في رحاب تعظيم النبي
منير الشامي
من أعظم آفات الجهل التي وقعت فيها الأُمَّــة في حاضرنا جهلها برسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- فهي تجهل عظمته وقداسته وتجهل منزلته وقدره، وتجهل حقوقه العظيمة عليها، ومسؤولياتها تجاه النبي صلوات الله عليه وعلى آله.
لو تأمل الناس فقط وتدبروا كيف عامل الله سبحانه وتعالى نبيه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وكيف خاطبه لوجدوا أن الله الملك الجبار من لا تساوي الدنيا عنده جناحَ بَعوضة عامَلَ رسول الله معاملةً عظيمةً وخاطبه بأرقى أساليب الخطاب المهذب والمفعم بالحفاوة والإجلال والتشريف والتكريم تعظيماً وتمجيِّدًا له وتأدباً في مخاطبته ومناداته وهو ربه ومولاه ومالك أمره كله موته وحياته وجوارحه وأنفاسه، وخصه بهذه المعاملة دون كُـلّ رسله فالله سبحانه وتعالى نادى رسله بأسمائهم كما ناداهم قومهم كقوله:
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)، (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ)، (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)، (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْت هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم)، (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ)، (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ)، (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ).
وكذلك الحال مع بقية رسل الله أما سيدنا محمد فقد خاطبه الله وناداه بصفته تعظيماً له وتشريفاً وتكريماً فخاطب الله نبيه بـ (يا أيها النبي) ثلاثة عشر مرة وناداه بـ (يا أيها الرسول) مرتين ولم يناده أَو يخاطبه باسمه أبداً وقد ورد اسم نبينا (محمد) -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- في القرآن بأربع آيات فقط في سياق جمل خبرية غير جمل النداء والخطاب.
وهذه الحقائق تدل على أن الله سبحانه وتعالى يعظّم عبده ويجله ويشرفه ويكرمه والله تبارك وتعالى هو المنعم على سيدنا محمد والمتفضل عليه، فكيف بمن يكون سيدنا محمد هو المنعم عليهم والمتفضل عليهم بعد الله، ألا يدل ذلك على أن الله فرض على جميع المسلمين تعظيم سيدنا محمد وتبجيله وتوقيره وتقديسه؛ لأَنَّه ولينا ومولانا وولايته علينا كولاية الله تماماً فهي امتداد لها، ما يعني أن ولايته علينا ولاية مالك متصرف وأنه يملك أمرنا كله وليس لنا أمام ولايته سوى السمع والطاعة والتسليم المطلق والكامل وهذا ما يجب أن يدركه كُـلّ مسلم ومسلمة وأن تعظيم رسول الله وتوقيره فرض واجب على كُـلّ مسلم ومسلمة يثاب من فعله وأما من أعرض عنه فلا يتوقف الأمر عند حدود الذنب أَو المعصية، بل إن المعرض عن ذلك قد أدخل نفسه بإعراضه دائرة الضلال من أوسع الأبواب ويكفي أن نعرف أن الله بين لنا في سورة الحجرات أن مُجَـرّد رفع الصوت بحضرة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، أَو مناداته كما ننادي بعضنا البعض يحبط جميع أعمالنا الصالحة حتى ولو كانت كما يقال كجبال تهامة، وحبط العمل يعني أن يصبح وجوده كعدمه لا أثر له ولا قيمة ولا وزن، الأمر الذي يعكس أن وزر النداء لرسول الله المتجرد من التعظيم والتقديس يمحق العمل الصالح للمرء تماماً كما أن تعظيم النبي، صلوات الله عليه وعلى آله، من أبرز مظاهر التقوى لله وأدلة عظمة الإيمان قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ورسول الله من أعظم شعائر الله تعالى.