«الكمين» الأُممي!
عبد الكريم الوشلي
في كتابه المهم (أمريكا طليعة الانحطاط) /الطبعة الأولى1998م/ يقول الكاتب والمفكر الفرنسي روجيه جارودي:” تخلصت الولايات المتحدة من الثقل الموازن المتمثل بالاتحاد السوفييتي، الذي صفَّاه بسعر رخيص القادة الروس وفككته القوميات، وغدت الأمم المتحدة تتألف من الآن فصاعدا من الولايات المتحدة وزبائنها، وتحولت إلى قاعة لتسجيل الإرادات الأمريكية، بل استُخدمت غطاءً وحجة لآلة الحرب الأمريكية العملاقة”.
وسوى جارودي الكثير من أصحاب الفكر والرأي والتحليل الحر، من الغرب تحديدا.. الذين أسقطوا القناع عن حقيقة «المنظمة الدولية الأممية الأكبر»! ودورها العملي الواقعي في خدمة أجندة أمريكا العدوانية واستغلال تعريفها «الأممي» في القيام بهذا الدور التغطوي الممالئ القذر ..
هذه هي الأمم المتحدة ومنظماتها.. التي هي شريك أساسي للعدوان العالمي.. في قتل الشعب اليمني وتدمير وطنه (كما فعلت وتفعل في الكثير من قضايا ومظلوميات أمتنا والعالم المستضعف عموما..)، والقولُ بغير ذلك مجافاة للواقع، ومغالطة للنفس.
هذه هي الحقيقة التي يصعب تجاوزها..
حقيقةٌ تنهض واضحةً محمولةً على تجربة ثمان سنوات مليئة بالتواطؤ «الأممي» والاضطلاع بمهمة التغطية السياسية والحقوقية و”الإنسانية” للعدوان وجرائمه، ومساندة آلته التدميرية والحصارية القاتلة، بلعب دور “المنوِّم” السياسي لصالحه، وإخصائي التخدير على مشرحته الصهيونية الغربية الأعرابية المجرمة، حيث الضحية هذا الشعب المظلوم بأطفاله ونسائه وهويته ووجوده.. وحيث المنشار العدواني القاتل تؤازره آلة قتل شيطانية أخرى خفية وناعمة، قوامها المكر والخداع والوعود السرابية وتقطيع الوقت لصالح المعتدين.. والأنشطة “الإغاثية والإنسانية” الزائفة، التي تميت الإنسان والحيوان والزرع والضرع، وتغتال القيم والأخلاق، وتجهد في محاولة نشر الرذائل والفساد بشتى أشكاله الخُلقية والمالية والرشوية والإدارية المدمرة، وأخيرا وليس آخرا.. الأغذية الفاسدة!
لقد اتخذ العدوان – برأسه الأمريكي الغربي المهيمن ونعله الرجعي الأعرابي المموِّل والمموِّه – من الدور أو التدخل الأممي، كميناً سياسيا ودبلوماسيا وُضع، بإحكام ودهاء، في طريقنا ونحن نواجه العدوان والحصار.. لكي يعيق حركتنا، ويبطئ عملية إنضاج ثمار صمودنا الميداني وإنجازاتنا العسكرية، التي من شأنها أن تصل بالعدوان وأدواته ومخالبه في الإقليم والداخل.. إلى مستوى من الوجع لا يملك معه إلا أن يتوقف، ويبحث عن مخرج جدي، لولا ما توفره له العملية أو “اللعبة” السياسية التفاوضية التي يرعاها المبعوث الأممي.. من وقتٍ وفرص للمماطلة والخداع والاستمرار في استنساخ الوعود الهلامية، التي لا ينفذها المعتدون وإنما يستفيدون من طبيعتها المطاطية المراوغة في إطالة معاناتنا وتأبيد نزيفنا الذي تصنعه يدهم العسكرية الطليقة وحصارهم المستمر.. مما يضعف قدرتنا تدريجيا، ومع مرور الوقت، على الصمود.. وصولا إلى الانهيار، حسب ما يأملون ويضمرون ويخططون، بتواطؤٍ من أداتهم الأممية الماكرة .
إن تجربة السنوات الثمان.. كافية لإدراك حقيقة أن التعويل- حتى في حده الأدنى- على عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة، هو تعويلٌ على الوهم والسراب وشُربٌ للهواء! وأنه ليس من الحكمة إعطاؤهم فرصة لتأبيد مأساتنا على غرار ما صنعوه للشعب الفلسطيني.. وكفانا تساهلا مع خطورة الطُّعم الذي جُرِّعت به شعوبٌ سمومَ السياسات الاستعمارية والصهيونية المدمرة، وجرائمِها المتوالية الفصول منذ عقود طوال.. فالمؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين، فما بالنا وقد لُدغنا كعرب وكمسلمين- مئات المرات، من الجحر نفسه.