الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري
صالح مقبل فارع
لا أستطيع أن أصف هذه القامة الكبيرة والقلعة الشامخة في هذه السطور أَو في مقالٍ صحفي..
لكن ونحن نمر بذكرى استشهاده سلام الله عليه وكوني أحد طلابه الملاصقين له قلت لا يصح أن تمر ذكراه دون أن نذكره أَو نكتب عنه شيئاً..
فالدكتور سلام الله سأحدثكم عنه بما رأيت وشاهدت لا بما سمعت فقط..
أولا: بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م تقلص المذهب الزيدي إلى حَــدٍّ كبير، وخَاصَّة في العاصمة صنعاء، إذ لم يجرؤ أحد من أبنائه أن يدرسه أَو يتدارسَه إلا في الحالات النادرة كانوا يدرّسونه في البيوت أَو في زوايا الجامع الكبير وعن طريق الخفية..
ولكن في الثمانينات ظهر رجال أكفاء وحملوا على عاتقهم نشر المذهب لئلا يندثر وحافظوا عليه من التيار الوهَّـابي الجارف، ففتحوا حلقات العلم وبدأ الطلاب يتوافدون إليها من كُـلّ محافظة وقرية ومدينة.. وكان أبرز الأساتذة في تلك الفترة هم المولى الحجّـة حمود عباس المؤيد والعلامة محمد بن محمد، المنصور والعلامة أحمد محمد زبارة والعلامة عبدالحميد معياد رحمهم الله جميعاً
وكان من ضمن الطلاب في تلك الفترة هو المرتضى بن زيد المحطوري، والذي بمُجَـرّد دخوله صنعاء أثرى المذهب الزيدي بشيء جديد، فبعد أن درس وتعلم عند المشايخ السابقين ولكونه ذكياً ونابغة وعبقريا استطاع أن يصبح في مصاف العلماء في فترة وجيزة وزمن قياسي، وأصبح أحد الأعمدة الأَسَاسية للمذهب في صنعاء، وتفوق على أقرانه في مجال العلم والتحصيل وفي مجال الخطابة والفصاحة كان رقم واحد في صنعاء، وكذلك في إبلاغ الحجّـة كان لا أحد يستطيع أن يجاريه في منطقه وعذوبة كلامه وسلاسة منطقه بحيث يُبهر الجالس عنده والمستمع إليه ويجذب السامع والمتلقي..
ورأى أن الوضع الكلاسيكي الذي يمر به المذهب غير مناسب للمرحلة.. فقام بإنشاء دورات صيفية في صنعاء في عدة جوامع، وكان أبرزها الدورة الصيفية في الجامع الكبير..
ولأن الطلاب كانوا يتوافدون إليه من كُـلّ حدب وصوب قام بتأسيس البليلي كمركزٍ للطلاب الوافدين من خارج العاصمة وسكن لهم.
ثم ازداد الطلاب إقبالاً على الدراسة في الجامع الكبير وتوافدوا من عدة محافظات وعدة مناطق، أبرزها: محافظات: حجّـة وعمران وصنعاء وذمار وإب والمحويت والجوف وصعدة، ناهيك عن أمانة العاصمة..
فأنشأ لهم مركزاً آخر هو مركز بدر العلمي والثقافي، وهذا المركز حوى: “جامع ومركز ومدرسة ومكتبة وسكن للطلاب والمدرسين ومركز للكمبيوتر وغيرها”.. فأصبح كالجامعة الذي يجد الطالب فيها كُـلّ شيء.
وبعد أن استقرينا في المركز في بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت السلطة المحلية بالعاصمة صنعاء بمضايقتنا والتهجم علينا بين الفينة والأُخرى، تارة من قبل حميد زياد وتارة باسم الضنين وأُخرى من قبل علي محسن الأحمر وغيرهم، وكانوا يحبسون الدكتور المرتضى كذلك بين فترة وأُخرى.
كان الدكتور المحطوري يستغل كُـلّ وقته لنفع الناس ولا يضيع أي فرصة أَو أي وقت.. دراسة وبحث وتحقيق وتعليم فجراً وصباحاً وعصراً وبعد العشاء، كُـلّ أوقاته سخرها لنا وللانتفاع بعلمه، حتى وهو في السجن كان يرسل إلينا لنحضر عنده في مقر اعتقاله، فكنا نحضر وندرس ونحقّق كتب التراث ونطبع وغير ذلك..
استطاع بنبوغه وعبقريته أن يصمد في وجه الدولة الوهَّـابية وحيداً فب العاصمة صنعاء وبجانبه ثلة من العلماء الإجلاء..
وبالإضافة إلى كُـلّ مشاغله التي كان يوليها جل اهتمامه وتوفير لقمة العيش لنا والسكن والمدرسين كان لا ينسى عمله الحكومي كدكتور في جامعة صنعاء كلية الشريعة والقانون، كأُستاذ للنحو أَو للسيرة النبوية أَو لمصطلح الحديث.
عاصرته وعايشته أكثر من 10 سنوات، فوجدته عالماً كَبيراً، وفي الحلقة كان يوصل المعلومة إلى عقولنا بسهولة وبدون تكلف.
وفي المنبر كان خطيب مفلق لا يجارى.
وفي التحقيق كان متميزاً جِـدًّا فهو يحقّق الكتاب ويثنيه ويخمسه ويضبطه بالشكل ويفسر كلماته الجزلة ويهتم بالإملاء والترقيم ليخرج الكتابُ مطبوعاً في السوق من أفضل الكتب الموجودة.
وكان متواضعاً يكنس معنا وينظف معنا ويدردش معنا ويأكل معنا ويشتغل معنا، لا يميز نفسه عنّا بشيء.
لم يَرُق للدواعش ولا للتكفيريين السلفيين ولا للإخونجيين المتأسلمين عمله فقاموا باغتياله في 20 من مارس 2015م، أي قبل العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن بستة أَيَّـام، اغتالوه وهو يخطب في منبره منبر، مسجد بدر، بانفجار مفخخ وسط الجامع أَدَّى إلى استشهاده واستشهاد مئات المصلين بجانبه..
سلام الله على شهيد المنبر الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، وعلى جميع الشــهـداء، وعند الله تجتمع الخصوم.