شهرُ الله ومائدة التقوى
نوال أحمد
إن شهر رمضان الكريم والمبارك هو الشهر الذي نسبه الله إليه دون بقية الشهور وقد ميزه الله وفضله عن كُـلّ الشهور، إنه الشهر المبارك الذي تهفو له أفئدة المؤمنين وتحنّ له أرواح المتقين، وهو الوافد الكريم والزائر الحبيب الذي تقر به أعين الصالحين لما يحمله من عطايا إيمانية وهبات ربانية ومنح إلهية.
شهر رمضان الفضيل يأتي إلينا وهو يزف لنا بشائر الرحمة والمغفرة ويشرح الصدور بالطمأنينة واليقين، ويقضي على روح اليأس والإحباط، ويحرّر الإنسان من قيود الشهوات والأهواء ويفتح باب التوبة، به هبت نسائم الإيمان وفيه تتنزل الرحمات وتهل علينا البركات، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران.
في شهر رمضان فرصة للعودة والإقبال على الله بقلوب طاهرة ونفوس زاكية وتجديد العلاقة القوية مع رب العباد، فأبوابه مشرعة في هذا الشهر لمن أراد الفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى وقد جعلنا فيه من ضيوفه ومن أهل كرامته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله».
ففي هذا الشهر الكريم باستطاعتنا أن نقطع المسافات الشاسعة التي تفصلنا عن الله عز وجل، ولكن إذَا توجّـهنا إليه بقلوب خاشعة وبنيات صادقة، وإنه لمن الخسران والحرمان أن يخرج هذا الشهر الكريم دون أن نحقّق شيئاً من هذا الهدف في الوصول إلى مرحلة التقوى التي هي الغاية المرجوة والهدف العظيم من قيام وصيام هذا الشهر الكريم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
في شهر رمضان المبارك نتزود بالتقوى، وهي الفضيلة التي تنفعنا في كثير من المواطن، ومن أبرزها أن المؤمن المتقي يكون جواداً كريم النفس محسناً إلى الآخرين، فهو بدافع التقوى يسعى دائماً للعمل في ما يرضي الله سبحانه وتعالى بنية صادقة وخالصة نابعة من قلب سليم متقرباً إلى الله بأعمال صالحة تنفعه في -اليوم الآخر- يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
ولقد شرف الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بشرف كبير وعظيم، حينما أنزل فيه أعظم كتاب وأهم دستور في تاريخ البشرية ألا وهو القرآن الكريم، قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”، فالقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى في هذا الشهر، هو أعظم هدية بعثها الله إلينا، ففيه النور والبصائر وفيه الهدى والفرقان وتبيان الحجّـة والبرهان، فالقرآن الكريم هو سياحة المؤمن وروضة قلبه، فالإقبال عليه بخشوع وخضوع والتوجّـه النفسي إلى الله سبحانه وتعالى وفتح القلب لقراءة كتاب الله بتدبر وتأمل في آيات القرآن الكريم، فهو محراب عبادة الإنسان والقربان الحقيقي لمن أراد العروج إلى الله رب العالمين.
شهر رمضان الكريم هو شهر الله الأعظم فهو يمنحنا الفرصة لنتزود من معين التقوى؛ لأَنَّ التقوى هي الغاية وهي المحصلة النهائية لشهر الله العظيم، والتقوى هي العامل الذي يجعلنا أقدر على تزكية النفس وعمارتها بروح التقوى والتقرب من الله أكثر واغتنام كُـلّ ساعة وكلّ ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم فيما يرضي الله ربنا وبما فيه صلاحنا وفلاحنا وبما يزيد من تقوانا، وإن من الغصة ضياع هذه الفرصة وعدم استغلالها واستثمارها في إصلاح أنفسنا وتزكيتها والعمل بما يرضي الله تعالى، الذي هو من بعظمته وجلاله قد دعانا إليه في هذا الشهر المبارك والكريم.