يوم الفرقان .. الدروس والعبر
عمران نت – تقارير – 20 رمضان 1443هـ
عندما نستعرض حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله نجدها حياة جهادية ملؤها الصبر والمعاناة واجه فيه المخاطر وعانى المشاكل والدعايات بكافة أنواعها فقد تكالب ضده الأعداء من كل جانب منذ أن كان لايزال طفلا صغيرا لكنهم زادوا وتيرة عداوتهم بعد أن جهر بالدعوة وصار له أتباع ولكن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله كان كلما وصل الضغط النفسي والعملي أوجه ازداد صبرا وتحملا لأنه يعلم عظمة وأهمية المشروع الذي يقدمه فيقتدي به أصحابه وتمر الأيام والسنوات ورسول الله يتنقل من دار إلى دار ومن عشيرة إلى عشيرة عله يفوز بذي عقل راجح يوحد الله فينقذ نفسه من عذابه وقريش تلاحقه أينما ذهب فتسمعه من سيء القول وفحش السباب ما هو كفيل بأن تنهار معه أي نفس لا تحتسب لله ما تفعله، ولكنه الشفيق عليهم {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً }
ويزداد تعنت قريش وتفرض حصارها المطبق على بني هاشم عل ذلك يفت من عضد رسول الله ولكنه وأسرته يواجهون ذلك الحصار بصبر أشد منه حتى فك الله حصارهم وبعده يحل عليه عام الحزن ويجتازه رسول الله بصبره واعتماده على الله وتشتد المعاناة أكثر وتزداد المضايقات ثم يأتي يسر بعد العسر ويسلم نفر من يثرب ويعقد معهم بيعة العقبة الأولى ثم بيعة العقبة الثانية بعد عام وقد تضاعف عددهم ويدعون رسول الله للهجرة وتعلم قريشا بالأمر فيشتد حنقها وغيظها{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال آية 30] ويجمع الكل على اغتياله بضربة واحدة بأربعين سيفا تفرق دمه بينهم فيعجز بنو هاشم عن الثأر له.
ويأذن الله لرسوله بالهجرة {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام من آية 58] وفي يثرب يستقبل المؤمنون نبيهم فرحين كل الفرح بقدومه ويبدأ أول أعماله بإرساء أول قاعدة للدولة الإسلامية مسجد قباء ثم يشرع ببناء نفوس المؤمنين الذين يعيشون في حالة من الاستضعاف النفسي والمعنوي فيفتح معسكراً للتدريب ويرسل السرايا ويبعث الرسائل لمن حوله من الأعراب يدعوهم لدين الله ويبث في مجتمعه الصغير روح الحياة وينعشه بهدى الله ويعلمه أن الإيمان عملي وأن العمل الصالح إيمان بحد ذاته يفعل كل ذلك وغيره وقريش تراقبه أولا بأول فيغيظها ما يصلها من أخبار محمد وصحبه وعندها تقرر الإعداد لحربه والقضاء عليه على أن تكون أولى خطواتها في هذا المشروع قافلة كبيرة تخصص أرباحها لتمويل الجيش الجرار الذي سيقضي على يثرب ومن حل في يثرب.
ويعلم رسول الله بما خططت له قريش فيقرر مباغتتها باعتراض تلك القافلة التي ترأسها كبير دهاة قريش أبو سفيان بن حرب وعندها يجمع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أصحابه ويتقدم لاعتراض القافلة أثناء عودتها ولكن عيون قريش تنقل الخبر إلي ذلك الثعلب الماكر فيغير طريق القافلة ويبعث رسلا تستثير قريش لحرب محمد وعندها هاج طغيان قريش وفار استكبارها فحشدت ألف فارس من أشدها حقدا على محمد وأصحابه مزودين بأجود ما تملكه من سلاح وعتاد وخرج الجيش يتقدمه سادة قريش وفرسانها وحين بلغهم نجاة القافلة أشار عليهم أحد سادتهم بالرجوع لكن أبا جهل أبى إلا أن ينهي أمر محمد وأصحابه فقريش متى عزمت على أمر لا يمكن أن ترجع عنه.
أما رسول الله صلوات الله عليه وآله فقد بلغه تعنت قريش وإصرارها على محاربته فاتجه بأصحابه لملاقاة قريش في مكان بعيد عن المدينة والتقى الجمعان في وادي بدر عسكر الرسول وجيشه الثلاثمائة ونيف بالعدوة الدنيا وعسكرت قريش بالعدوة القصوى وكانت الحكمة لله في ذلك إذ يقول سبحانه وتعالى {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }[الأنفال آية42]
وأخذ رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران آية 121]
وبعد الاستطلاع من كلا الطرفين للآخر قرر كل منهم المواجهة للآخر {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ}[الأنفال آية 44]
وبدأت المواجهة الفعلية بطلب ثلاثة من قادة قريش المبارزة مع ثلاثة من بني هاشم فخرج الإمام علي عليه السلام وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب وعبيد الله بن الحارث بن عبد المطلب وبعد خسارة قريش لقادتها المبارزين بدأ الهجوم ودارت رحى حرب لم تر قريش لها نظيراً من قبل انتهت بهزيمة منكرة لها وقتل من سادتها سبعون رجلا وجرت أذيالها عائدة من حيث أتت لتبكي سادتها وقادتها في قليب بدر.
الدروس والعبر المستفادة من تلك المعركة
معركة بدر تدل على ضعف الباطل وهزالته أمام الحق مهما تظاهر ذلك الباطل بالعظمة.
تدل على مصداقية الوعد الإلهي لعباده بالنصر والغلبة مهما كانت الظروف والإمكانات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد آية 7]
تدل على عظمة المعية الإلهية وأن الله لن يتخلى عن عباده المؤمنين في وقت الشدة {إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلّا بُشرىٰ وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ} [الأنفال: 9-10]
تدل على جدوائية التحرك بالإمكانات المتاحة وفاعليتها.
تبرهن على أنه في مقدور الأمة أن تنتصر على الاستكبار العالمي إذا ما انضوت تحت القيادة الحكيمة وسارت على المنهج الصحيح.
تدل على أن التحرك مطلوب من الجميع فلم يعف حتى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وهو على ما هو عليه من كمال الإيمان.
قدمت لنا درسا مهما حول الغاية التي رسمها الله من وراء الجهاد وهي إحقاق الحق وقطع دابر الباطل {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}[الأنفال آية7]
عرفتنا أن الحق لا يأتي بالأماني بل لابد من عمل وتحمل مسؤولية وتضحيات{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال آية 5]
علمتنا أن محاولة ثني القيادة عن قراراتها المصيرية نابع من رؤية قاصرة وفهم محدود {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال آية 6]
استفدنا منها أنه لن يسلم أحد من بطش الظالمين مهما كانت صفته ومكانته ونسبه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال آية 30]
عرفنا من خلالها وجوب التأسي برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في كل الأحوال {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}[التوبة من آية120]
كشفت لنا أن المنافقين هم أكثر الناس تثبيتا وتخذيلا وتشكيكا لأولياء الله {إِذ يَقولُ المُنافِقونَ وَالَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ غَرَّ هٰؤُلاءِ دينُهُم وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ}[الأنفال:49]
علمتنا ألا نفقد الأمل بالله سبحانه وتعالى وبنصره حتى لو حصل ما حصل وألا نغتر بأي نتائج نحققها فكل ما يتحقق لصالح المؤمنين فهو منَّة من الله عليهم {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال آية 17]