من “مَــــرَّان” إلى “إيلات”.. الصرخةُ التي ضحكنا منها!
حسين علي حازب*
ها هي الصرخةُ التي صرَخَ بها الشهيدُ حسين الحوثي –رضوان اللهِ عليه- قبل 22 عامًا من جبال مران في صعدةَ تصلُ اليوم قولًا وفعلًا إلى عند اليهود وأمريكا، يحملها طوفان وصامد وصمَّاد ووعد ووعيد.
الصرخة التي وصل صداها يومَها قبل ٢٢ عامًا إلى واشنطن قبل صنعاء؛ لتدفع بالنظام إلى أن عليه القيامَ باللازم مع هذه الصرخة ومن يطلقها بالقوة، وإخمادها في مهدها؛ لأَنَّ أمريكا شعرت بالقلق منها وهي تُطلَقُ في جبال مران بصعدة -حسب تصريح الخارجية الأمريكية- وعرفت بُعدَها الإيمَـاني والإسلامي والإنساني، وأنها تتجاوز اليمنَ والإقليم، في حين لم تفهم الدولةُ والناسُ ولم يدركوا ما أدركته أمريكا.
نظرنا عند إقدامنا أَو سمعنا ما تريد أمريكا أن نفهمَه فقط، وتم ما اقترحته أمريكا وأدواتها في المنطقة، حَيثُ قامت الدولة بشن ستِّ حروب عنيفة على صعدة عسكريًّا وإعلامياً واجتماعياً وفكرياً ودينياً بشكل جنوني، اندفعنا إليه كلنا؛ لأننا لم نكن نسمعُ غيرَ صوت الطرف الذي نحن فيه.
وسقط شهيداً مَن أطلق الصرخة في الحرب الأولى، لكن الصرخة لم تسقط، نعم لم تسقط ولم تخمد، ولكنه صرخ بها وحملها أخوه الحبيب عبدالملك وهو شابٌّ عشريني غير معروف في أوساط المجتمع، واستطاع مع أُولئك النفر المشردين معه في شِعابِ وجبال صعدة أن يحتفظَ بهذه الصرخة ويردّدَها بالحروب الخمس التي خاضها بعد ارتقاء أخيه شهيدًا؛ لتنتهي تلك الحروب العبثية الذي أنهكت الدولةَ وكلَّفت الجيشَ اليمني والأمن والقبائلَ الآلافَ من الشباب، ومن الطرف الذي يصرُخُ.
نعم انتهت هذه الحروب الست وقد اشتد عود هذا القائد وقُوِيت الحركة وبلغت الصرخةُ كُلَّ مناطق اليمن، عبرَ مخلِصٍ لها ومقتنع بها، أو عبر شامت للتندر عليها، أو عبر من ينقلها للعلم بعد أن سمعها من أحد الفريقَينِ.
والعجيبُ أننا كلنا ضحكنا منها وكلنا شمتنا بمن يردّدها دونَ التفكير في معناها، اهتممنا بألوانها ولم نهتم بما تحملُهُ مفرداتُها، ركَّزنا على أن الغرضَ منها عِرقي ومذهبي واستفززنا في الناس أن الغرضَ منها إعادةُ البلد لـ “حبَّاب الرُّكب” كما قيل وأن خلفها دعوةً مذهبية أسرية عِرقية، ولم نفكّر أنها دعوةٌ على أعداء الله أمريكا واليهود ودعوةٌ بالنصر للإسلام.
نعم لم نفكّر أن من يصرخ لا يقول: “النصر للحوثي، ولا النصر للهاشميين، ولا النصر لصعدة والزيدية، ولا النصر لليمن بشافعيتها وزيديتها وإسماعيليتها، ولا النصر للعرب” بل النصر للإسلام النصر للإسلام.
يعني الأهبل منّا كان يُفترَضُ أن يفكِّرُ في هذه المفردة وما سبقها، وسيجد أنها لا تختلفُ معه أياً كان فكرُه ومذهبُه ومنطقته!! لكننا عمينا وانصرفنا إلى تفسيراتِ الأعداء والعملاء والأعداء ونحن وضعنا عقولَنا في الأدراج!! حتى قيل ولا زال يقال لمن يصرخون: كيف تقولون “الموت لأمريكا وإسرائيل وتقاتلوا أبناءَ جِلدتِكم”؟!
ولم ندرك في هذه النقطة أن تعليمات الخارجية الأمريكية للنظام في 2002م بأن هذا الصوت خطيرٌ ويجب إسكاته، ولم ندرك أن من تلقَّف هذا الإنذار وواجه من يطلقون الصرخة بأنه -بعلمه أَو بدون علمه- صار خطَّ الدفاع الأول عن أمريكا و”إسرائيل”، وأن القومَ مكرَهةٌ على قتاله؛ حتى يعيَ أنه واقفٌ في المكان الغلط.
ولم ندرك أن السيدَ حسين يوم أطلق هذه الصرخة قال لرفاقه: “ستواجهون معارضةً تصل إلى حَــدِّ الحروب والتصفية والسجن والتشريد والموت”، فردودها موقنين ومؤمنين بالله بأن النصرَ سيُكتب لهم وهم مشردون في مَطْرَة والنقعة، سبحانَ الله ونحن لم نعتبر ولم نفكِّر وحملنا السلاحَ ضدها!
نعم، لم نفكِّر ولم نعتبر، ورفضنا حتى النقاشَ مع أنفسنا: كيف بدأت الصرخة؟ ولماذا أزعجت أمريكا وعملاءها في الداخل والخارج؟ أو المخدوعين الذين قاموا بمواجهة من يرددونها، وما صاحب ذلك من تشويه للقائد والجماعة وما نسبوه إليهم من اتّهامات لم يثبت منها شيء!!
ولم نفكر كيف حملَها أفرادٌ قلةٌ لا يملكون قليلًا ولا كثيرًا، وكيف كبروا وكبروا وصبروا وصابروا وهزموا وانتصروا في تلك الرحلة العسكرية والسياسية، وُصُـولاً إلى صنعاءَ، بتلك الطريقة التي يُفترَضُ أنها كانت كافيةً لأَنْ نؤمن ويؤمن من كان في السلطة بأن هذه الصرخةَ وُجِدت لتبقى وتستمرَّ هي ومن يردّدونها.
نعم لم نعتبر، وقد انتصروا بها وبإيمَـانهم بالله وبها وبما تعلّموه وحفظوه من فكر قائد ومؤسِّس هذه الجماعة، نعم انتصروا ووصلوا صنعاءَ وهم قلة مستضعَفون أمام دولة بكل قوتها ووسائلها والتفافٍ شعبي وإقليمي حولها، ولم نعتبر!!
انتصارٌ يقنعُ كُـلَّ مَن لديه عقل بأن هؤلاء الشباب وقائدهم أعدُّوا ما استطاعوا بإيمَـان صادق واللهُ أكمَلَ الباقي.
ورغم هذا استمرَّ العنادُ والتآمُرُ على الصرخة ومن يردّدونها من الداخل والخارج؛ حتى بعد أن التحق حاملوها بمؤتمر الحوار الوطني ووقّعوا اتّفاق السلم والشراكة، في لحظةٍ الكل استسلم لهم وهم يسيطرون على كُـلّ مفاصل الدولة بدون قتال يُذكر، وصارت الأمورُ إليهم بدون رغبة منهم، إلا أن التآمرَ والعنادَ وعدم الاعتبار استمر؛ فمن اتفقوا مع الرجل وجماعته في النهار على ترتيب مرحلةٍ انتقالية وإصلاح ما أفسده بن مبارك و”الإخوان”، وهادي وسعادة السفير خانوهم في الليل وحبرُ التوقيعِ لم يجف بعدُ! نعم خانوهم وهانوا أنفسَهم وخانوا وطنَهم وقَسَمَهم، وُصُـولاً إلى التآمر من بعض الداخل والإقليم لقيام حلف دولي بالعدوان على اليمن بشكل لا مثيلَ له؛ من أجل إسكات هذا القائد وهذا الصوت والصرخة!
ولكن اللهَ -سبحانَهُ- وقد عَلِمَ صدقَ هذا القائد الشاب أعانه وربط على قلبه عندما وجد نفسَه أمام مسؤولية كبيرة وتاريخية، وهي الحفاظُ على اليمن والدفاعُ عنه بعدَ أن استقال هادي والحكومةُ في خيانةٍ وطنيةٍ أُخرى وعدم عبرة، خيانة تمهِّدُ لتحويل صنعاءَ وكُلِّ اليمن إلى غابةٍ تسقُطُ فيها مؤسساتُ الدولة ويتم فيها خرابٌ ودمارٌ ونهب وفوضى لا تبقي ولا تذر؛ ليستلمها المستعمر الجديد لقمةً سائغة بمباركةٍ ممن كَبُرَت بطونهم ولحم أكتافهم من خير هذه الأرض، في خيانةٍ غير مسبوقة، إلا أن هذا القائد هو ومن وقف إلى جانبه من أبناء الشعب اليمني الشرفاء والمؤمنين الذين تبادلوا معه الوفاءَ بالوفاء؛ ليقود البلدَ وينتصرَ بالله وبالشعب والمخلصين على تحالف تقفُ السعوديّة والإمارات وأمريكا وبريطانيا على رأسه، يتقدمُ هذا العدوان من أداروا النظام من الستينيات حتى فبراير 2015م ووقفوا ضد الصرخة ومن أطلقها من القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية الحاكمة أَو المتمصلحين من خير البلد، والذين قد أعدهم العدوُّ الأكبرُ أمريكا وأدواتُه؛ ليكونوا العُذْرَ الذي يستند إليه في تشريع عدوانه وتدمير اليمن واحتلاله ونهب موارده؛ فيثبت هذا القائد ويصمد الشعب وتبقى الصرخة هي الصوتَ الذي يتردَّدُ صباحًا ومساءً!
مُرورًا بتسع سنوات من العدوان والحصار، استطاع فيها شعبُنا وهذا القائد المؤمنُ بالله وبحق شعبنا في العيش الكريم والاستقلال أن يوقفَ هذا العدوان عند حده، وجاء “طُوفان الأقصى” وإذا بالصرخة تصلُ إلى فلسطين تحملُ الموتَ لـ “إسرائيل” وأمريكا، من خلال دعم القول بالفعل؛ لنقف ساجدين لله شكراً وحمداً وقد ملأ اليقينُ قلوبَنا بأن من آمن بالله واعتمد عليه فَــإنَّ اللهَ يُعينُه ويحقّقُ رجاءَه، مثلما تحقّق حلم ورجاء من قال: “الموت لإسرائيل” من جبال مران وضحكنا عليه وشمتنا به وحاربناه!!
وبعد 22 عامًا نجدُ تلك الصرخة تتردّدُ في قلب الكيان الغاصب محمولةً على رأس صاروخ يحملُ الموتَ لإسرائيل قولًا وفعلًا، بقيادة ذلك الشاب المجاهد الذي حمل الرايةَ من أخيه الشهيد حسين بن بدر الدين الحوثي وردّد الصرخةَ؛ حتى أوصلها بالفعل إلى حَيثُ يجبُ أن تصلَ بحمد الله والثناء عليه، وجاءت اللحظةُ لنضحَكَ على أنفسنا؛ لأَنَّنا ضحكنا من الصرخة، أو لنردّدها صادقين كموقفٍ من أمريكا رأس الشيطان واليهود قَتَلةِ الأنبياء.
فاعتبروا يا أولي الألباب..
فوالله إنه لا يقفُ أمامَ مَن آمن بالله واعتمد عليه أيُّ حائل؛ فالصرخة التي انطلقت من جبال مران هَـا هي قد وصلت مع الطوفان والصمَّاد المسيّر والوعيد المجنَّح إلى إيلات وتل أبيب والقدس ورآها اليهود وأمريكا رأيَ العين بفضل اللهِ الناصِر والمعين..
فـ “اللهُ أكبر، الموتُ لأمريكا، الموتُ لإسرائيل، واللعنةُ على اليهود، والنصرُ للإسلام”.
وسلامُ الله عليك أَيُّـهَا الشهيد، وسلامُ الله عليك أَيُّـهَا الحبيب القائد، وسلامُ الله عليك أَيُّـهَا الجيشُ اليمني والأمن البواسل، وسلامُ الله على شعبنا الكريم الصامد الذي يحتضنُ هذه المسيرةَ الظافرة، والحمدُ لله رَبِّ العالمينَ.
* عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وزير التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال- صنعاء