الحربُ الناعمة والتشكيكُ في القيادات
أمة الملك الخاشب
حزبُ الله بتاريخه النضالي المعروفِ منذ تأسيسه بمقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة لا يحتاج للدفاع عنه، وليس ملزمًا بأن يقدم خطابًا يرضي كُـلّ الأطراف، فالمهم بالنسبة لحزب الله هو الإنجاز في الميدان والاستعداد والتأهب الدائم وإعداد الأفراد نفسياً ومعنوياً للاستمرار في حالة التأهب القصوى لمواجهة كُـلّ المخاطر والتحديات التي تطرأ في ساحة مواجهة العدوّ الإسرائيلي المتغطرس.
ولكني أحببت فقط أن أنوّه وأحذر من بعض الأمور التي حصلت عقب الخطاب التاريخي للسيد حسن نصر الله، من باب التحذير لبعض الإخوة المجاهدين وبعض السطحيين الّذين انجروا وراء الحملة الإعلامية الممنهجة التي قادها إعلاميو كيان العدوّ بأنفسهم، وأمام مرأى ومسمع من الجميع بدأها الصهيوني أفيخاي أدرعي بتغريدة خبيثة بعد الخطاب مباشرة، يحاول فيها أن يخفي استياءه وخوفه من تبعات وآثار الخطاب، الذي أكّـد فيه السيد حسن نصر الله أن حكومة العدوّ غبية وفاشلة ولا تتعلم من أخطاءها، وركز في خطابه على توجيه رسائله وتحذيراته للأمريكي نفسه، الذي يقود العدوان على غزة، أما الإسرائيلي فقد تلاشى وتقهقر واندحر وانتهت أُسطورته منذ يوم السابع من أُكتوبر، ولست هنا لأحلل الخطاب عسكريًّا وسياسيًّا فقد كان محتوى الخطاب واضحًا وضوحَ الشمس وباللغة العربية ولا يحتاج لتحليل، فحزب الله داخل في المعركة منذ يوم الثامن من أُكتوبر وحزب الله لن يسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية وقد قدم ما يقارب 60 شهيدًا… إلخ، تفاصيل الخطاب التاريخي الذي فعلاً كان خطابًا لا يصدر إلا عن قائد ميداني، عقلاني، مجاهد، سياسي، محنك، إنساني، أخلاقي، ديني، عالم مفوه، ويعرف أبعاد وأثر كُـلّ كلمة يتفوه بها، ولمن هي موجهة، وما الهدف منها.
دعونا نركز على ما قبل الخطاب عجزت كُـلّ وسائل الإعلام الصهيونية والمتصهينة والتابعة لها رغم الإمْكَانات الهائلة التي يمتلكونها من منع الجماهير في ترقبها لخطاب السيد حسن فانتظره الأعداء والأصدقاء على حَــدٍّ سواء، وهذا؛ لأَنَّ الجميع يعلمون أنه قائد حقيقي، محنك، مجاهد، حر، مستقل، حيدري، حسيني، لا يخضع للإملاءات الأمريكية الصهيونية، مقارنةً بغيره من رؤساء الدول العربية والإسلامية الجبناء، فمواصفات القائد يعلمونها جيِّدًا فهو صادق الوعد وله أتباع وجمهور بالملايين في كُـلّ العالم وليس فقط بين جمهور حزب الله.
وطبعاً المكر اليهودي جعلهم يعمّلون بكل جهدهم في هز صورة هذا القائد أمام جمهوره، وهذه الطريقة أحد أساليب الحرب الناعمة، التي كشف عنها الأمريكي جوزيف ناي في كتابه المعروف (القوة الناعمة)، وطبعاً المؤلف لم يكشف كُـلّ الأساليب التي يستخدمونها لضرب العقول والنفوس حفاظاً على مصالحهم العامة، ولكن أحد أهم الطرق هو التشويه للقيادات القومية وهز ثقة الجماهير فيها والتشكيك في قراراتها، وقد واجهنا في اليمن ولا زلنا نواجه الكثير من حملات إعلامية ممنهجة؛ بهَدفِ تشويه القيادة وضرب ثقة الجمهور بها، وتُحرّك إعلاميون كُثْرٌ لنفس الهدف ولمخاطبة العقول والنفوس حتى ضربها تماماً وجعلها في حالة تيه وتخبط وفاقدة الثقة في كُـلّ شيء، حتى ترضى وتستلم للواقع الذليل الذي تعيشه الأُمَّــة وترضى بالهيمنة الصهيونية الأمريكية على المنطقة، وتظل في حالة يأس أن هذا واقعٌ مفروض ولا يمكن تجاوزه ولا يمكن تغييره حتى تتحطم النفسيات وتنهار وتموت داخلها روح المقاومة وروح الجهاد وروح الثورة على هذا الواقع الذليل للأُمَّـة الإسلامية.
فقد جاء في أحد نصوص كتاب القوة الناعمة وأرجو التركيز أنه «يجب وضع مخطّطات لحرب نفسية وناعمة توجّـه إلى إرادَة العدوّ لإضعاف قدرته على المقاومة، واستعمال تكتيكات الحرمان الحسي والتشويش على الأدمغة؛ لأجل السيطرة السريعة على المحيط وشلّ القدرة على فهم الأحداث، والتّلاعب بالأحاسيس والمعطيات، وحرمان العدوّ من القدرة على التواصل والملاحظة».
انتهى الاقتباس وأتمنى أن تكون الفكرة وصلت؛ لأَنَّ أحدَ وأهمَّ أساليب مواجهة الحرب الناعمة، والتي دائماً نكرّرها هي تفعيل خطابات القادة والتركيز والتوجيه الإعلامي لها.
فالقادة يركزون على رفع مستوى الوعي عند الجماهير والمتابعين في الخطب والمناسبات وَبأُسلُـوب جذاب، وهذه هبة من الله لهم؛ ما يعيد إيقاظ وعي هذا الجمهور وبرمجته بصورة مضادة تهدم كُـلّ ما بناه العدوّ من معلومات عكسية، فخطابات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وخطابات القائد السيد حسن نصر الله، هما الأنموذج والمثال، حَيثُ استطاعا بفضل القدرات الخطابية الهائلة التي لا نجدها سوى في القادة من إعادة زرع الأمل وترسيخ الوعي والإيمان في النفوس والعقول وبصورة دائمة، ولا أقصد فقط حول أحداث غزة، وهذا ما يجعل العدوّ يضاعفُ حملاته الإعلامية؛ بغرض التشويه والتشكيك وضرب الثقة فيهما.
أعود وأقول: المعركة الحقيقية التي نخوضها هي معركة وعي ودائماً هذه يردّدها السيد القائد عبدالملك الحوثي والسيد حسن نصر الله -حفظهما الله- فلو كانت الجماهير واعية بالقدر الكافي لخطورة المرحلة لما انجر البعض للأسف للحملات الممنهجة التي نجح الصهاينة في تحريكها لمصلحتهم ولحرف الناس عن جرائمهم الوحشية في فلسطين، وعن جرائم ابن سلمان الإنسانية وهو يقيم موسم الرياض على شلالات دماء إخوتنا في فلسطين.
للأسف انحرفت البوصلة الإعلامية ضد المجرم الحقيقي، وهو كيان العدوّ الصهيوني وأمريكا الشيطان الأكبر واتجهت البوصلة الإعلامية لمهاجمة سادة المجاهدين في حزب الله، وبدلاً عن استغلال موجة السخط العالمي ضد جرائم الصهاينة في فلسطين والاستمرار في فضح عنصرية ووحشية هذا الكيان وبكل لغات العالم اتجهنا لمهاجمة حزب الله الذي أطلق عليهم الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي “سادة المجاهدين”.
الحرب النفسية مهمة جِـدًّا ورفع المعنويات مهم جِـدًّا في أية معركة، وإرادَة الله هي أن يستمر هذا الكيان الغبي في ارتكاب مجازره دون أي هدف سوى هدف القتل والإبادة؛ حتى تنكشف الصورة الحقيقية له ويحين موعد استئصاله في الوقت المناسب، ومحور المقاومة وحيداً يبذل كُـلّ ما في وسعه لمواجهة التحالفات الأمريكية الغربية الداعمة لهذا الكيان الهش الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، ويجب أن تترسخ هذه العبارة في نفوسنا ونفوس أبنائنا وأجيالنا، فالوعي الإيمَـاني الراسخ عند المؤمن يكون بمثابة تحصين له من الانجرار وراء أية هجمات إعلامية تخدم العدوّ وتضر المجاهدين دون أن نشعر.
علينا أن نتحَرّك بكل ما استطعنا وننشر مقاطع خطابات قاداتنا بكل قوة ونفخر بها ونغيظ بها أعداءنا؛ لأَنَّ التمسك بأعلام الهدى من آل بيت رسول الله هو الطريق الوحيد للنصر والعزة والكرامة، وأنا على يقينٍ تام بأن المفاجآت قادمة وبأن المعركة مُستمرّة وبأن الحكمة اقتضت عدم الإفصاح عن تفاصيل كُـلّ شيء، ولكن الحذر الحذر الحذر من أن نكون ضحايا نطعن ظهور المجاهدين دون أن نشعر، ولقد صدمت من شخصيات كنت أظنها كبيرة وعميقة واتضح أنهم مُجَـرّد سطحيين قاصري الوعي.