هل تُرغم السعودية على “ضريبة الحماية”؟
ذو الفقار ضاهر
كثيرة هي التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية منها ما يتعلق بالمسلمين والمهاجرين وصولا للعلاقة مع بعض الدول العربية والإسلامية وفي طليعتها السعودية، حيث هدد الرياض أكثر من مرة بضرورة دفع “ضريبة الحماية” التي تقدمها لها الولايات المتحدة، فالرجل كان واضحا في شعاراته الانتخابية التي كررها أكثر من مرة أن على السعودية إما الدفع أو سترفع الحماية عنها.
وقال ترامب: “نحن دولة تقدم الكثير مقابل خدمات الحماية ودولة عليها ديون واجب ان يتم تغطيتها.. قد يضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم أو عليهم مساعدتنا فنحن دولة لديها ديون تبلغ 20 ترليون دولار..”، فالمال هو الهدف الذي يريده ترامب من السعودية كثمن لاستمرار “العلاقة التاريخية” مع المملكة، وسيكون الابتزاز هو السلاح الأمضى لسحب كل ما تريده الإدارة الأمريكية من القيادة السعودية.
ترامب وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى التهنئة التي قام بها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز لترامب بعيد الإعلان عن فوزه كرئيس للولايات المتحدة، فقد أشاد الملك سلمان بـ”العلاقات التاريخية” الوثيقة بين واشنطن والرياض، التي يتطلع “الجميع” إلى تطويرها وتعزيزها في المجالات كافة لما فيه خير ومصلحة البلدين.. فهل هذه العلاقة التاريخية ستتعزز من جديد ويجري العمل لتطويرها فعلا عبر ضخ المال السعودي الذي ترصده الإدارة الأمريكية الجديدة؟ وهل لدى السعودية -التي تعاني ما تعانيه اقتصاديا وماليا- أن تدفع أثمانا جديدة اليوم لواشنطن؟ ألا يكفي كل ما سبق أن دفعته هذه الدولة من خيراتها وخيرات شعبها للأمريكيين حتى يأتي اليوم من قيادتها من يتمادى بالتفريط بأموال الناس وحقوقهم؟
ترامب.. الشعارات أم المبادئ؟!
والاهم من كل ذلك هل ترامب على استعداد لقبض الثمن والإبقاء على الرضي الأمريكي عن السعودية التي باتت اليوم تثقل كاهل الإدارة الأمريكية عبر تورطها في حروب عديدة؟ أم أن لترامب مبادئ لن يحيد عنها فيما يتعلق ببرنامج عمل أعلنه للناخبين الأمريكيين الذين انتخبوه لأنه على هذه الصورة وعلى هذا المنوال من التصعيد الناري بل على هذا الطراز من الجنون؟ ولكن قد يعتبر البعض أن اليوم ترامب هو ساكن للبيت الأبيض بصفته رئيسا ولن يتصرف إلا انطلاقا من هذا الأمر، حيث لا شعارات انتخابية ولا حملات احتفالية تجعله يطلق المواقف الحماسية، فهل سنرى ترامب يتصرف بعقلية الرئيس الذي همه يجب ان يكون البحث عن مصالح دولته أولاً وأخيراً بعيدا عن المزايدات الانتخابية؟
والأكيد أن الإدارة الأمريكية سواء بوصول ترامب أم قبله، فهي لا تعرف الصداقات الدائمة والمطلقة – اللهم إلا فيما يتعلق بالكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يبقى على رأس سلم أولويات الولايات المتحدة – فالتجارب أثبتت أن الأمريكي يتخلى عن حلفائه واتباعه عندما تتطلب مصلحته ذلك، حتى ولو كان هذا التابع مخلصا لدرجة تشبه بعض الأنظمة العربية التي سقطت بغمرة ما يسمى بـ”الربيع العربي” نتيجة التآمر والرغبة الأمريكية والإسرائيلية رغم كل ما قدمته هذه الأنظمة للأمريكي والإسرائيلي على مدى عشرات السنين.
الحماية.. أم الضوء الأخضر؟!
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى قانون “جاستا” الذي أوجدته السلطات الأمريكية لمزيد من الضغط على السعودية وقياداتها، بحجة تعويض أهالي ضحايا “11 سبتمبر”، بما يشكل باباً مهما لابتزاز المملكة، فهل سيعمل ترامب على تفعيل وتزخيم هذا القانون بوجه السعودية ام انه سيكتفي بالأثمان التي سيحصل عليها منها كضربية لتقديم الحماية لها من الأخطار؟
ولا ندري ما هي الأخطار التي تهدد المملكة، فهل هي الجماعات الإرهابية التي هي سعودية الفكر والمنشأ والتمويل؟ أم أن التهديد يأتي من اليمن الذي تقود عليه السعودية بضوء اخضر امريكي حربا شعواء دمرت فيه كل شيء ولم توفر لا الإنسان ولا البنى التحتية ولا أي معلم من معالم الدولة الحضارية؟ أم أن التهديد المقصود سيأتي من العراق وسوريا والبحرين التي لا يتوانى قادة السعودية عن التآمر عليها؟ أم أن التهديد قد يأتي من مصر التي تريد السعودية التدخل في شؤونها ولا توفر فرصة إلا وتسعى للتلاعب بمصالحها الوطنية؟ فالأجدر بترامب القول إن الولايات المتحدة تريد أن تحصل على مزيد من الأموال السعودية كثمن للتغطية على الممارسات السعودية على امتداد المنطقة والعالم لان الحماية يجب أن تقدم لباقي الدول من أفعال السعودية لا العكس.
إلا أن ترامب مهما حاول الذهاب بعيدا في تطرفه المعروف عنه إلا أن الجميع يدرك انه ليس هو من يرسم السياسة العامة للولايات المتحدة بل هناك غرف مغلقة تقرر فيها هذه السياسات، وصحيح ان للرئيس -وفريق العمل المساعد له- بصمة على الأحداث واتخاذ بعض القرارات، إلا أن المشهد ترسمه بالإضافة إلى البيت الأبيض، مراكز عديدة منها: وزارتي الحرب والخارجية، مجلسي الشيوخ والنواب، أجهزة الاستخبارات المختلفة، شركات تصنيع وبيع السلاح، اللوبيات المختلفة وفي طليعتها اللوبي الصهيوني واللوبي الاقتصادي..
وبالختام لا بدَّ من التذكير ان ترامب لم يصل الى البيت الأبيض إلا بعد تجاوزه معارضة واضحة له سواء على صعيد حزبه الجمهوري او على الصعيد الوطني الأمريكي، فالرجل تواجهه معارضة قوية داخل الكونغرس ذات “الأغلبية الجمهورية” ناهيك عن التواجد “الديمقراطي” مما يزيد من فرص تقييد الرئيس في أي قرار سيتخذه ولا تقدر الأغلبية انه يحقق مصلحة البلاد، أي أن ترامب رغم كل هذه الهالة التي يحاولون تصويره بها في الإعلام إلا انه سيكون مقيدا في أكثر من محطة تحت سقف المصالح الأمريكية.
نقلاً عن موقع المنار