يعودُ التصعيد لنعودَ من جديد
منار الشامي
حكى التاريخُ عن اليمنِ الكثيرَ غيرَ أن أبرز ما لفتني خلال الاطّلاعِ على هذا الجانب هو ما جرى للرومان عندما حاولَ السيطرة على اليمن مُشنًّا حملةً عسكريّة ما بينَ عامي 24 وَ25 ق. م، إذ أنّ من أغربِ ما قامَ بِهِ اليمنيون آنذاك عندما وصلت طلائعُ الغزو الروماني مُحاصرةً مدينة مأرب فتحَ منافِذِ سدّ مأرِب التاريخي مما حدا إلى جرفِ أغلب الجيشِ واندحارِ الرومان مُنكّسي الرؤوس!
لم تكُن اليمنُ في أحد الأيّام لقمةً صائغة فنحنُ بفنّ الموتِ الّذي توارثناه طردنا مملكة الشمسِ “بريطانيا” وألحقنا عارَ الهزيمةِ بجيشِ “الأتراك” الّذين لا زالوا إلى اليومِ ينحبون بُكاءً إزاء ما جرى لهم في اليمن، دعكَ عن ممالك وأقوامَ وجيوشٍ مُتراصّة خرجت وهي تولولُ قائلةً “اليمنُ مقبرةُ الغُزاة”، هكذا عُرِفت اليمن ولعدوانِ اليوم كذلك ستُعرف.
في أقل من غضونِ أسبوع نهضَ اليمن مُتكئًا على الله ليُطلِق غضبُ التصعيدِ فيه عمليتين مُتتاليتين تحت اسم مُرعِب تجلّى في ” إعصار اليمن 1، 2″ مُجتاحًا مهلكةَ آل سعود ودويلة الإمارات، تحَرّكت العملياتُ العسكرية بتزامنٍ وتبادل بينَ القوّة الصاروخية وسلاحِ الجوّ المُسَـيَّر مُحقّقةً أهدافها بجدارة ومضمونًا لحديثِ رئيس الوفد الوطني إن عادوا عُدنا وعادَ اللّٰه معنا.
المُلفِتُ في العملياتِ الأخيرة تمثّل في المنظور العام في الجُرأة والتناهي وكذا الأهداف المرسومة بحساسيتها بدقّة بالإضافة إلى أبعادِ ذلك على المنطقة، ففي النقطةِ الأولى ظهرت اليمن دونَ خشيةٍ لأكثر من مِئة دولةٍ عالميًّا أعلنت تضامنها مع الإمارات ودوسًا على المُنظماتِ العالمية ومجلس الأمن والجامعة العبرية.
الجديدُ في النقطةِ الثانية هي استهداف قاعدة الظفرة الجويّة فبعدَ الأهداف المتنوعة في شرورة وعسير وجيزان وكذا دبي وأبو ظبي تسلّطَ الضوءُ عليها، إذ أنّ هذه القاعدة تعتبرُ البؤرةَ الأولى للتواجد الأمريكي في المنطقة، والتي تحملُ في طيّاتها آلاف الجنود الأمريكيين وأكثر من مِئة طائرةٍ متنوعة على نحوٍ استطلاعي وآخرٍ تزويدي وكذا حربي، وتتمثّلُ الأهميّة العُظمى في الرسالةِ المُباشرة لأمريكا قبلَ الإمارات.
النقطةُ الثالثة في أبعادِ ذلك بشكلٍ عام على المنطقة فلم تخفَ هذه المرّة الوجوهُ الإسرائيلية الواجمة دهشةً لجرأةِ من اسموهم “الحوثيين” واسترهابًا لمدياتِ صواريخهم وقوّتهم العسكريّة مُعبرين بأنّ اليمن يمتلكُ قوةً ممتازة، أمّا في الجانبِ الآخر فيقولُ محللون صهاينة بالحرفِ الواحد: جهات أمنية تقدر أن ميناء إيلات ومفاعل ديمونا وأهدافا أُخرى في “إسرائيل” سوف تكون ضمن بنك أهداف “الحوثيين”، ختامًا ليظهرَ رئيسُ شُعبةِ الاستخبارات الإسرائيلية سابقًا وهو يقولُ: التهديد الّذي طالَ الإمارات سيطالُ إسرائيل، داعياً إلى تكوينِ تحالفٍ أمريكيٍ صهيوني!
لقد أثبتت العملياتُ الّتي أدارتها اليمن أولًا فشل أنظمة الدفاعِ الجويّة وتحديدًا “الباتريوت”، ثانيًا الإخفاق المُتلاحق للاستخبارات العامّة لكلا الدولتين عوضًا عن أن وكالة “CIA” لها عينٌ في الموضوع تبعًا لوعودِ وزير الحربِ الأمريكي الّذي توعّد بحمايةِ حلفائهم في المنطقة، وثالثًا في أنّ التهديدَ المُباشر بمقابلةِ التصعيد يعني أنّ القوّة العسكريّة المتطورة والتقنيات الحديثة الغير مُعلنة قادرةً على تجاوزِ مدياتٍ أبعد تخشاها إسرائيل، ورابعًا في الانهيار الاقتصادي وقدرةَ اليدِ الطولى الّتي قالَ عنها محللون عسكريون بأنّ لها قُدرةً على فرضِ حصارٍ مُباشر على دويلة الإمارات، وليسَ لدى الشعبِ اليمني في هذهِ المعركة ما يخسره فما تركَ العدوانُ أي شيءٍ بحالِ سبيله، أمّا دويلةُ الإمارات ومهلكةُ آل سعود فهي مليئةٌ بدسومةٍ كبيرة ضمّها بنكُ الاستهداف التابع للقوات المُسلّحة فإن عادَ التصعيدُ نعودُ من جديد.