مأرب والمندوبُ الأممي
عبدالرحمن مراد
حين اقترَبَ الجيشُ واللجانُ الشعبيّة من مأربَ تحَرَّك العالَمُ، وخرجت تصريحاتٌ ومواقفُ مندّدةٌ بالتصعيد، وتحدث مَن كان يلزَمُ الصمتَ أمامَ كُـلّ جرائم العدوان وأدواته، واستنفر مَن لم يستنفر في التطورات الأخيرة في مأرب، حتى مبعوثُ الأمين العام للأمم المتحدة تحَرّك وزار تعز وعدن والساحل الغربي في غطاء المساعي وهو يضمر في نفسه ما يضمر.
وَتحَرُّكُ المبعوث الأممي “هانس” في الجغرافيا اليمنية يبدو مريباً في هذا التوقيت، كما أن تصريحاتِه في تعز تبعَثُ إشاراتها الدالة على بعض خيوط اللعبة التي يريدها أن تكونَ في قابلِ الأيّام، قد يبدو المشهدُ قاتماً، لكن يمكن القولُ إن المجتمعَ الدوليَّ وصل إلى قرار يقضي بالاستغناء عن خدمات الإخوان في اليمن، ولذلك ارتبطت زيارةُ المبعوث الأممي لتعز بزيارة ذات تواشج عضوي بالساحل الغربي، الذي تشير التوقعات إلى نية دول العدوان تسليمَ طارق عفاش زمامَ اللُّعبة السياسية في الساحل وفي تعز، وربما في عدن، فقد تواترت الأنباءُ عن نية الانتقالي التعاوُنَ مع قوات طارق عفاش، بل كادت التصريحات أن تكونَ قابلةً لطارق كبديلٍ وإن بدا ظاهرها القبول بالتعاون إلا أن الإماراتِ ربما اتخذت قراراً بعدم الوثوق بالزبيدي وجماعته لما وجدته فيهم من انتهازية وزيف وتضليل، فأصحابُ القرية لا يتحَرَّكون بمشروعٍ في عدنَ، وقد قالت الأيّامُ ذلك، كما إن حساباتِهم غيرُ واعية ولا دقيقة، ولذلك أصبحوا يشكّلون عِبئاً على التحالف، خَاصَّةً بعد الجرائم التي قاموا بارتكابها في الطرق والنقاط الأمنية والعسكرية، فكانت بالنسبة للتحالف كالقشةِ التي قصمت ظهر البعير.
ويبدو أن انسحابَ السعوديّة من عدنَ يصُبُّ في هذا الاتّجاه، أي في منحى الترتيبات الجديدة التي يشتغلُ عليها المبعوثُ الأممي، فقد تواترت الأخبارُ عن قيام السعوديّة بسحب المعدات والآليات الثقيلة وتحَرّكت الناقلات باتّجاه ميناء عدن، وهو الأمر الذي يعني أن السعوديّة سوف تتركُ عدنَ باتّجاه المهرة أَو العودة إلى جدة، لكني أرجحُ القولَ الأوَّلَ بتحَرُّكِها إلى ميناء نشطون بالمهرة، فلها مصلحةٌ في المهرة وهي ترغب في تحقيقها.
المبعوثُ الأممي لا يبدو جادًّا في تحقيق سلام شامل وعادل، بل يناور ويعيد ترتيبَ انساق الصراع ومفرداته في اليمن، وهو بذلك يصبح أدَاةً بيد المستعمر في إطالة أمد الصراع في اليمن وليس لغرض تحقيق السلام، كما أن تحَرُّكَه وتصريحاته ليست بريئةً ولا يمكنها أن تكون كذلك ولكنها تحمل توجيهات لا يفك شفراتها إلَّا خبراءُ المخابرات العالمية الذي يضعون الخططَ والاستراتيجياتِ ثم يشتغلون عليها في واقعِ الشعوب العربية وفي حيواتهم.
النظامُ الرأسمالي الذي تديرُه أمريكا وبه ومن خلال تدير العالم نظامٌ يعتمدُ التضليلَ وتزييفَ الحقائقَ للوصول إلى غاياته وأهدافه، وفي إحداث التوازن بين مصالح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن دون مراعاة لمصالح الأمم والشعوب ولا القوميات المستضعَفة في الكرة الأرضية، فهو نظامٌ غابي متوحش قد يصلُ إلى مكاسبه من خلال شلالات الدم المراق كما هو عليه حالُ العرب اليوم.
تحريرُ مأربَ يعني هزيمةً مدويةً للتحالف الدولي الذي أعلن حربه على اليمن، ولذلك يسعى هذا التحالف إلى تحاشي الوقوع في الهزيمة من خلال الإيحاء برغبته في إحلال السلام وتسليم مأرب وإعادة تموضعه في الخارطة الجنوبية، ما يوحي بإحياء فكرة الجنوب العربي التي اشتغل عليها المستعمرُ في القرن العشرين ولاقت فشلاً ذريعاً وقتَها، وسوف تجد نفسَ الفشل إن لم يكن أفظعَ منه اليوم.
فقد المرتزِقةُ كُـلَّ أوراقهم وجاءهم خريفُ السياسة فتركهم عراةً دون ساتر يسترهم، فقد تحَرّك التحالف لائذاً بمصالحه وتركهم يندبون حظَّهم، ولذلك نجد أكثرهم يقول بخذلان التحالف أَو يعلّق هزائمَه على شماعة التحالف.
مأرب أضحت قاب قوسين أَو أدنى، وقد عرف الناس في مأرب أن صنعاء أقرب لهم من الرياض ومن أبو ظبي فجاءوها زرافاتٍ ووُحداناً يبثون شكواهم ويعتذرون لها عن العقوق، فلم يَسَعْ صنعاءَ إلَّا الغفرانُ، ولن تكونَ صنعاءُ إلا كما عهدناها، وسوف تنتصرُ صنعاءُ ويندحرُ الغزاةُ ويخسر المرتزِقة تاريخَهم، فالمال لن يصنع لهم تاريخاً مشرِّفاً.