ثورة الإمام زيد.. المسمار الحسيني الأخير في نعش دولة الأمويين
منير الشامي
رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في منامه يوما رؤيا أزعجته، رأى أن بني أمية ينزون على منبره الشريف نزو القردة، فعرف صلوات الله عليه وعلى آله انهم سيتمكنون من الأمة ومن أمرها وأخبره الله بذلك، فقال موصيا للأمة بالخلاص من تسلطهم ومحذرا لها من الخنوع (إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه).
وفي هذا الحديث الشريف إشارة واضحة إلى أن معاوية سيكون أول متسلط على الأمر وأول متجبر على الأمة، وفيه أيضا أمر نبوي بقتله وليس مجرد الخروج عليه فقط لأن في قتله إنقاذا للأمة من كل ما قامت به دولة بنو امية، وصلاح لها من الانحراف الذي حصل لها بسبب سياسة التجهيل والتبديل لمبادئ الدين وقيمه الحنيفة.
ومثل هذه الحقائق لم يدركها إلا أولو العزم من عظماء الأمة أولهم الإمام علي عليه السلام وثانيهما الإمام الحسين وثالثهما الإمام زيد بن علي عليه وعلى آبائه السلام، لقد كان الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ثاني اثنين في الخروج على الظالمين بعد أبيه أمير المؤمنين الإمام الأعظم علي بن ابي طالب عليه السلام، وكان الإمام زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ثالث ثلاثة في ذلك حينما خرج على هشام بن عبدالملك عام 122 هـ ، في ثورة تصحيحية هي امتداد لثورة جده السبط الإمام الحسين عليه السلام، فخروجه كان لنفس الأسباب التي خرج من أجلها جده السبط (عدم العمل بالحق وعدم التناهي عن الباطل)، ودوافعه للخروج هي نفس دوافع جده الإصلاح الشامل في أمة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكما بينها الإمام الحسين بقوله (إن كان دين الله لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ) قال حفيده الإمام زيد (والله لوددت أن يدي ملصق بالثريا، ثم أقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن يصلح الله بذلك أمر أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وكانت غايته من الخروج نفس غاية جده السبط الإمام الحسين والتي بينها بقوله (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) فهدفهما عليهما السلام كان هدفا واحدا هو طلب الإصلاح لحال الأمة ورفع طغيان المستكبرين عن مستضعفيها ، ودفع ظلمات التجهيل وغشاوات التدجين عن أفئدة أبنائها وبصائرهم وإعادتها إلى الصراط المستقيم ونهج الدين المحمدي القويم وانطلق كما انطلق جده السبط الإمام الحسين وعلى نفس النهج والثبات في حمل المسؤولية تجاه دين الله وتجاه عباده، وإذا كان الإمام الحسين عليه السلام هو القائل (ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى لنا الله ورسوله والمؤمنون ذلك وحجور طابت وطهرت، ونفوس أبية، وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)، فإن حفيده الإمام زيد عليه السلام قد أوجز هذه الكلمات بعبارة واحدة جسدت كل المعاني التي وردت في كلام جده السبط عليهما السلام بقوله: (من أحب الحياة عاش ذليلا)
إذن فثورة الحفيد هي امتداد طبيعي لثورة جده السبط وثورة كربلاء لم تهدأ يوما ولم تنطفئ شرارتها لحظة واحدة، وما بين ثورة السبط وحفيده ثورات حسينية لم تتوقف كثورة التوابين وثورة المختار الثقفي وثورة الحسن بن الحسن عليهما السلام وحتى ثورة الإمام زيد .
ولذلك فلا يمكن الفصل بينهما إلى ثورتين او اعتبار كل منهما ثورة مستقلة ﻷنهما فعلا ثورة واحدة ظلت متقدة ومشتعلة من عام 61هجري إلى عام 122 هجري، وبمعنى آخر فالشرارة الأولى لثورة الحسين بن علي انطلقت من كربلاء واستمرت حتى ثورة الإمام زيد التي كانت الضربة التي أسقطت دولة بني أمية عام 132هجري.
لقد خاض الإمام زيد ثورته في مواجهة الطغيان الأموي بقلة قليلة من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لم يتجاوز عددهم الـ 218 رجلا من بين أكثر من خمسة عشر ألف مبايع له من الكوفة وحدها وبهم صارع جيشا جرارا لهشام بن عبدالملك لقرابة يومين كاملين، أصيب الإمام زيد عليه السلام بسهم أصابه في جبينه نهاية اليوم الثاني فصاح عليه السلام “الشهادة الشهادة”، وبمجرد أن نزع السهم عن جبينه نال الشهادة بعد أن أوصى ابنه يحيى بمواصلة المواجهة ، وكانت ثورته المسمار الحسيني الأخير في نعش دولة بني أمية، فلم يطل بقاء النظام الأموي كثيرا بعد استشهاده، ولم تكد تمضي عشرة اعوام على ثورته إلا وسقطت دولة الجبروت الأموي رغم قوة بنيانها وتهاوت عروشها رغم ثباتها وانهارت أركانها رغم صلابتها، سقطت الدولة وسقطت قوة سيوفها امام قطرات دماء الثائرين الاحرار من دم الإمام الحسين وحتى دم حفيده الإمام زيد فسلام الله على الحسين وعلى أهله وأصحابه وسلام الله على الإمام زيد وعلى أهله وأصحابه وسلام الله على كل ثائر حسيني ضد كل طاغ يزيد في كل زمان ومكان وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.