الاستِسقاءُ بِمفهومهِ الصائِب ولوازِمه المُثمِرة
تسنيم الدّيلمي
“ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
إنَّ إِمساكَ الله الكريم لفيضِ غيثهِ ورحمته بِنا، وتأخير النصرّ، يعودُ لِبُعدِ عِباده عن منهجهِ القويم الذي ارتضاه لهم، وأنزله عليهم، وتخلُّفهم عن عترةِ نبيّه، الذينَّ جعلهم قُرناء القرآن، وسفينة للنجاةِ وهُداةً لعبيدهِ، لإنقاذهم مِن الشقاءِ، ومعيشة الضنك، والمُعاناة في الدُّنيا، ومن ثَمّ السعير والعُياذ بالله في دارِ الخُلود الأبدي، فحين ابتعد النّاس عن الله ومنهجه الحقّ، انحرفوا عن خطِّ الاستقامة، فعاثوا في الأرض شتّى أصناف الفساد والمفاسد التي حجبت عنّا رأفة الله وخيره، قِيلَ قَديمًا: (إنَّ مدينة استعرت بِذنبِ كافرٍ واحد فقط)، أمّا اليوم فجميعنا مُذنِبون، ومقصرون في حقِّ الله (فمن استقل ذنبه كَفر).
غيثُ الرحمة الإلهيّة لن يتنزّلَ ما لم نُهيئ أوعيتنا، فالعطاء الإلهّي والإغاثة مَقرونة بالاستقامة، والعلاقةُ بينهما طرديّة، فَكُلمّا كُنّا أكثر استقامة، رزقنا الله من فضلهِ غيثاً غدقاً مِدراراً، “وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا”.
الاستسقاءُ بمفهومهِ الصائِب لا يتطلب توجّـه إلى الله بأدعيةٍ مأثورة متفوهين بها عند الشدّة، بل يتطلب استقامة، وإقبال إلى الله بأعمالِ صالحة تُرضيه عنّا، وذِكرٌ له سُبحانه: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ”، واستجابة تامة لتشريعاتهِ تعالى؛ كي يستجب استغاثتنا به: “وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”.
فإجَابَة الله لتضرعنا وإغداقه لنا بالفيضِ الهنيء، يتطلب لوازم مِنها (التوبة النصوحة)، والتي تأتي بالشكلِ التالي (إقلاع عن الذنبِ المُرتكب مع الندم على اقترافه والعزم على عدم العودة إليه مُستقبلاً)، وتُعدّ من أفضل القُرَبِ إلى الله، فمن رحمةِ الله بعبادهِ أن فتحَ لهم باب التّوبة بكافةِ مصاريعه، دون تقييده بزمنٍ موقوت، وَيَكرم التوابين المتطهرين بالمغفرةِ والعفو وتكفير السيئات وإبدالها حسنات مُكافأة لهم، مهما بَلغَ حجم الذنب المُقترف: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أنفسهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا”، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إلى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ”، “وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَـمُ مَا تَفْعَلُونَ”..
(الجهادُ في سبيلِ الله والإخلاص والتفاني فيه) وَيُعدّ من أحبِّ القُربِ إلى الله: “إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ”، “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئك يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”، وورد عن رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم: “لنومة في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة”، وللجهادِ عدّة مجالات، فَليُجاهد كُـلّ مِنا من موقعهِ الذي يتناسب مع وضعيته (ولا عُذر للجميعِ أمام الله).
أَيْـضاً (الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وشدّ النّاس نحو الله وهُداه) والذي يندرج ضمن مجالات الجهاد، وله شأن كبير في القُربِ من الله؛ كونه مِن مُهماتِ وعمل الأنبياء والصالحين، وبه صلاح العباد الذين يفقهون.
(صلاةُ التسبيح): والتي تُعدّ من نوافل القُربة إلى الله، ومُجليات الذنوب، كما ورد عن رسولِ الله في فضلها: “فلو كانت ذنوبك مثل عدد نجوم السماء، وعدد قطر الماء، وعدد أَيَّـام الدنيا، وعدد رمل عالج لغفرها الله لك”، والتي تُؤدى كالتالي (قراءة الفاتحة وسورة معها، ثم تسبح خمس عشرة مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثُمّ الركوع والتسبيح عشرًا، والقيام منه مع التسبيح عشرًا، والسجود عشرًا، والقيام منه عشرًا، والسجود ثانيةً عشرًا، والارتفاع منه عشراً)..
(صلاةُ الليل): ثمان ركعات في جوفِ الليل، وهي من أفضل الصلواتِ قُربة إلى الله، وذلك كما ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: “إنّ أفضل الصلاة بعد صلاة الفريضة الصلاة في جوفِ الليل”، وقال أيضًا: “عليكم بقيامِ الليل فَـإنَّه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل قربة إلى الله، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة لداعي الحسد”.
(الاستغفار): “وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَـمُوا أنفسهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَـمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَـمُونَ”.
“وَلَوْ أَنَّهُمْ إذ ظَلَـمُوا أنفسهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا”.
“وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ”.
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأموال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا”.
(الإنفاقُ والصدقة): “وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ”.
الصدقة: من أهم ما يحقّق رضوان الله، ومغفرته، كما ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: “إن صدقة السر لتُطفئ غضب الرب، وإن الصدقة لتطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النّار”.
(إقامة القسط، إرجاع الحقوق لذويها، بر الوالدين، صِلة الأرحام، الكفّ عن الأذى والمُنكرات، تحري الحلال، التواضع، الإحسان، الحشمة والعفاف، التآخي والتوحد، الاعتصام بحبلِ الله، إصلاح ذات البين، العفو والصفح… إلخ).
ولبلائِهِ الذي ظلمنا أنفسنا به نعمة عظيمة، فحجب الله عنّا غيثه إنذاراً وحُبّاً ليقربنا إليه، ويبعدنا عمّا فيه هلاكِنا في الدارينِ، ما أرأف الله بنا ونحن مذنبون، فكيف ونحنُ متطهرون؟ “إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ”، فإذا أحبّنا الله أكرمنا وأعزنا ونصرنا، فاللهَ اللهَ بمحاسبةِ أنفسنا والعودةِ الصادِقة إلى الله، ما لم فَـإنَّ أمطار الله سَتنهمر علينا بغزارة “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ”.