في سبيل الله.. عنوان الشهادة في المفهوم القرآني
الشهادة في سبيل الله هي تضحيةٌ بتوفيقٍ من الله -سبحانه وتعالى- في موقف الحق وفي إطار قضيةٍ عادلة، وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، والعنوان المهم: في سبيل الله، هو عنوانٌ للشهادة في مفهومها الإسلامي القرآني المقدس، وهي تختلف كثيراً عمَّا يعبِّر عنه الكثير من الناس في عناوينهم وفي قضاياهم، هي تنطلق من مفهومٍ عظيمٍ، ومفهومٍ مهم، هذا المفهوم هو: أنَّ الإنسان الذي يحتفظ بجوهره الإنساني القيمي والأخلاقي، هو أغلى وأعلى قيمةً من كل الموجودات على هذه الأرض، بل أغلى وأعلى قيمةً حتى من الأرض بكلها، قيمته في جوهره الإنساني أعلى من كل قيمةٍ لكل الموجودات في هذه الدنيا، ولذلك كما ورد عن الإمام علي -عليه السلام- في عبارةٍ مهمة: (إعلموا أنه ليس لأنفسكم ثمنٌ إلَّا الجنة، فلا تبيعوها إلَّا بها)، وكما أتى في النص القرآني المبارك في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: الآية111].
ولذلك عندما نتأمل في واقع البشر، نجد الكثير الكثير من أبناء البشر قاتلوا وقُتِلوا، ولكن أين؟ وكيف؟ وفي أيِّ سبيل؟ وبأيِّ دافع؟ الكثير من الناس مثلاً: بدافع الطمع المادي يقاتل ويُقتَل، وهو يسعى ليسيطر على أموال الآخرين بغير حق، على ممتلكات الآخرين بغير حق، تتسع المسألة بالنسبة للدول على مستوى السعي للسيطرة على شعب من الشعوب بكل مقدراته وثرواته بغير حق، ظلماً، وبغياً، وطغياناً، وعدواناً، وتتفاوت وصولاً إلى مستوى الفرد في مستوى حركته، وقدراته، وتوجهاته، ومواقفه، وفي مستوى قضيته.
البعض قد يقاتل ويُقتَل ولكن بدافع الإستكبار، والبغي، والتجبر، من أجل أن يمكِّن نفسه: إمَّا من سلطةٍ قاهرةٍ بغير حق للظلم والإستكبار… أو بأي مستوى، بأي هدف، لكن تحت عنوان الإستكبار، البعض بدافع الأحقاد والضغائن الباطلة، البعض قد يقاتل تحت راية ضلالة، البعض قد يقاتل تحت راية باطل، ولو كان بعنوانٍ دينيٍ حتى، لكنَّ هذا العنوان (في سبيل الله) له مضمونٌ مهم، يضبط موقف الإنسان بدءاً من دافعه، حيث يكون الدافع دافعاً راقياً بقيمة معنوية عالية، تنسجم مع قيمة هذا الإنسان في جوهره الإنساني، القيمة العالية جدًّا، الدافع ليس طمعاً، ليس استكباراً، ليس بغياً، الدافع ليس حقداً. الدافع دافعٌ إيمانيٌ، دافعٌ مقدس، دافع نبيلٌ، وسامٍ، وعظيم، ومشرِّف، دافعٌ ذو قيمة أخلاقية، ذو قيمة معنوية، ذو قيمة إنسانية، ذو قيمةٍ عند الله -سبحانه وتعالى- الدافع الإيماني دافعٌ نظيف، ينطلق الإنسان فيه من أجل الله -سبحانه وتعالى- ليس فيه حتى الريا، ليس فيه حتى الطلب للسمعة عند الناس، والمكانة بين أوساطهم. |لا| دافعٌ نظيف، من أجل الله -سبحانه وتعالى- استجابةً لتوجيهاته، استجابةً لأوامره، وللتحرك وفق تلك التوجيهات، وفق ذلك المسار الذي يحدده الله -سبحانه وتعالى- بتعليماته وآياته وتوجيهاته، يقف ذلك الموقف؛ لأن الله أمر بذلك، وجَّه بذلك، أرشد إلى ذلك، في موقف حق، وفي قضيةٍ عادلة، لا بغي، لا طغيان، لا تجبر، لا تكبر، لا إفساد في الأرض. |لا| موقف حق يشهد له القرآن بأنه حق، يشهد له القرآن بأنه يمثل قضيةً عادلة، وحينها يكون لهذه التضحية ثمرة وقيمة عالية جدًّا، وتمثِّل شهادةً في سبيل الله -سبحانه وتعالى- انطبقت فيها كل هذه العناصر: الدافع، الموقف، القضية العادلة.
أما عندما يكون الدافع دافعاً شيطانياً، دافع الهوى، دافع الأطماع، أو الأحقاد، أو المفاسد، أو الشهوات الرخيصة والدنيئة، فالمسألة مختلفة، عندما يكون الموقف باطلاً، المسألة مختلفة، عندما تكون الراية راية ضلالة، المسألة مختلفة، حتى لو حملت عناوين دينية، كما يفعل الدواعش والتكفيريون؛ لأن المضمون يختلف، لا يكفي العنوان، بل لا بدَّ من المضمون.
وهكذا نأتي إلى هذا العنوان لندرك من خلاله أيضاً قضيةً مهمة وحقيقةً مهمة: التحرك تحت هذا العنوان لا يعني أنك تقدم خدمةً لله -سبحانه وتعالى- وتسدي إليه خدمة، الله هو الغني، التحرك في سبيل الله هو تحركٌ في الطريق التي رسمها الله لنسير عليها كبشر، هي طريق عزة، طريق كرامة، طريق تحررٍ من كل عبوديةٍ لما سوى الله -سبحانه وتعالى- تحررٍ من العبودية للطواغيت، طريقٌ لا نكون فيها عبيداً إلا لله -سبحانه وتعالى- نكون فيها أحراراً، أعزاء، كرماء، نحظى بالعدل، نحظى بالرعاية الإلهية، نحظى بالكرامة، طريق رشد، وصواب، وخير، وحق، وفلاح، طريقٌ نرشد فيها في دنيانا هذه وفي مستقبلنا الأبدي في الآخرة، ولذلك يقول القرآن الكريم: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}[الصف: من الآية11]، ليس فيها شيءٌ يعود إلى الله، يمثل خدمةً له، أو جميلاً إليه، هو الغني -جلَّ شأنه- ولذلك قال: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: الآية6]، في طريق الجهاد والإستشهاد ندفع عن أنفسنا الشر، العبودية للطاغوت، الإذلال، القهر، الإمتهان، ونحقق لأنفسنا الخير، العزة، الكرامة، الفلاح، الحياة الطيبة… إلخ.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في ذكرى الشهيد 1441 هـ