مايو و«الدنبوشي» البائد !
عبد الكريم الوشلي
في ظل الحكم «الدنبوشي» (الدنبوع/ عفاش) الفاسد الجاهل المرتهن للخارج المهيمن، وعلى مدى زمني ناهز أربعة عقود.. فَقَدَ اليمنيون أشياء ثمينة عديدة..
فقدوا -ليس فحسب- ذلك الشيء الذي يشبه الأمومة، أمومة الوطن، أمومة الدولة العادلة الراعية المدبرة والمسؤولة.. بل، أيضا، كرامتهم وإنسانيتهم واستقلال قرارهم وسيادة بلدهم، والشيء الكثير من هويتهم الروحية والثقافية والوطنية والحضارية..
منذ أن تبوأ سنام السلطة في انقلاب دموي غادر أودى بحياة ثلاثة رؤساء خلال أشهر معدودة، برعاية مخابراتية أمريكية غربية سعودية، عام1978م ..بقي «صالح» يتمنن على الشعب بأفضال و«منجزات» سرابية جَهُد في توليدها واجتراحها دعائيا، وتعمية الأعين والبصائر بغيومها الدخانية، عبر خطاباته ومجنَّدي منظومة سحره الإعلامي المحبوك بعناية..
واحدة من تلك الأفضال و«المنن» العتيدة التي جرَّع الطاغيةُ الشعبَ المُرَّ والهوانَ تحت مزعومها ويافطتها، طيلة السنوات التي تلت العام الميلادي1990، هي «الوحدة» التي تمت في 22مايو/أيار من العام ذاته..
والحقيقة أن ماحدث -وكما أثبتت جميع الأحداث لاحقا- ليس وحدة بين شطرين لوطن ظل أبناؤه يتوقون لرتق كينونته السياسية المفتوقة بتدبير «استعماري» دولي وإقليمي ماكر .. بل توسيعا لـ«مزرعة» الطاغية وعصابة حكمه الفاسدة !
وبالنسبة إلى النظام الاشتراكي في الجنوب، كانت «الوحدة» مهربا من السقوط الحتمي بعد تداعي حاضنته الدولية الممثلة بالاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية..
لعل الشاهد الأساسي على كارثية الحدث الذي لُبِّس بالعناوين والتعريفات اللامعة والمحترمة، وأبرزها «الوحدة» ..هو ما تلاه فعلا ووالاه من مآسٍ ومنحدرات ظلت البلاد تتقلب بين جمرها الحارق ومساقطها المفجعة، بدءا من ذلك التاريخ..
فأي وحدة لأي وطن، هذه التي تشطِّر النفوس وتشظي الشعور بواحدية المصير والهم بين أبناء الشعب والوطن الواحد، الذي كان -بالفعل- واحدا في تعاطفه البيني وأشواقه وأحلامه وآماله وآلامه ..رغم الانقسام سياسيا إلى شطرين قبل «الوحدة» !؟
لم ير الشعب اليمني من حينها يوما أبيض في حقوقه الأساسية والطبيعية كشعب، في لقمة عيشه، في كرامته، في أمنه بمعناه الشامل، وحقه في ثروات ومقدرات وطنه، بل حتى في الحد الأدنى من شعوره بأنه ابن لهذا الوطن، الذي تبدد حتى العدم أمام ممرضة هندية في مشفى ! فما بالك وقد وصل الحال إلى أن يؤول زمام الوضع والمصير في البلد إلى سفير أجنبي هو الذي يدبر الأمر كله من وراء حجب..! هذا كله فضلا عن الحروب والصراعات التي شكلت عنوانا أساسيا قاتما لعلاقة السلطة الفاسدة بشعبها (حروب المناطق الوسطى، والحروب مع الجنوب، وتلك التي خيضت ضد أبناء صعدة وما جاورها وغيرها..)..
لقد بقي كل شيء في تدهور ومنحدر نزولي نحو الحضيض، المعيشة، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والثقافة، والقيم.. واستمر المسار الانحداري حتى سقوط أهم رؤوس النظام الفاسد بقيام ثورة الـ21من سبتمبر وانبلاج فجرها الأغر..
ولولا العدوان الإجرامي الحاقد بحشده الظلامي الغربي الصهيوني والإقليمي الخياني.. وكذلك الحصار اللذان جاءا انتقاما، بأدوات داخلية عميلة، من هذه الثورة، لكان وجه اليمن مختلفا وأكثر حيوية ورونقا والتحاما بالمستقبل المنشود.. بفعل هذه الثورة الشعبية القرآنية التحررية المباركة.