التربية الإيمانية للعاملين في سبيل الله( الأسلوب القرآني في إصلاح العيوب)
عمران نت – تقارير – 17 جمادى الآخرة 1443هــ
إن كل إنسان لديه عيوبه وأخطاؤه الشخصية والعملية، التي عادةً ما تكون بسبب البيئة والمحيط الذي نشأ فيه الإنسان، والثقافة السائدة التي تعلمها، وليس هناك إنسان كامل أو سليم من العيوب والأخطاء، فالكمال لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
وقد تحصل ممن هم في مقام العمل والمسؤولية أخطاء، وإن كانت بحسن نية، وعندما يقعون في بعض الأخطاء والتصرفات غير المقصودة بسبب ضغط وظروف العمل فإن هذا لا يعني – بأي حال من الأحوال- أنهم أصبحوا أشخاص سيئيين وفاسدين، فكل الناس معرضون للخطأ والزلل والوقوع فيه، فالنفس مليئة بالأخطاء والعيوب، ولذلك وقبل كل شيء فإنه ينبغي على كل شخص أن يسعى لإصلاح عيوب نفسه.
وفي هذا الصدد، يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في درس في ظلال مكارم الأخلاق، الدرس الثاني):
“إذا ما شعر كل واحد منا بعيوب في نفسه فليعمل جاهداً على إصلاحها وليدعو الله. نحن بحاجة إلى أن ندعو الله سبحانه وتعالى إلى أن يعيننا على أنفسنا في أن نصلح عيوبها, ونحن بحاجة إلى بعضنا بعض في أن نصلح عيوب بعضنا بعض: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية2) {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:3). إذا ما انطلق الناس فيما بينهم ينصح بعضهم بعضا, ويأمر بعضهم بعضا بالمعروف وينهاه عن المنكر, ونتواصى بعمل الحق, ونتواصى بالصبر على الحق.. أليس هذا هو من العمل على إصلاح أنفسنا؟ وعلى سد ثغرات عيوبنا؟”.
وفي ضوء ذلك، فإنه يلزم لإصلاح عيوب أنفسنا كعاملين في سبيل الله عز وجل الاتي:
يجب أن تدرك نقاط ضعفك، وعيوب نفسك، وجوانب القصور لديك، فلا يزال لدى الإنسان دائمًا ودائمًا نقاط ضعف، وجوانب قصور، وخلل، وتقصير.
أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة ويؤمن بها، ويخلص نفسه من الكبرياء والغرور الذي يبعث فيه الإعجاب المطلق بالنفس، وتمجيد الذات، وتوهم الكمال، وعليه أن يسعى جاهداً للتفتيش عن عيوبه وأخطاءه، ومراجعة نفسه، وتقييم أدائه، ويستفيد من دروس الحياة ووظائفها، وأعمالها، ويستفيد من عيوب وأخطاء غيره فيبقى ملتفتاً إلى نفسه وذاته بصورة مستمرة.
الالتجاء إلى لله سبحانه وتعالى، والاستعانة به، والإكثار من التوسل والدعاء في طلب إصلاح عيوب نفسه وسلامة أعماله، فمصدر كل مجدٍ وعزٍ وفضلٍ وكمالٍ هو الله سبحانه وتعالى، وليدعو بدعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين “عليه السلام” الذي يقول فيه: (أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، أللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إلاّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً اُؤَنَّبُ بِهَا إلاّ حَسَّنْتَهَا، وَلاَ اُكْـرُومَـةً فِيَّ نَاقِصَةً إلاّ أَتْمَمْتَهَا).
الاستعانة ببعضنا البعض في إصلاح نفوسنا وواقعنا، وقبول النصيحة من بعضنا البعض، وعدم الترفع عن قبول الانتقاد القائم على النصح والإرشاد، والحرص على صلاح بعضنا البعض ومجتمعاتنا، ولهذا أمر الله بالتعاون على البر والتقوى، والتناصح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإصلاح أنسنا وواقعنا والحياة من حولنا، وسد الثغرات التي تنشأ في أنفسنا وواقعنا العملي.
لا ينبغي أن نختلق الذرائع لتبرير مخالفتنا، ولا نصطنع التأويلات بحثاً عن المخارج وإنما نسعى إلى إصلاح عيوبنا.
النقد الصحيح في التربية الإيمانية:
إن النقد الصحيح هو نقد بناء ومثمر، وهو نصيحة مستندة على معلومات وحقائق، في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهناك فرق بين النقد وبين التشهير، في الأسلوب والمضمون، وفي الهدف والغاية من كل منهما، فالنقد والتحذير بالشكل الصحيح يسمى نصيحة، وإذا جاوز حده إلى التهويل والتخويف فهو إرجاف، وإذا كانت دوافعه غير بريئة فهو تشهير، أما إذا كان ضره أعظم من نفعه فهو حماقة، وإياك من مرافقة صاحبها؛ لأنه يريد أن ينفعك فيضرك.
يجب أن يدرك الجميع أن الأمور ليست مُنفلتة، وأن الحبل ليس على الغارب، وأن المجال ليس مفتوحاً لأي شخص لينشر الفوضى باسم النصح والإرشاد، ومن التصرفات غير المقبولة في النقد وتقديم النصيحة:: الانطلاق بعشوائية في الانتقاد، وتقديم النصح بدعوى الحرص والمسؤولية وسد الثغرات، واثارة الفوضى والتنازع والعداوات والأحقاد والفرقة والخلافات، وكذلك الهجوم والكلام السيئ على الآخرين، وانتقاصهم، والوصول إلى حد هتك الأعراض والكرامة، بالإضافة إلى بثّ الشائعات، ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، والغيبة والنميمة الهمز واللمز.
وإذا غاب النقد البناء والتواصي بالحق أمام الالتزامات العملية وفي السلوك والأداء العملي، وحلت محله المجاملة والمداهنة السلبية، والصمت والسكوت والجمود؛ فإنه يحصل الفتور والملل، وقلة النشاط، حينها تتعاظم الانحرافات، ويكثر الخطأ، ويكبر الانحراف، وتكثر الإشكاليات، ويترتب على ذلك المفاسد الكبيرة، ويغيب الحق شيئاً فشيئاً، تتسع المساحة التي يغيب عنها الحق في السلوك، في الالتزام العملي، في التصرف في القضايا العملية.
وفي ضوء ذلك، فإنه يجب أن تكون عملية التواصي بالحق بدافعٍ إيماني، وبطريقةٍ صحيحة، وبكيفيةٍ صحيحة، وفي جوٍ من المسؤولية والأخوة، والنصح الصادق، ومراعاة الكرامة، ولا ينبغي أن تتوجه عملية التواصي بالحق إلى مناكفات إعلامية، وإلى تصفية حسابات شخصية، والتجريح والتهجم، واستغلال الأخطاء للتهجم بها والتشنيع بها.
كما لا يجوز للإنسان وهو في إطار مسؤوليته كقائد أن يستاء من الشخص الذي أوصاه بالحق، وأن يأنف منه، ويغضب، ويستاء منه، ويحاول أن يبعده عنه وأن يتخلص منه، ويتعامل معه بالإقصاء إذا كان في نطاق مسؤوليته فهذه جريمة، فلا بدَّ أن نتقبل من بعضنا البعض التواصي بالحق، وأن يعتبر الإنسان هذا أمراً إيجابياً، وأنه علامة إيجابية ومؤشر إيجابي، مهما كان موقع الإنسان ومرتبته في أي مستوى من مستويات المسؤولية.
وفي هذا السياق، يقول السيد القائد هبد الملك بدر الدين الحوثي:
“عملية التواصي بالحق لا بدَّ أن تكون بدافعٍ صحيح، بدافعٍ إيماني، وبطريقةٍ صحيحة، وبكيفيةٍ صحيحة، وفي جوٍ من المسؤولية والأخوة، لا تتوجه عملية التواصي بالحق إلى مناكفات إعلامية، لا تتحول عملية التواصي بالحق إلى تصفية حسابات شخصية؛ لأنك استأت من إنسانٍ معين لاعتبارات شخصية، أو اعتبارات أخرى، ثم قمت بالتصيد لأخطائه، بالتصيد لأدائه العملي، بالتصيد لجانب القصور لديه؛ لتوظفها سلباً في مهاجمته، في الانتقاد السلبي، هناك فرقٌ كبير بين الانتقاد البناء والتواصي بالحق، بكيفيته الصحيحة والمسؤولة، والتي يجب أن تكون في جوٍ من الأخوة والنصح الصادق، ومراعاة الكرامة والأخوة. وبين عملية التجريح والتهجم، واستغلال الأخطاء للتهجم بها والتشنيع بها، هذا ليس تواصياً، هذا يتحول إلى حالة حرب إعلامية، أو حرب بالمناكفات الإعلامية، أو تجريح، أو تشويه… أو نحو ذلك. هذا ليس هو الأسلوب الصحيح” (الرمضانية المحاضرة الثانية عشرة، 1441هـ).