ليلة القدر

صالح مقبل فارع

هي إحدى ليالي شهر رمضان المبارك وفسها نزل القرآن الكريم … قال تعالى عنها: “بِسم اللَّه الرّحْمنِ الرَّحیم: إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ{١} وَمَآ أَدْرَاکَ مَا لَیْلَةُ الْقَدْرِ{٢} لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ{٣} ‏تَنَزَّلُ الْمَلائِکَةُ وَالرُّوحُ فِیهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ{٤} سَلامٌ هِیَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{٥}”.

? #مبهمة:

– جعل الله سبحانه وتعالى ليلة القدر مبهمة غير معروفة وغير محددة بليلة من ليالي رمضان؛ وذلك لأجل المحافظة على كل ليالي شهر رمضان واستغلالها وقيامها وتلاوة القرآن فيها، والنظر في حوائج الناس، وسبب الإبهام منه تعالى فيه حكمة كبيرة لصالحنا وهي استغلال الليالي كلها لننال الأجر الكبير واغتراف الأجر العظيم والحسنات في كل الليالي؛ لنخرج من رمضان ومعنا رصيد كبير من الحسنات.

وكثير من العلماء خمّن بأنها ليلة 27 رمضان.

والبعض قالوا في العشر الأواخر.

والبعض قالوا بأنها تبدأ من ليلة 19 رمضان وفي الأرقام الفردية بعد العشرين من رمضان، أي: أحدى ليالي 19 أو 21 أو 23 أو 24 أو 25 أو 27 أو 29 من رمضان..

والبعض قالوا بأنها في الليالي المذكورة سابقًا ولكنها كل سنة تنتقل في ليلة، فإذا كانت هذه السنة في ليلة 19 فالسنة المقبلة ستكون في ليلة 21 والسنة التي بعدها ستكون في ليلة 23؛ وهكذا.

ولكن هنا نضع لكم سؤالين:

– هل هي الليلة التي بعد يوم 27 أو قبله؟

– في الدول التي صامت بعدنا بيوم تكون الليلة عندنا 27 وعندهم 26؛ فليلة القدر هل ستنزل بتوقيتنا أم بتوقيتهم؟، أم أنها ستنزل مرتين عندنا في الليلة الأولى وعندهم في الليلة الثانية؟.

هذا التخبط والاجتهاد في تعيين ليلة القدر وتحديدها يجعلنا نجزم بأنها ليلة مبهمة غير محددة وليس فيها علامات.

? #مدتها:

وهي ليلة كاملة ليست لحظة من اللحظات تمر بسرعة خاطفة ، بل ليلة كاملة تبدأ من المغرب وتنتهي بالفجر..

كما أن ليلة القدر ليس فيها علامات أو إشارات في السماء أو غيرها؛ لتختلف عن بقية الليالي؛ بل هي ليلة طبيعية لا يتغير فيها المناخ ولا الطقس ولا تختلف عن بقية ليالي رمضان؛ فقد تأتي في ليلة ممطرة أو باردة أو دافئة أو صافية أو محملة بالسحب، تأتي في الصيف أو الشتاء أو الربيع أو الخريف بحسب إتيان رمضان؛ فهي ليلة طبيعية لا ترتبط بالمناخ أو الطقس أو أي شيء آخر.

? #فضل_ليلة_القدر:

فضَّل الله ليلة القدر لأن القرآن نزل فيها، فلو أنزله الله في ليلة أخرى لما كان لليلة القدر هذا الفضل والخير العظيم..

ففضّلها الله وعظمها وجعلها خير من ألف شهر لعظمة القرآن عنده ولفضله ولعظيم ما نزل فيها.

ولأن القرآن نزل فيها جعلها عظيمة وجعلها خير من ألف شهر، وهي خير من 30000 ثلاثين ألف ليلة، وستقوم الألف الشهر بـ83 سنة وثلث سنة.. وهو عمر الإنسان كاملاً..

فمن أدركها واستغلها كلها في الطاعة والعبادات فكأنه استغل عمره كاملاً في الطاعات..

قال تعالى عنها: “بِسم اللَّه الرّحْمنِ الرَّحیم: إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ{١} وَمَآ أَدْرَاکَ مَا لَیْلَةُ الْقَدْرِ{٢} لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ{٣} ‏تَنَزَّلُ الْمَلائِکَةُ وَالرُّوحُ فِیهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ{٤} سَلامٌ هِیَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{٥}”.

– فهي ليلة مقدسة يضاعف فيها كل بر وعمل صالح لمن عمل به فيها من أهلها، فيزاد على تضعيفه من قبل ثلاثين ألف ضعف لقدرها وفضلها، ونحمد اللّه في ذلك وغيره رب العالمين على ما أنعم به من ذلك خير المنعمين)) انتهى.

– معنى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ} ليلة تقدير الأمور وقضائها، وهذا مناسب لقول اللّه تعالى: “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ” [الدخان:4]

قال في تفسير (الغريب) للإمام زيد بن علي: “معناه: يقضى ويدبر في الليلة المباركة، وهي ليلة القدر يقضى فيها أمر السنة من الأرزاق وغير ذلك إلى مثلها”.

– وفي ليلة القدر تنزل الملائكة قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} تتنزل في ليلة القدر الملائكة وجبريل وهو من الملائكة “، وذلك لبركة ليلة القدر وما ينزلون به بإذن ربهم، أي يتنزلون بإذن ربهم ينزلون إلى الأرض من كل أمر، هنا قال تعالى: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}، وفي (سورة الدخان): “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ” [الدخان:4] فيمكن ـ والله أعلم ـ أن أمور السنة المقبلة تقضى فيها وتفصل في كتاب في السماء تقرؤه الملائكة “، وتنزل الأرض تهيئها له وتعدها بما تنزل به من أسباب ومعان تخفى علينا، وتؤدي ما يكون بطريق التسبيب أو التهيئة، فكأن الأمور التي ستكون في الأرض مصدرها السماء، ونزل منه في ليلة القدر ما نزل، فكان ابتداء نزول الملائكة من مصادر الأمور الحكيمة التي في السماء ـ والله أعلم.

– وقوله تعالى: {وَالرُّوحُ فِيهَا} أي في الملائكة، ومعنى الروح: الخير والحياة والبركة الأمر الحكيم في الملائكة، كقوله تعالى: “يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ” [النحل:2].

والروح من كل أمر: هو خيره، وهو ما اقتضته الحكمة وأحكمه اللّه، فالروح من كل أمر هو الحكيم من كل أمر.

– جعل الله ليلة القدر {سَلَامٌ} أي سالمة مسلمة، ليس فيها عذاب من اللّه تبارك وتعالى ولا نقمة، جعلها اللّه بفضله بركة وسلامة ورحمة للعباد إلى الفجر دائمة.

أسأل من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن أدرك ليلة القدر.