ظاهرة ترامب
إبراهيم محمد الهمداني
انشغل الرأي العام العالمي مؤخرا بمتابعة تفاصيل الانتخابات الامريكية لمنصب الرئيس ال 45 ، وشغل التنافس المحتدم بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي كل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وإذا كان لهذا الاهتمام الزائد والتغطية والمتابعة والتركيز المبالغ فيه ما يبرره على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ودول أوروبا، كونها معنية بذلك من قريب أو بعيد، فإن ما لا مبرر له هو اهتمام الشارع العربي وتكريس منابره الإعلامية لذلك الحدث بشكل لافت ومثير للاهتمام، وكأن الرئيس القادم سيأتي بالخلاص للشعوب العربية، رغم أن كلا المرشحين أحدهما أسوأ من الآخر، ولا فرق بين أن يكون قاتل العرب والمسلمين ترامب أو هيلاري كلينتون.
جاء فوز ترامب مخيبا للآمال حسب ما تناقلته وصورته معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، ذلك لأنه شخصية مثيرة للجدل والقلق، بسبب مواقفه وآرائه وتصريحاته المضطربة، وتزعمه للخطاب السياسي المتطرف المتعصب، وصلفه وافتقاره للمرونة واللباقة والدبلوماسية في مشروعه السياسي الذي أعلن تبنيه بكل عنجهية وعداء مطلق للآخر، بعيداً عن مقتضيات الأعراف الدبلوماسية، وبروتوكولات الهيمنة والبطريركية الأبوية، التي دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على التغني بها، والاحتماء بمظلتها في شرعنة هيمنتها وتسلطها على شعوب العالم، تحت مسميات الحرية والعدالة والمساواة والسلام وحقوق الإنسان.
غير أن ترامب – على ما يبدو – يرفض حالة الشيزوفيرينيا التي طالما عانت منها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتناقضات الفجة بين ما تدعيه قولا وما تمارسه فعلا وسلوكا، محددا من خلال تصريحاته المتطرفة وعدائه المسبق، ملامح السياسة العنصوية العالمية المقبلة، وصورة النهج الإمبريالي الصهيوأمريكي الجديد، وآلية تعامله مع القوى الصاعدة، وتعاطيه مع ملفات المنطقة العربية الملتهبة، وهذا ما يعزز مخاوف وقلق دول أوروبا ومعظم دول الغرب، إزاء تطرف وجنون هذا الرجل، واتساع قاعدة الرفض بحقه، لتصل إلى الشعب الأمريكي نفسه، الذي مازال يسير المظاهرات المنددة بترامب الرافضة له كرئيس وقائد.
إن موقف ترامب المعادي للآخر عامة، والإسلام على وجه الخصوص، يعكس بما لا يدع مجالا للشك صورة التطرف اليهودي الصهيوني في أوضح تجلياته، ويرسم الملامح التكوينية لشخصية اليهودي الحاقد، والصهيوني الغاصب القاتل العنصري المتطرف، وهذا الفكر والسلوك بعيد كل البعد عن روح وجوهر الدين المسيحي، الداعي للسلام والمناهض للعنف بطبعه، ولذلك فإن محاولات بعض المحللين ومعظم وسائل الإعلام – الخاضعة للهيمنة الأمريكية – تبرير هذا السلوك المنحرف والايديولوجيا المتطرفة، بأنها ضرب من الجنون أو حالة من الاضطراب الناتج عن حب الظهور والمغايرة، هي محاولات فاشلة مسبقا في إخفاء يهودية الرجل وعنصريته وتطرفه وعدائه، الذي لا يرى غضاضة من التصريح به، والظهور بحقيقته الكاملة دون تحرج أو أدنى لياقة سياسية، غير عابئ بما سيترتب على ذلك.
يمكن القول إن ترامب الشقيق التوأم لنظام آل سعود الإرهابي، نظرا لواحدية المنشأ والصانع الماسوني، وواحدية الهدف وخدمة الكيان الصهيوني، فآل سعود يشكلون الفقاسة الحاضنة للإرهاب والمصدرة له الى مختلف بلدان العالم، من خلال تبنيها الفكر الوهابي المتطرف – الذي هو صنيعة الماسوني مستر هيمفر – والعمل على نشره على امتداد رقعة العالم الإسلامي، بوصفه هو الدين المحمدي والإسلام الحقيقي، وأن ما عداه من صور التدين الإسلامي، لا يعدو كونه خروجا عن الأصل وبدعة يجب محاربتها على كافة المستويات، بينما يمثل ترامب ذروة المشروع الصهيوني المعادي للإسلام، الذي تبنته الإدارة الأمريكية ضمنيا منذ الإعلان عن تبني مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومشروع الحرب على الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي، ومشروع نشر الديمقراطية وتحرير شعوب العالم من الديكتاتوريات، وكلها مشاريع تهدف إلى النيل من الإسلام والمسلمين في أي مكان وأي زمان، كونهم يمثلون – حسب الترويج الإعلامي الأمريكي وحلفائه – الصورة الحقيقية للإرهاب، والخطر القادم على الأمن القومي العالمي، وهم أيضا بؤرة التخلف والخضوع للأنظمة الديكتاتورية، وكل ذلك بدعم وتمويل من العرب والمسلمين المستهدفين أنفسهم، وبتأييد ضمني ورسمي من الأنظمة العربية الحاكمة، وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد انتهجت في تحقيق الغاية الموحدة والمصلحة المشتركة بينها والكيان الصهيوني، سياسة التخفي وراء مسميات وقضايا حقيقية ومشروعة، فإن ترامب لم يرَ – على الأرجح – ضرورة لذلك التخفي والمواربة، فعلاوة على إعلانه مواصلة الحرب على الإرهاب، يعلن صراحة أن المستهدف هم المسلمون جميعا أينما كانوا، متكأ على مخرجات الفكر الوهابي وسياسة نظام آل سعود الداعم لكل مظاهر الإرهاب والتطرف، وكما أُنيطت مهمة تفريخ وإنتاج الإرهاب والتطرف إلى آل سعود، أوكلت الماسونية إلى ترامب محاربة الإسلام والمسلمين على كافة المستويات، بحجة لصوق صفتي الإرهاب والتطرف بهم دون غيرهم، جاعلا من ذلك ذريعة أمام الرأي العام العالمي، لاستهداف قوى المقاومة والممانعة التي تمثل خطراً على الكيان الصهيوني، وحائلا دون تمكينه وقيام دولته العظمى المرتقبة، مستغلا وجود الجماعات الوهابية المتطرفة، وساعياً إلى استمرارها وديمومتها، ليرتكب من خلالها – وبدعوى محاربتها – أبشع الجرائم والمذابح والانتهاكات بحق الإسلام والمسلمين، وما إعلانه عن خطوة ترحيل ثلاثة ملايين مسلم لا يملكون الإقامة الشرعية، إلا رسالة تطمين لتلك الجماعات الوهابية، بأنه سيدعمها بالمقاتلين المرحلين من أمريكا، والذين سيرتمون – بحكم الأوضاع المعيشية المتردية – في أحضان داعش دون قيد أو شرط او تفكير، نظرا لما يوفره لهم كيان داعش المتطرف من المال، ومن مساحة للانتقام من الآخر.
لم يكن ترامب بدعاً من بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها، وطبيعة علاقتهم المتينة باليهود عامة والماسونية خاصة، فاليهود جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأمريكي منذ العصور الاستعمارية، ولهم دور بارز في خدمة الاقتصاد الأمريكي والخدمات المصرفية، وسيطرتهم على الإعلام العالمي وصناعة السينما في هوليوود، وسيطرتهم على معظم القرار السياسي ومنصب الرئيس بما يخدم مصالحهم، يضاف إلى ذلك تغلغلهم في عمق المجتمع الأمريكي منذ هجرة اليهود الشرقيين ( الاشكيناز) إلى أمريكا، وتأسيس الحركة الصهيونية، وانخراطهم ودعمهم لكلا الحزبين السياسيين الجمهوري والديمقراطي؛ هذا وغيره يؤكد أن العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني متينة جدا، وأقوى من أن تنال منها المواقف المتشنجة أحيانا، او الخلافات الظاهرية والتصريحات الإعلامية أحيانا أخرى، ولو لم يكن غير الدعم المالي الأمريكي اللامشروط للكيان الصهيوني – منذ نشأته – دليلا على عمق ومتانة تلك العلاقة لكفى، ناهيك عن وقوفها الكامل إلى جانب هذا الكيان الغاصب سياسيا وعسكريا وإعلاميا، وعلى كافة المستويات والأصعدة.
ربما أمكن القول إن ترامب اصبح ظاهرة للفوضى المستقبلية، وأنه نتاج لتحولات المشهد السياسي عسكريا ودبلوماسيا في اليمن، حيث جاءت بما لا تشتهي وما لم تتوقع الإدارة الأمريكية، التي تبنت العدوان على اليمن صراحة، ونظرا لخيبة التوقع والهزائم المتكررة التي مني بها تحالف العدوان، رأت أمريكا ضرورة التخلص من عواقب جرائم العدوان وهزائمه، من خلال إيجاد حالة من الفوضى العارمة في مختلف بلدان العالم سياسيا وعسكريا، وتخفيف الضغط على اليمن نوعا ما، ومحاولة إيجاد مصالحة بين اليمن والسعودية برعاية وضمانة أمريكية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، تفعيل ظاهرة ترامب على نطاق واسع، واتباع سياسة الضربات المتلاحقة، لكي لا يتسنى للضحية الاحتفاء بجرح او التنديد بنصل، من قبيل :
تكاثرت الظباءُ على خراشٍ
فما يدري خراشٌ ما يصيدُ
ذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى مرحلة الشيخوخة المحرجة، المفتقرة للذكاء والدبلوماسية والمراوغة والمرونة، خاصة في موقفها المتعصب لإسرائيل مطلقا، ضد العرب الراعين لمصالحها مواقعا ومواردا، وإخفاقها الذريع في حلحلة ملفي العراق وأفغانستان، وكذا عجزها عن إغلاق ملف ما يسمى ( الشرق الأوسط) ومشروع إعادة رسم خارطته بما يرضي طموحات الكيان الصهيوني التوسعية، وفشلها في كسر محور المقاومة ( حزب الله، حماس، سوريا، إيران، اليمن)، بما يحقق الحدود الدنيا لأمن واستقرار الكيان الصهيوني، يضاف الى ذلك ظهور حالة من الغضب العارم، والرفض لدى معظم شعوب العالم، للإدارة الأمريكية وسياستها الإمبريالية المتعالية، وبدلا من تلافي ذلك، ومحاولة تحسين صورة السياسة الأمريكية أمام العالم ولو ظاهريا، سعت الماسونية الى إيصال ترامب إلى البيت الأبيض، ليزيد النار اشتعالا، والرقعة الجغرافية الملتهبة بالصراعات اتساعا، فهل ستخدم ظاهرة ترامب ( الفوضى العالمية العارمة)، المصالح الصهيوأمريكية، ونفوذ وتسلط الكيان الصهيوني في المنطقة، أم أنها ستكون آخر مسمار في نعش الولايات المتحدة الأمريكية؟؟؟ وهل جنون ترامب وتطرفه مبرر كاف لما سيرتكبه من مجازر وحشية وحرب إبادة بحق الإنسانية؟ وهل ستتوقف ظاهرة ترامب – بما هو منظومة من التطرف الفكري والسلوكي – عند العرب والمسلمين والوطن العربي، أم أنه سيتجاوز ذلك ليصل الى أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبقية شعوب العالم الرافضة للهيمنة الصهيوأمريكية؟!