عاشوراء.. ذكرى التزوّد بقوة الإرادة وصلابة الموقف في مواجهة الطاغوت
عمران نت – تقارير – 10 محرم 1445هـ
يتضح لنا من خلال العودة إلى الثقافة القرآنية والسيرة النبوي وحركات أعلام الهدى ومن خلال العودة إلى واقع الأمة في الماضي والحاضر، أهمية المسؤولية الدينية وما يمثله مبدأ التحرك في إطارها من در بارز في إصلاح واقع الأمة وإحقاق الحق وسيادة العدل وما يمثل الإخلال به من إخلالٌ بالدين، وإفقاده من أثره وثمرته في الحياة، وتفريغه من مضمونه الجوهري والأساسي؛ ولذلك سعى الطواغيت والمجرمون والمضلون إلى التركيز على هذه الجوانب، مع الابقاء على جوانب أخرى مجزأة فصلت عن ذلك الجانب فأفقدها الأثر والإيجابية في واقع الحياة وجعلها على نحو يستغله الطواغيت والمجرمون ويفعلونه لصالحهم مثل شعيرة الصلاة التي وضفوها في تثبيط الناس من بيتك إلى مسجدك ومالك حاجة من أحد فيما الأمة تعاني من ظلم شديد وفساد رهيب ومنكرات كثيرة وخضوع للسيادة الأمريكية وتسابق نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهذا لا ينسجم مع الإسلام بأي حال من الأحوال.
مبدأ المسؤولية في القرآن الكريم
عندما نعود إلى القرآن الكريم، نجد الحديث الواسع عن مبدأ المسؤولية في كل جوانبه، بأكثر من أي فريضة عملية أخرى لدرجة أنَّه لا يمكن أن يقبل منَّا الدين إلَّا به، وأنه لا يمكن لأي إنسان مهما كانت صفته ومنزلته أن يشطبه لأنه أتى في كل التوجيهات والتشريعات بصيغة إلزامية لا يمكن تركه.
أثر غياب المسؤولية على الأمة الإسلامية
اليوم تعاني أمتنا الإسلامية من الظلم، فلم يتسنى لهذه الأجيال أن تتذوق حلاوة العدل الذي جاء به الإسلام ولذلك لم يدركوا الفارق بين الواقعين ولم ينتبهوا لما تعانيه الأمة؛ بل لم يتسنى لهم حتى معرفة كيف كان الإسلام تحت قيادة الرسول-صلوات الله عليه وعلى آله- وغياب تجربة الإسلام في عدالته، ومسؤوليته، ومبادئه العظيمة، التي تصلح واقع الحياة، وتبني واقع الحياة… دفع الكثير من الناس إلى الرضى بما هو فيه من البؤس والحرمان والظلم واعتقاده أنها حالة لا مناص منها، فالواقع الذي نعيشه اليوم – كأمة مسلمة- واقع مأساوي، ومظلومية كبيرة جدًّا وغبن فاحش على المستوى التربوي والتثقيفي، على مستوى الحرية والكرامة، على مستوى قيم أساسية وهذا نتاج غياب مبدأ المسؤولية من واقع الأمة وإن كان هناك بعض الحركات لكنها محاربة بشدة.
من المعني برفع الظلم وإقامة العدل؟
لو نسأل أنفسنا مَن المعني برفع الظلم عنا، وإقامة العدل فينا؟ هل الأمم المتحدة؟… إذا عوِّلنا عليها نكون كَمَن يعلِّق أمله على سراب، لأنها لا تملك حتى صلاحية لنفسها، فتعطي قراراتها صفة الزامية، كما أنها لا تمتلك العدالة لا في آلية عملها، ولا في قدرتها، ولا في اتجاهاتها وما فعلته بحق الشعب المسلم في البوسنة والهرسك، دليل كاف على أن تدخلاتها دائما سلبية بحق الشعوب المظلومة فهي من سلبت البوسنيين أسلحتم وجمعتهم في معسكرات بدعوى حمايتهم ثم قدمتهم لقمة سائغة للصرب ليرتكبوا بحقهم أبشع المجازر الجماعية وأفظع الابادة العرقية ومثلها مجلس الأمن الذي يخضع بالمطلق للسياسة الأمريكية التي هي أصل المشكلة فيما تعانيه البشرية فكيف تنتظر من هؤلاء أن يقيموا عدلا أو يدفعوا ظلما، ولذك فإن مصير المتطلعين إليهم {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}الرعد من آية14 لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال عنهم:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور39 فمن خوله الله وأهله لإقامة العدل في البرية ورفع الظلم عنها هو أنت أيه المسلم فهي المسؤولية التي أنيطت بك ولا يمكن أن تنتظر حتى من الله -سبحانه وتعالى- أن يقوم هو بما هو مسؤولية عليك، وجزء من التزاماتك الدينية والإيمانية والعبادية ولهذا فأنت بحاجة إلى إعداد نفسك ثقافيا وتعليميا، وتربويا، كجزء رئيسي من برنامجك العملي والتزامك الدين في هذه الحياة.
أسباب غياب المعالم الأساسية عن واقع الأمة
على الرغم مما تضمنه القرآن الكريم وحركة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله من دلالة واضحة وقوية على أهمية المعالم الأساسية لدين الله لكنها غيبت من واقع الأمة لعدة أسباب أبرزها:
أولاً: اشتغال بعض الجهات على الموضوع بشكل مقصود، بهدف إبعاد هذه المسائل والمعالم الرئيسية عن واقع الساحة الإسلامية؛ للتمكن من السيطرة عليها بشكلٍ مريح.
ثانيًا: غياب الاهتمام بهذا الموضوع في أوساط الساحة الإسلامية، على مستوى المناهج التعليمية، والتثقيفية، والخطاب الديني والإعلامي، وعلى مستوى المسار التعليمي بكله، فالكثير من العلماء والمعلمين والمرشدين والخطباء والمثقفين والإعلاميين شطبوها من قواميس أعمالهم ولوائح التزاماتهم حتى صارت غريبة في واقع الأمة وصار الإسلام في حقيقته غريبا كما قال: رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله (بَدَأ الإِسلَامُ غَرِيَبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاء) وغرابة الإسلام هي في شطب هذه المعالم الرئيسية، التي تستنقذ الناس من العبودية لغير الله، وتحررهم من الطاغوت، وتستقل بهم في شؤون حياتهم من التبعية للمستكبرين، هذا هو الإسلام الغريب.
ثالثا: تحريف المفاهيم الإسلامية واستغلالها في غير مواضعها، كما هو الحال بالنسبة للتكفيريين، يرفعون عنوان (الجهاد في سبيل الله)، ليتحركوا به في خدمة أمريكا، ومصلحة إسرائيل وتوجهه نحو كل ما يمكن أن يساهم في تقويض هذه الأمة، والإضراربها ومثال ذلك ما قدموه لأمريكا من مصالح في جهادهم المزيف حيث استغلتهم أمريكا في إضعاف الاتحاد السوفيتي حتى تسنى لها السيطرة بشكل مباشر على أفغانستان بالإضافة إلى استغلالها للموارد البشرية والاقتصادية لكثير من الدول العربية وعلى رأسها النظام السعودي في الوقت الذي يرون الجهاد محرما وغير جائز على العدو الإسرائيلي الذي يحتل بلاد عربية ومقدسات عربية ويقتل أشقاء عرب مسلمين وينتهك العرض العربي بينما هو واجب ضد الروس في أفغانستان هذا بسبب أن المخطط والمشرع والممول لهذا الجهاد هي أمريكا كما يفعلونه اليوم في جهادهم وفق الرغبة الأمريكية.
قوى الشر.. تعدد العناوين ووحدة الموقف
لايوجد فرق بين الأمريكيين والإسرائيليين ومن يواليهم من التكفيريين والمنافقين في قراراتهم ومواقفهم فرغبة الزنداني وصعتر في إبادة الشعب اليمني لم تختلف عن رغبة نتنياهو أو ترامب وتحركات الدواعش في القضاء على الإسلام وتشويهه وقتل أبنائه وتدمير بلدانهم هي نفس ما تسعى له أمريكا وإسرائيلي.
الاستغلال السلبي للعناوين الرئيسية وضرورة المواجهة
ينبغي أن نكون متنبهين إلى أنَّ الاستغلال السلبي من البعض لهذه العناوين لا يعني أن نعطِّل هذه العناوين، ولا يعني أن نتركها، ولا أن نهجرها، ولا أن نبتعد عنها فيما هي عليه كعناوين، وبمضامينها الصحيحة، ومصاديقها في الواقع، بالالتزام بما يتعلق بها من مناهج، ومبادئ، وتعليمات إلهية من الله -سبحانه وتعالى- في الواقع؛ حتى لا نقبل بأن تكون مشوهة، وبالتالي محذوفة ومشطوبة، فلا نجد لها وجودًا إلَّا في القرآن، ثم تُغَيَّب عن الواقع. |لا| لتستخدم بصدق في واقعها، ولا تعطل بسبب استغلال أولئك لها بشكلٍ سلبي.لأن الأعداء أنفسهم هم رغبوا في ذلك: أن تستخدم بشكل مشوه؛ حتى يشمئز الناس عندما يسمع مفردة جهاد أو مفردة أمر بمعروف وينطبع في أذهانهم التصرفات التي يمارسها التكفيريون، والجرائم الوحشية والبشعة التي يرتكبونها، أو ينطبع في أذهانهم ما عليه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، التي لديها اهتمامات هامشية، وأشياء عجيبة وغريبة جدًّا.
نتيجة التجاهل للمعالم الأساسية في الإسلام
غياب العدل والأمر بمعروف، والنهي عن منكر،التروَّيج للمفاهيم الضالة وانتشارها وشيوعها كطاعة الظالم والتعايش مع العدو الإسرائيليشطب المعالم الأساسية من واقع الحياة وانشطتها التعليمية والتثقيفيةتُربَّية الأمة على ِتَقَبُّل الظلم، والمفاسد والمنكرات.عصيان لله -سبحانه وتعالى- في أهم مسائل أمر بها، وألزم بها، وأكَّد عليها، ووعد وأوعد بشأنها: قال تعالى في كتابه الكريم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 78-80]شيوع ظاهرة التولي لأعداء الله ورسوله؛ والتبعية لهم في كثيرٍ من المواقف والسياسات، بماله من تداعيات كارثية على واقع الأمة ومستقبلها.تعطيل آيات قرآنية كثيرة تحدثت عن هذه الأسس وكذلك أحاديث صحيحة من مثل قوله صلوات الله عليه وعلى آله (لأمرن بالمعروف ولَتَنهَوُنَّ عَن المُنكَرِ- أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللهُ عَلَيكُم شِرَارَكُم، ثُمَّ يَدعُوا خِيَارُكُم فَلَا يُستَجَابُ لَهُم)خسارة الأمة لموقعها الذي كانت ستناله في سيادة العالم وريادته لو هي حمت نفسها من الانحراف وحافظت على معالم دينها.
فنحن معنيون- اليوم-
من واقع ما نعاني كشعوب مظلومة تتطلع إلى العدل، وتحتاج إلى التربية الإسلامية والإيمانية الصحيحة، التي تزكو بها النفوس، التي تنمِّي معنى الكرامة ومعنى الحرية في أعماق النفوس، التي تربينا على الخير والصلاح والزكاء والطهارة، التي تعود بنا إلى قيمنا وأخلاقنا القرآنية والإسلامية، التي تعيدنا إلى الصراط المستقيم؛ فنتمسك بالقرآن منهجًا، ونقتدي بالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قائدًا وأسوةً ومعلمًا، نحتاج إلى هذا كله، ونحتاج أيضًا إلى استعادة المَنَعَة والقوة لنواجه التحديات؛ لأننا إن رضينا لأنفسنا بالضعة، والهوان، والضعف، والعجز؛ النتيجة أن نخسر كل شيء: دنيانا وآخرتنا، فتكون المسألة كارثية علينا جدًّا، إذا أردنا أن نستعيد القوة، والعزة، والكرامة، والمنعة، وأن نكون في مواجهة التحديات في موقع القوة، يجب أن نعود أولًا إلى تلك المبادئ، إلى تلك الأخلاق، إلى تلك المعالم الرئيسية؛ لنبني عليها حياتنا، حينئذٍ سنستعيد القوة، بل سنكون في مواجهة التحديات والأخطار من واقعٍ قوي، قوَّتنا ستبدأ أولًا بقوة إيماننا، بقوة وعينا، بقوة إرادتنا، بصحة وسلامة نظرتنا، بفهمنا الصحيح والواقعي للحقائق من حولنا، وفي حياتنا، وفي إدراكنا للتحديات والأخطار القائمة والموجودة، والتي لا يجدينا أن نغمض أعيننا عن مشاهدتها، أو عن التنبه لها، ولا أن ندسَّ رؤوسنا في التراب كالنعامة. |لا| لابدَّ أن نستيقظ، أن نستشعر المسؤولية، أن نتحرك، أن نعي جيدًا أننا بحكم إسلامنا وقرآننا والاقتداء بنبينا المعنيون أولًا وأخيرًا لنتحرك بتلك المبادئ والقيم للدفاع عن أنفسنا، وعن حريتنا، وعن كرامتنا، وعن استقلالنا، ولإقامة العدل في حياتنا، ولدفع الظلم عن أنفسنا ومن واقعنا أيضًا، نحن المعنيون بذلك، مسؤولية علينا أمام الله -سبحانه وتعالى- يسألنا عنها يوم القيامة، يعاقبنا على التفريط بها وفيها في الدنيا والآخرة.