الإرهابُ والتنمية
إبراهيم محمد الهمداني
استطاع المستعمرُ الجديدُ توظيفَ مزاعم التموضع الحضاري، والتطور التكنولوجي، والتقدم المعلوماتي، في شرعنة ما يقوم به من عولمة الجريمة، وتمجيد عصابات المافيا، العابرة للقارات، وممارسة الإرهاب الدولي المنظم، على قاعدة (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، الأمر الذي جعل معظم الأنظمة الحاكمة – إن لم نقل كلها – تخضع لهذا الفرز الرهيب، ثم ما تلبث أن تنضوي تحت جناح قطب الهيمنة الوحيد، وحامل راية المشروع الاستعماري، ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي حاولت لعب دور المخلِّص، والسوبرمان الحامي لشعوب العالم، من مخاطر وتهديدات الإرهاب، الذي يكاد يقوض الأمن المجتمعي، ويهدم أركان السلام العالمي، حسب الزعم الأمريكي.
ولم يكن ثمة إرهاب، غير تلك الجماعات الوظيفية المتشدّدة، التي صنعتها الإدارة الأمريكية، وقدمت لها الرعاية الكاملة، والدعم المفتوح، لتخوض حروبا بالوكالة، أسفرت عن تفكك واضمحلال ثنائية الهيمنة الإمبريالية، وصعود نجم القطب الاستعماري الواحد، بلا منافس أَو شريك، ليبدأ مشروعه بصناعة الذرائع، وتوظيف العناوين والمصطلحات، التي تمكّنه من إعادة تموضعه الاستعماري، وهي أساليب شيطانية، خطيرة ومؤثرة على الأُمَّــة، كما يصفها السيد القائد بقوله: “صناعة الذرائع أُسلُـوب أَو وسيلة رئيسية اعتمد عليها الأعداء، اعتمد عليها الأمريكي بشكلٍ كبير، وهو يدرك أن هذا أُسلُـوب فعَّال، ووسيلة مؤثِّرة، ويمكن أن تنخدع بها فئات واسعة من أبناء الأُمَّــة، فجاءت ذريعة الإرهاب، ذريعة القاعدة، وهي بالتأكيد صناعة أمريكية، إضافة إلى صناعة أحداث معينة، مثل ما هو الحال بالنسبة لحادثة الحادي عشر في استهداف البرجين، هذه حادثة صُنِعت خصيصاً لتكون ذريعةً تُستَغل وتوظَّف إلى أقصى حَــدّ، وتأتي أمريكا لتجعل منها مبرّراً في استهداف هذه الأُمَّــة، وفي الدخول إلى هذه الساحة بشكلٍ غير مسبوق، بشكل سيطرة تامة، دخول مختلف عما كان عليه الحال في الماضي من مُجَـرّد هيمنة بطريقة غير مباشرة: هيمنة سياسية، هيمنة اقتصادية، هيمنة إعلامية، هيمنة ثقافية وفكرية، مطلوب الانتقال من حالة الهيمنة غير المباشرة إلى السيطرة المباشرة التامة والكاملة”. (السيد القائد – خطابات المناسبات – ذكرى الشهيد القائد – ١٤٣٩هـ).
يمكن القول إن المكاسب التي حقّقتها الإدارة الأمريكية، عبر الجماعات الوظيفية المتشدّدة، المحسوبة على الدين الإسلامي، قد أغرتها بتكرار التجربة على نطاق أوسع، الأمر الذي اقتضى استنساخ ذلك النموذج الوظيفي الأصولي، المتقوقع تحت غطاء الانتماء الإسلامي، ومن ثمَّ توزيع تلك النماذج المستنسخة، على مختلف بلدان العالم، لاستخدامها متى ما اقتضت المستجدات السياسية، لتحقيق مزيد من الهيمنة والتسلط، وقمع وتدجين الشعوب، التي لن تجرؤ على الوقوف في وجه هيمنة أمريكا، ومشاريعها التسلطية الاستعمارية، كيلا تُصنف في قائمة الإرهاب، وتصبح عرضة للسخط والانتقام الأمريكي.
ورغم تظاهر الإدارة الأمريكية بنزاهة دورها، وعدم إضمارها العداء المسبق لأحد، من خلال انتهاجها تعميم الخطاب السياسي الخاص بمشروعها، وتوصيف الإرهاب كظاهرة عامة، إلا أنها سرعان ما أفصحت عن نواياها المبيتة، فلم تتوان عن إلصاق صفة الإرهاب بالإسلام، كحالة من حالات التطرف الديني، والتعصب العقائدي، وهو ما يتنافى مع روح الإسلام الحنيف، بخلاف سلوكيات وعقائد التعصب والعنصرية اليهودية، وعدائية التطرف الصليبي المتأصلة، لكن ذلك التناقض المعرفي والسلوكي المخزي، الذي وقعت فيه الإدارة الأمريكية، لم يحل دون تظاهرها بمثالية مشروعها، وإنسانية حربها على الإرهاب، وأنها تستهدف – فقط – تلك الجماعات المارقة، التي تهدّد الأمن والسلام العالمي، ولا تستهدف الإسلام والمسلمين، بأي حال من الأحوال، رغم أنها تعمدت ذلك، منذ إنشاء ورعاية تلك الجماعات الوظيفية المتشدّدة، ذات المنحى الأصولي الوهَّـابي، وتلك الأساليب الإمبريالية، لا تعدو كونها مغالطات مبتذلة، تتنافى وحقائق الواقع، وهو ما أكّـده الشهيد القائد –رضوان الله عليه– بقوله: “تجد الرئيس الأمريكي في شهر رمضان قالوا: جمع عائلات؛ مِن أجلِ يعمل لهم مائدة إفطار، ودعا مسلمين من داخل أمريكا من جاليات! يعني حتى يقولوا إنه ما عنده توجّـه لمحاربة الإسلام، إنما محاربة الإرهاب، وأن حربهم للعراق لا يعني حرب للإسلام، خداع هذا، خداع، خداع؛ لأَنَّك تجد الواقع يختلف عن منطقه، الواقع يختلف عن منطقه، لماذا اختلف موقفهم من كوريا الشمالية عن موقفهم من العراق، ما هو أختلف، كوريا أعلنت أن عندها برنامج نووي، عندها أنها قد صنعت فعلاً قنابل نووية، لماذا ما يحاولوا يضربوها؟ يحاولوا يحلوا الإشكالية ويعطوها مساعدات، ويحاولوا عن طريق الحوار والعمل الدبلوماسي كما يسموه. أما العراق ما بلا يتهموه هم أن عنده أسلحة دمار، يسموها، ما بلا يا الله يحاولوا كيف يعملوا مبرّر لضربه.
قال يجي مفتشين يفتشوا، وبدون شروط، وبدون أي قيد، قالوا هذا كلام خداع، يقولون: إن العراق مخادع، ما بلا فوقه، ويجهزوا الحشود العسكرية والقطع الحربية والبحرية إلى المنطقة، حتى أصبحوا جاهزين للضربة، جاهزين للضربة، يحاولوا أن لا يصل القرار إلى مجلس الأمن الذي عمله المفتشين، ثم بعد ما وصل قرارهم إلى مجلس الأمن، يحاولوا أن يكون بالشكل الذي يكون فيه ثغرة، عندما يرجع المفتشين عندما يدخلوا، احتمال كبير أنهم هم يعملوا عائق، المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تعمل أي شيء، عائق أمام المفتشين عائق يخليهم يعودوا حتى يقولوا: إذن خالف. وهم قالوا هكذا: أن أي إعاقة لعمليات التفتيش يعتبر ملغي للقرار، يلغى القرار يعني أن نضرب، جاهزين وبسرعة يريدوا أن يضربوا، قد ينزلوا وقد يعملوا أي عائق هذا إذَا بقيت القضية حتى ينزلوا. طيب ما هو العراق وحده، كلام على اليمن، كلام على السعوديّة، على لبنان، على سوريا، على إيران، على مصر على المنطقة كلها، تهديد للمنطقة كلها، وفي الأخير يقول لك: ما هناك حرب، مع أنه هو قال كلمة في البداية، أنها تعتبر حرب صليبية، ثم تداركها فيما بعد، [هذه بداية حرب صليبية]، أول ما بدءوا يتحَرّكوا ضد أفغانستان، يخادعوا؛ مِن أجلِ أنهم يجندوا الناس وقد عرفوا طبيعة الناس، الناس الذين ما عندهم فكرة عملية يتشبثون بأي مبرّر، يتشبثون حتى بأي خداع من جانب عدوهم، يخدع. إذَا هناك توجّـه عملي يكون الإنسان عارف أن هؤلاء مخادعين، وسيرى أن الواقع في أعمالهم يخالف ما يقولوه، في الواقع، أنما يقولوه إنما هو خداع”. (الشهيد القائد – متفرقات – الشعار سلاح وموقف).