محاضرات السيد القائد الرمضانية: التقوى بطابع قُـرآني خالص (1)
تمثل المحاضرات الرمضانية للسيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” محطة تربوية مهمة لتزكية النفوس وتنوير القلوب وفق هدى الله عز وجل ومنهجية القرآن الكريم.
وكما عودنا السيد العَلم بإطلالته في كل عام ليؤدي مسؤولياته الايمانية المتمثلة بـقول الله سبحانه وتعالى: {ْيَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، يطل السيد العَلم “يحفظه الله” في ليالي شهر رمضان المبارك لهذا العام باجواءٍ ايمانية، وبمحاضرات قيمّة تميزت بطابع قُـرآني خالص، تتناول نعمة الهداية، ونعمة القرآن الكريم وما تضمنه من القيم الايمانية، وتشخيص للأحداث وواقع الأمة، إذ يتحدث عن صلاح الإنسان وضرورة تحقيق التقوى وعواقب الانحراف والمعاصي، لاسيما وأن شهر رمضان هو من الفرص التي أتاحها الله سبحانه وتعالى التي يهيئ الله للإنسان فيها الظروف الملائمة للتربية الإيمانية لتزكية النفس، والاهتداء بهدى الله سبحانه وتعالى.
مسألة التقوى مسألةٌ مهمةٌ جدًّا:
بدأ السيد القائد محاضراته الرمضانية بالحديث عن الصيام في غايته المرجوة منه، إذ يقول الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ويشير السيد القائد إلى أن الله سبحانه وتعالى يحدد ثمرةً عمليةً هي ثمرةٌ تربوية، لها أهميتها الكبيرة التي تساعد الإنسان على الاستقامة، وبالتالي الوقاية من النتائج للأعمال السيئة، يقول السيد القائد: “فمسألة التقوى مسألةٌ مهمةٌ جدًّا، أهميتها لعاجل الدنيا ولآجل الآخرة، ولذلك يجب أن نستحضر هذه المسألة جيداً، عندما نتجه إلى صيام هذا الشهر، عندما نتجه إلى كل ما يساعد فيه على تزكية النفس، على الاستقامة في أدائنا العملي، في تصرفاتنا، في سلوكياتنا، نستحضر هذه الثمرة المطلوبة، هذا الهدف العملي، وبقية الأمور هي تترتب عليه: الأجر، الثواب، البركات، الخيرات، ما وعد الله به “سبحانه وتعالى”، هي تترتب على الاهتمام بهذه الثمرة العملية: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فمن خلال الصيام، من خلال الإقبال على الأعمال الصالحة، من خلال التجلد على الصبر، واكتساب المنعة أمام أهواء النفس، وأمام رغباتها، التي لها تأثير كبير في انحراف الإنسان، وكذلك من خلال الاهتمام بالقرآن الكريم، وهدى الله “سبحانه وتعالى”، وما فيه من بصائر، ونور، وهدى، وشفاء، الإنسان يكتسب هذه الثمرة الطيبة والنتيجة العظيمة، التي هي التقوى، فيقي نفسه من عذاب الله “سبحانه وتعالى”، يقي نفسه من العواقب السيئة للأعمال السيئة، يقي نفسه من الأعمال والانحرافات الخطيرة، التي تخرج به عن خط الإيمان والتقوى”.
مجالات التقوى:
يبين السيد القائد أن مسألة التقوى والأمر بالتقوى تأتي في القرآن الكريم كثيراً في مقامات العمل، وما الذي يجب علينا أن نعمل، وأن نتقي الله في أن نفرط في ذلك العمل، كما تأتي أيضاً في النواهي، ويمكن بيان مجالات التقوى على النحو الاتي:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ:
من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، يشير السيد القائد إلى أن هذا الأمر أتى بهذه الصيغة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، في موضعٍ واحدٍ في القرآن الكريم وذلك في سياق الحديث عن مؤامرة فريق الشر من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، في مؤامراتهم على الأمة الإسلامية، حيث يؤكد بالقول: “يقول الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: الآية102]، يأتي هذا الأمر والذي أتى بهذه الصيغة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، وفي موضعٍ واحدٍ في القرآن الكريم بهذا التعبير: {حَقَّ تُقَاتِهِ}، في سياق الحديث عن مؤامرة فريق الشر من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض، في مؤامراتهم على المسلمين، والأمة الإسلامية، والمجتمع المؤمن، في السعي للارتداد به عن دينه، عن مبادئ دينه، عن تعليمات الله “سبحانه وتعالى” ومنهجه الحق، والمسؤولية المترتبة على ذلك في التصدي لهم، في مواجهة مؤامراتهم، في تحصين المجتمع المسلم من التبعية لهم، من الطاعة لهم”.
ويبين السيد القائد بالقول: “{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، تعتبر المسؤولية في ذلك مسؤولية كبيرة، مسؤولية عظيمة، مسؤولية مهمة، وهناك تحذيرٌ كبيرٌ من التفريط فيها، يصل إلى هذا المستوى من الأهمية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، فننتبه ونحذر أعلى مستويات الحذر والانتباه، ونكون على أعلى مستوى من اليقظة والجد في أداء مسؤوليتنا هذه، وألَّا نفرط فيها، فالتفريط فيها عواقبه خطيرةً جدًّا علينا في الدنيا والآخرة، ولذلك هنا نستحضر التقوى، ندرك خطورة اللامبالاة، الإهمال، التفريط، التهاون في كل ما يتصل بمسؤوليتنا هذه، ونحن نتصدى لمؤامرة أهل الكتاب في تطويع مجتمعنا المسلم، في الارتداد به عن دينه وعن منهجه الحق”.
صلاح ذات البين:
من قوله تعالى، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، يبين السيد القائد أن التفريط في صلاح ذات البين هو خللٌ في التقوى، حيث يؤكد بالقول: “يقول الله ” سبحانه وتعالى” أيضاً، مثلاً في مجالٍ آخر، في مجال صلاح ذات البين: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال: من الآية1]، هنا نستحضر التقوى في سعينا لصلاح ذات بيننا، وألَّا نفرط في ذلك، وألَّا نسمح بأن يفسد ذات بيننا، أن تسوء علاقتنا ببعضنا البعض كمجتمعٍ مؤمن، كأمةٍ مؤمنةٍ مجاهدة، فالتفريط في ذلك هو خللٌ في التقوى، وله نتائجه السلبية التي تؤثر على مدى أدائنا لمسؤولياتنا الجماعية، وقيامنا بواجباتنا الجماعية ومسؤولياتنا الجماعية، وأيضاً ما ينتج عن ذلك ويترتب عليه من مفاسد، من معاصٍ، إذا فسد ذات البين، إذا ساءت العلاقة بين المجتمع المؤمن، بين الأمة المجاهدة، كم يترتب على ذلك من المعاصي المباشرة: إساءات، تجاوزات، اغتياب، افتراءات، اتهامات، سوء ظن، يعني: فساد ذات البين مفسدة رئيسية تتفرع عنها الكثير من المفاسد، إضافةً إلى أنه يمثل عائقاً حقيقياً عن القيام بالمسؤوليات الجماعية كما ينبغي؛ لأن علينا مسؤوليات جماعية: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: من الآية71]، مسؤولية الجهاد في سبيل الله مسؤولية جماعية، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التعاون على البر والتقوى، مسؤوليات جماعية كثيرة، هنا نستحضر التقوى، نستحضر التقوى فنتقي الله “سبحانه وتعالى” من أن نقصر في ذلك، ونسعى عملياً لما يصلح ذات بيننا، ونتجنب ما يفسد ذات بيننا، هذا هو الترجمة العملية للتقوى، هكذا نتقي الله”.
الانضباط في المعاملات المالية:
يقول السيد القائد: “أيضاً على سبيل المثال في المعاملات المالية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}[البقرة: 278]، الانضباط في المعاملات المالية والحذر بدءاً من الربا، هذه الظاهرة الخبيثة، الخطيرة، السيئة جدًّا، التي انتشرت في الساحة الإسلامية، انتشر التعامل بها بين المسلمين، وهي من أكبر الجرائم وأعظم الذنوب، التي يترتب عليها أخطار كبيرة في الواقع الاقتصادي، وينتج عن ذلك أيضاً نزعٌ للبركات والخيرات، وانتشارٌ للمخاطر”.
العلاقة مع الأرحام:
يؤكد السيد القائد أن المعاملة بشكلٍ عام وبدءاً من المحيط الأسري تحتاج إلى تقوى الله سبحانه وتعالى، لنعمل ما علينا من التزامات أخلاقية، تتعلق بسلوكنا، ومعاملتنا، إحساننا، يقول: “مثلاً: فيما يتعلق بالعلاقة مع الأرحام، أتى في سياق ذلك قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}[النساء: من الآية1]، في بداية سورة النساء، في المعاملة بشكلٍ عام وبدءاً من محيطك الأسري تحتاج إلى تقوى الله “سبحانه وتعالى”، لتعمل ما عليك من التزامات أخلاقية، تتعلق بسلوكك، بمعاملتك، بإحسانك… إلى غير ذلك، وتحذر ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه”.
التعاون على البر والتقوى:
إن من المسؤوليات العامة على المجتمع المسلم هي التعاون على البر والتقوى، وهو من العناوين الكبيرة والمهمة والعظيمة، يقول السيد القائد: “يأتي الأمر من الله “سبحانه وتعالى” بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: من الآية2]، فتقوى الله في أن نتعاون على البر، وهو دائرة واسعة، والتقوى دائرة واسعة من الأعمال والمسؤوليات، وتقوى الله في أن نحذر من التعاون على الإثم والعدوان، مثلما يحصل مع البعض وبالذات في إطار العصبية أحياناً، العصبية مع الصديق، مع القريب، مع الصاحب مع…إلخ. وأحياناً نتيجةً للاستمالة إلى الباطل بالإغراءات، والماديات، وما شاكل ذلك، {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}”.
الجهاد في سبيل الله:
يبين السيد القائد أن الجهاد في سبيل الله يأتي من ضمن المسؤوليات الأساسية التذكير بالتقوى، حيث يقول “يأتي مثلاً فيما يتعلق بالجهاد في سبيل الله من ضمن المسؤوليات الأساسية التذكير بالتقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: الآية35]، اتقوا الله فلا تفرطوا في هذه المسؤولية العظيمة، الكبيرة، المهمة، التي يترتب عليها عزتكم، ومنعتكم، وقوتكم، وانتصاركم، وحمايتكم من أعدائكم، وتمكنكم من الاستقلال والحرية والكرامة، والخلاص من التبعية لأعدائكم، ومن سيطرتهم عليكم، اتقوا الله في قيامكم بمسؤوليتكم هذه وعدم التفريط فيها”.
الصبر والمصابرة والمرابطة:
يقول السيد القائد: “يأتي الأمر مثلاً في الصبر والمصابرة والمرابطة، ثم يقترن به التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200]، فيأتي الأمر بالتقوى، ليحذرنا من أن نفرط في ذلك، أن نفرط في المرابطة، في المصابرة، في الثبات في مواقفنا، ويذكرنا بالغاية العظيمة التي نصل إليها إن التزمنا بذلك، وهي: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، نصل إلى النتيجة العظيمة التي وعد الله بها في الدنيا والآخرة”.
إتباع القرآن الكريم:
يشير السيد القائد إلى أن الأمر بإتباع القرآن الكريم يقترن بالتقوى، إذ يقول: “أيضاً فيما يتعلق باتباع القرآن الكريم، يقترن الأمر بإتباع القرآن الكريم بالتقوى، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام: الآية155]، اتقوا في إتباعه في أن تفرطوا في إتباعه، في أن تنحرفوا عن إتباعه؛ لأنكم إن انحرفتم عن إتباع القرآن الكريم، وفرطتم في إتباع القرآن الكريم، سيترتب على ذلك عقوبات ومخاطر كبيرة عليكم في الدنيا والآخرة”.
ويختم السيد القائد المحاضرة الأولى بالقول: “وهكذا تتسع مجالات التقوى في كل شؤون حياتنا، في كل شؤون حياتنا، فنستحضر مسألة التقوى في التزامنا وفق توجيهات الله وتعليمه، فيما علينا أن نعمل، وفيما علينا أن نترك، ونتخلص من الإتباع لأهوائنا، لمزاجنا الشخصي، لرغباتنا، لمخاوفنا النفسية، لا تكون هي المتبع، هي المعتمد، هي الذي نبني عليه أعمالنا، مواقفنا، انطباعاتنا، تصرفاتنا”.