلن قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، عن توسيع العمليات العسكرية اليمنية ضد العدوّ الإسرائيلي، في البحر الأحمر وباب المندب؛ إسناداً ودعماً للشعب الفلسطيني في غزة، الذي يواجه حربَ إبادة جماعية وعدوانًا صهيونيًّا غاشمًا، وذلك باستهداف كُـلّ السفن الإسرائيلية التي تمر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، اعتبر الكثير أن هذا الإعلان من السيد القائد، كان بمثابة خطوة جريئة ومتقدمة وشجاعة، ومسار تصاعدي جديد لردع العدوّ، والقرار يعتبر معبراً عن إرادَة ورغبة الشعب اليمني العزيز الذي لا يمل الخروج المليوني إلى مختلف الساحات والميادين اليمنية، متضامناً ومسانداً للشعب الفلسطيني، ومطالباً القيادة ومفوضاً لها في اتِّخاذ جميع الإجراءات الممكنة عسكريًّا لردع العدوّ الصهيوني، ومنذ أن اتخذت اليمن قرارها التاريخي بالمشاركة عسكريًّا في هذه المعركة بإطلاق الصواريخ الباليستية والمجنحة بعيدة المدى والطيران المسيَّر إلى عمق العدوّ وتفعيل ورقة باب المندب كورقة ضغط على العدوّ الصهيوني، بات الأخير محاصراً بين صواريخ اليمن ومسيَّراته، من جهة، وبين قواته البحرية من جهةٍ الأُخرى، ليتلقى العدوّ ضربات موجعة أجبرته على الانخراط في مفاوضات مع المقاومة بشان الأسرى والمساعدات، وبشروط أحرار الشعب الفلسطيني.
وبعد فترة عصيبة تصاعدت فيها الجرائم الصهيونية ضد أهالي غزةَ، وسط صمت عربي وإسلامي مريب وفاضح، تحَرّك الشعبُ اليمني وجيشُه بقيادة قائده الشجاع السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي أقدم لأول مرة في تاريخ اليمن على اتِّخاذ القرار التاريخي الشجاع باستخدام باب المندب والبحر الأحمر كورقة ضغط على كيان العدوّ الإسرائيلي واستهداف سفنه التي تمر من هذا الشريان المائي المهم، وهذه الخطوة الاستراتيجية الفريدة والكبيرة التي اتخذتها اليمن حملت معها معانٍ سامية ودلالات عظيمة تبلورت في حكمة القيادة بتلك الخطوات المدروسة النابعة من ثقافة القرآن الكريم والهُــوِيَّة الإيمَـانية اليمنية والمبادئ الأخلاقية الراقية، التي سمت على جراحات الشعب اليمني حينما لم تقدم القيادة اليمنية على استخدام هذه الورقة في العدوان الغاشم على اليمن طوال تسع سنوات، في حين أنها اليوم لم تتردّد لحظةً واحدة باستخدام هذه الورقة الضاغطة؛ مِن أجل قضية الأُمَّــة الأولى والمركزية القضية الفلسطينية، ولقد ادخرت القيادة اليمنية هذه الورقة لهذا اليوم الذي يخوض فيه أحرار فلسطين وأحرار الأُمَّــة معركتهم المفصلية مع كيان العدوّ الإسرائيلي وحليفه الأمريكي، وباشرت الأسبوع المنصرم بالاستيلاء على سفينة شحن إسرائيلية؛ وهو ما ضاعف حالة القلق والرعب في صفوف العدوّ، وكذا ضاعف خسائره المتمثلة في ارتفاع تكاليف الشحن البحري وامتناع الكثير من الشركات عن العمل لصالحه نظراً للمخاطر الكبيرة التي خلقتها الإرادَة اليمنية ضد الأعداء.
ونظراً لأهميّة هذه الورقة، فَــإنَّ توقيت استخدامها حكيم ومناسب وبالأخص في عمر المعركة، فمع التعنت والإصرار الإسرائيلي في رفض إيقاف عدوانه ومجازره وحصاره بحق غزة وأبنائها، يرى كثير من المراقبين أن توقيت هذه الورقة مناسب وفي الصميم، كما أن هذه الخطوة اليمنية استراتيجية بامتيَاز وموجعة للعدو بشكل مؤثر وكبير، حَيثُ يرى الكثير من المتابعين بأن ورقة باب المندب تعتبر من أهم وأخطر أوراق الضغط التي كان يخشاها العدوّ الإسرائيلي في هذه المعركة، فأهميّة باب المندب بالنسبة له توازي تلك الضرورة القصوى لبقائه في المنطقة وتوسعه فيها، فعلى سبيل المثال الذي يؤكّـد ويعزز هذه الحقيقة، فقد بلغت المبادلات التجارية الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب حوالي ١٣٠ مليار دولار في العام ٢٠١٧م بمعدل ٦٩ مليار دولار للواردات و٦١ مليارًا للصادرات فيما وصل حجم الواردات البحرية ٤٣ مليار دولار والصادرات البحرية ١٥ مليارًا، في حين أظهر تقرير صادر عن دائرة الإحصاء المركزية للعدو أن حجم الواردات الإسرائيلية من البضائع الصينية فقط بلغت ١.5 مليار دولار في شهر يناير في العام ٢٠٢٢م، وهذا دليل على حجم الحاجة الكبيرة للعدو لمضيق باب المندب، بالإضافة إلى أن العدوّ يسعى لطرح مشروع قائم على إنشاء ممر يربط بين ميناء إيلات وميناء عسقلان وهذا المشروع يتطلب بالدرجة الأولى تأمين السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب، لذلك تكمن أهميّة استخدام اليمن لورقة باب المندب كورقة ضاغطة وفاعلة على العدوّ اقتصاديًّا إلى جانب التأثير العسكري الذي وضعت اليمن من خلاله شرطها الرئيسي عندما قرّرت استخدام هذه الورقة وهو إيقاف العدوان وفك الحصار الصهيوني على قطاع غزة.
اليمنُ لاعبٌ أَسَاسيٌّ في المنطقة:
هذه الورقة بالدرجة الأولى مرتبطة بمدى استجابة العدوّ لوقف عدوانه ومجازره الإجرامية وحصاره على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أَيْـضاً أنه من الواضح أن الإعلان اليمني باستخدام هذه الورقة، لم يكن داخلاً في حسابات سياسية وما إلى ذلك من المفرقعات الصوتية، التي عادةً ما كان يتم إطلاقها من قبل القادة والحكام العرب في مراحلَ سابقة من تاريخ الصراع مع العدوّ الصهيوني، بل إن الإعلان اليمني على استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وإغلاق باب المندب على تلك السفن التابعة له، قد تم فعلياً وعمليًّا بعد بضعة أَيَّـام من تاريخ هذا القرار وفي وقت قياسي بتوفيق الله، حَيثُ باشرت القوات المسلحة بتنفيذ توجيهات قائد الثورة اليمنية وقامت بتنفيذ عملية نوعية في البحر الأحمر نتج عنها الاستيلاء على سفينة إسرائيلية واقتيادها مع طاقمها إلى الساحل اليمني، وبهذه العملية تم ترجمة الخطوة الاستراتيجية الكبرى لليمن عمليًّا وفي وضح النهار وعلى مرأى ومسمع العالم، وقد عدت هذه العملية اليمنية بأنها الأولى لدولة عربية وإسلامية بل هي الأولى على مستوى المنطقة والعالم، وتميزت بأنه تم تنفيذها على مساحة بحرية تكتظ فيها البوارج الحربية الأمريكية ناهيك عن تواجد العديد من القواعد العسكرية الغربية والإسرائيلية والعربية المطبعة مع كيان العدوّ.
وقد وصفت هذه العملية بالمفاجئة للعدو والعالم وبأنها صنعت تحولاً في مسار الحرب في قطاع غزة، حَيثُ أرعبت العدوّ وأربكته وخلطت كُـلّ حساباته، وقد أفصح عن هذه الحقيقة الكثير من الردود والتعليقات على هذه العملية القادة والمسؤولين الصهاينة التي كانت بمجملها في حالةٍ من التخبط والإرباك الواضح وكان أكثر من عكس خطورة وتداعيات هذه العملية هو المتحدث باسم خارجية العدوّ الإسرائيلي «ليئور بندور» الذي أكّـد في تصريحٍ له على قناة RT الروسية أن إسرائيل تعترفُ بخشيتها وتفصح عن مخاوفها وقلقها الكبير حول عملية القوات المسلحة اليمنية باحتجاز السفينة الإسرائيلية واقتيادها إلى الساحل اليمني الذي بدوره سيؤدي إلى توسع الصراع، حَيثُ قال: «نعم نحن نخشى من توسع الصراع بعد احتجاز الحوثيين لسفينة إسرائيلية؛ لأَنَّنا لا نريد أن يتم إشغالنا الآن عن حربنا في غزة».
إذن فما حصل من خلال هذه العملية أكبر من السفينة كحدث زلزل العدوّ وهز العالم، بل إن ما حدث وكما يراه الكثير من المتابعين في العالم هو حدث استراتيجي كبير في صناعة تاريخ المنطقة، فاليمن بقائده وشعبه وقواته المسلحة قد استخدم أهم مفاصل التجارة الدولية (البحر الأحمر وباب المندب) لصالح القضية الفلسطينية، في حين جبن الكثير من دول المنطقة حتى من فتح معبر إنساني لإنقاذ الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، كما كان للتحَرّك اليمني عسكريًّا في معركة “طُـوفان الأقصى” بعملياته العسكرية التي أطلق من خلالها الصواريخ والمسيَّرات إلى عمق العدوّ والتحول الكبير في مسار المعركة بعد عملية الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية والإعلان عن استخدام ورقة باب المندب كورقة ضغط على العدوان الإسرائيلي القائم على غزة، أَيْـضاً هذا التحول لم يخلُ من بُعدِه الإعلامي، عبر الصور والمقاطع التي بثتها وسائل الإعلام اليمنية لكل العالم وبالأخص والأهم عملية الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية واقتيادها من قبل وحدة القوات الخَاصَّة اليمنية إلى أحد شواطئ الساحل اليمني؛ وهو ما أضاف بعداً صريحاً ودليلاً كشف عن عجز العدوّ الإسرائيلي والأمريكي في حماية السفينة، فضلاً عن شلل أجهزته الاستخباراتية، التي وجهت لها القوات المسلحة اليمنية صفعة قوية وفضيحة مدوية تابعها العالم بالصوت والصورة في الإعلام اليمني.
إن النتائج العسكرية للخيار الاستراتيجي الذي اتخذته اليمن بدا واضحًا اليوم في تداعياته وانعكاساته المؤثرة بالوجع الكبير على العدوّ وحلفائه، فهو قد وضع أمام العدوّ وفرض عليه مواجهة تحدٍّ كبير قادم من اليمن، كما فتح أمام الجيش اليمني باباً واسعاً للسيطرة على باب المندب واصطياد المزيد من السفن الإسرائيلية، وطبعاً هذه التحولات في مسار المعركة ستجبر العدوّ على التوقف عن أية مجازفة تدفعُ بسفنه ومصالحه إلى مهالك محتومة بإصرار اليمن في المضي بقوة في استخدام هذه الورقة الخطيرة، وبالتالي ستكون لهذه الورقة أثرها الكبير والضاغط على العدوّ وحلفائه بحيث ستدفعه صاغراً إلى وسائل متعددة للخروج من هذه الورطة والتسليم بالهزيمة في هذه المعركة المفصلية.
كما أن من نتائج الخيار الاستراتيجي اليمني الذي اتخذته قيادتنا الشجاعة والفريدة في تاريخه أن اليمن اليوم وفي هذه المعركة قد استخدم مزايا موقعه الاستراتيجي، وهو قرار يمثل اليوم سقوطاً تاريخيًّا للهيمنة الصهيوأمريكية والغربية عليه ولعقود طويلة من الزمن، وقد وضع اليمن معادلة صعبة وحاسمة أمام العدوّ والذي يخشى من توسع الصراع في المنطقة، وهي بأن أي حرص على عدم اتساع رقعة الصراع في المنطقة مع العدوّ مرهون بدرجة رئيسة اليوم بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وفك الحصار عليه، فضلاً على إجبار العدوّ الصهيوني على الاستسلام لكل مطالب المقاومة العادلة والمحقة والمشروعة والتي تمثل الشعب الفلسطيني.
أخيراً يمكن الإضافة الملفتة لنتيجة عسكرية مهمة في سياق استخدام اليمن لورقة باب المندب وهي اجتياز إعاقة الجغرافيا التي حرمت أحرار اليمن من المشاركة المباشرة لقتال اليهود الصهاينة في فلسطين المحتلّة، فهذه الورقة قد أتاحت لليمن بأن تشارك في هذه المعركة بفاعلية وتأثير كبير كانت عوضاً وبديلاً عن العائق الجغرافي الذي حال بين مئات الآلاف من مجاهدي الشعب اليمني الأحرار وبين رغبتهم الجامحة في نصرة إخوتهم في غزة.
صحيفة المسيرة: محمد يحيى السياني