تحرّكات أميركية لإغاثة السعودية: فَلْنُؤخّر ساعة مأرب
صحافة
تستعدّ الولايات المتحدة بتحريض من السعودية، لتعميق انخراطها في معركة مأرب، في ظلّ توالي الانتكاسات على جبهة القوات الموالية للرياض. وفيما ترغب الأخيرة في أن يكون التدخّل الأميركي مباشراً، بما يكفل، من وجهة نظر، إعادة عقارب الساعة الميدانية إلى الوراء، يبدو أن ما ستُقدِم عليه واشنطن هو زيادة جرعة الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري، أملاً في منع، أو على الأقلّ، تأخير استعادة «أنصار الله» المدينة
مع سيطرة قوّات صنعاء على كامل مديريات جنوب مأرب الستّ، تتزايد مخاوف السعودية، ومن ورائها حليفاها الأميركي والبريطاني، من سقوط مركز المحافظة، والذي سيَسقط معه خطّ الدفاع الأوّل عن مصالح تلك الأطراف في مأرب وفي المحافظات الجنوبية. ومن هنا، بدأت تبرز مؤشّرات إلى استعدادات أميركية لدخولٍ أقوى على خطّ المعركة، بهدف وقف مسلسل الانتكاسات المتوالية التي تتلقّاها قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي ستنتهي في حال استمرارها إلى ضربة قاصمة لما تُسمّى «الشرعية». وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار»، من مصادر متقاطعة، أن «ضبّاطاً أميركيين وسعوديين التقوا قبل أيام عدداً من قيادات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لهادي، وقيادات في ميليشيات حزب الإصلاح، في وادي حضرموت، حيث تمّ الاتفاق على حشد عناصر من تنظيم القاعدة في اتّجاه جبهات القتال في جنوب مدينة مأرب وغربها».
ووفقاً لمصادر استخباراتية، فإن «القوات الأميركية المتواجدة في مطار الريان الدولي في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، أنشأت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بتمويل سعودي، مدرّجاً جديداً في الجانب العسكري من المطار بطول 350م تقريباً، وقد دخل الخدمة منذ أسبوع، وهو يستقبل رحلة جوّية عسكرية يومياً»، ومن ضمن الطائرات العسكرية الأميركية والسعودية التي يستقبلها، طائرات من نوع «C-130» المخصّصة للنقل العسكري والمعروفة بحمولتها الكبيرة.
وأكّدت مصادر محليّة في المكلا وجود حركة شحن عسكري نشطة في المطار منذ أيام، مشيرة إلى مغادرة طائرات نقل يُعتقد أنها أميركية، وأخرى عمودية أميركية، يوم الاثنين الماضي، مطار الريان الذي يُستخدم كقاعدة عسكرية للقوات الإماراتية والأميركية منذ النصف الأول من عام 2016، واستقبل في تموز الماضي نحو 100 جندي أميركي قَدِم معظمهم من مطار الغيضة في محافظة المهرة. كذلك، كشفت مصادر مطّلعة، السبت الماضي، عن وصول شحنة أسلحة متنوّعة ومتطوّرة، برفقة عناصر أميركيّين، إلى مقرّ لواء الدفاع الساحلي، بدعوى «تأمين الهضبة الشمالية الغربية لمحافظة حضرموت». إلّا أن التحرّكات الأميركية الأخيرة على الحدود مع محافظة مأرب، تأتي بحسب، مصادر «الأخبار»، تلبية لمناشدة سعودية بتعزيز الدعم المُسدى لها في هذه المعركة.
أنشأت القوات الأميركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية مدرجاً جديداً في الجانب العسكري من مطار الريان
ويلفت اللواء خالد غراب، وهو خبير عسكري مقرّب من وزارة الدفاع في صنعاء، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الاهتمام الأميركي بمسار معركة مأرب تصاعد أخيراً مع وصول المعركة إلى مرحلة حاسمة»، مُذكّراً بأن «الأميركيين سبق لهم أن بعثوا بخبراء عسكريين ميدانيين إلى المحافظة، وهم يرون في تحريرها خسارة كبرى لمصالحهم، ليس في اليمن فقط، وإنما في المنطقة». ويشير غراب إلى «الحرب على اليمن أُعلنت من واشنطن، وهي أميركية بامتياز، وقد قامت أميركا خلال السنوات الماضية بتقديم دعم لوجيستي كبير ومكشوف للعدوان السعودي»، مضيفاً أن «كلّ الهجمات الجوّية التي ينفّذها طيران العدوان هي بإشراف وتوجيه ضبّاط أميركيين، فأميركا كانت وما زالت تقدّم الإحداثيات للعدوان السعودي، وتحدّد الغارات، وتتولّى مهامّ الأعمال الاستخباراتية، وتقوم بالاستطلاع». ويعتبر الخبير العسكري، مجيب شمسان، بدوره، أن «المشاركة الأميركية في معركة مأرب واضحة»، مُذكّراً بأن «الدفاعات الجوية لقوات صنعاء أسقطت خلال الفترة الماضية عدداً من الطائرات الأميركية الحديثة من نوع سكان إيجل، ذات التقنية المتطوّرة في مجال الاستطلاع، في سماء مديريات مدغل وصرواح». ويرى شمسان أن «الانخراط الأميركي، أكان عبر عناصر محدودة من البحرية الأميركية أم بتقديم الخدمات اللوجيستية في العمليات الجوية، يعكس مخاوف واشنطن من خروج مأرب من تحت سيطرة المرتزقة والعناصر الإرهابية».
ومن شأن سيطرة حركة «أنصار الله» على كامل محافظة مأرب، أن تفتح الطريق على التفرّغ لمواجهة الخطط العسكرية الأميركية في السواحل الغربية بالقرب من مضيق باب المندب، وفي السواحل الجنوبية والشرقية الواقعة على البحر العربي، والتي تتّخذ من «مكافحة الإرهاب» ذريعة لإحكام السيطرة على المضائق الدولية والممرّات المائية. لذا، فلن يكون مستغرباً إذا ما رمت واشنطن بثقلها لمنع، أو في الحدّ الأدنى تأخير، استعادة الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» المدينة، التي تحوز أهمية استراتيجية باعتبارها موطناً للثروات النفطية والغازية، ومن شأن تحريرها الدفْع في اتّجاه كسْر الحصار المفروض على اليمن. إلّا أنه يبقى السؤال عن شكل التدخّل الأميركي المحتمل؛ ففيما تُمنّي السعودية النفس بأن يكون تدخّلاً مباشراً، تدرس واشنطن خطواتها بحذر، خصوصاً في ظلّ استمرار التجاذب الداخلي حول صلاحيات الرئيس في المشاركة العسكرية في الحروب الخارجية، ما يرجّح فرضية زيادة جرعة الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري على ما سواها من فرضيات.
الأخبار اللبنانية