إمام البصيرة والجهاد

زيد الشٌريف

كان من أهم المبادئ والأسس التي تحرك على أساسها الإمام زيد عليه السلام في ثورته ضد ظلم وطغيان وفساد هشام بن عبد الملك بن مروان هو صناعة الوعي والبصيرة في نفوس الناس، لأنه يدرك جيداً ان المجتمع بدون الوعي والبصيرة لن يستطيع تغيير واقعه إلى الأفضل ولن يتحرك لمواجهة الطواغيت والثورة ضدهم ولو تحرك لكان تحركه هزيلاً وضعيفاً ولن يصل إلى النتيجة التي ينبغي تحقيقها، أما اذا تحرك بوعي وبصيرة عالية مصحوبة بالإيمان والثقة العالية بالله والتوكل عليه فإنه قادر على تحقيق الكثير من قيم الخير والعدل والحرية في واقعه وقادر على التغلب على الطواغيت والمفسدين ، ولهذا كان الإمام زيد عليه السلام يقول (البصيرة البصيرة ثم الجهاد) وهنا علينا ان نتأمل جيداً في هذا المبدأ العظيم ونفهمه ونتعرف عليه حق المعرفة ونسأل أنفسنا: ما هي البصيرة التي دعا إليها الإمام زيد عليه السلام؟

البصيرة : معناها الفهم والوعي والإدراك والحكمة والفطنة والتمييز والذكاء والقوة والشجاعة والخبرة والحنكة والدليل والحجة والبرهان والنور والهدى والإيمان والتقوى والعلم والمعرفة والرؤية الواضحة والعقائد الصحيحة والسليمة والثقافة القرآنية والنظرة الثاقبة والحقائق الجلية والإحسان والمسؤولية والالتزام والانضباط والوحدة والاعتصام والثقة المطلقة بالله تعالى والعزيمة والإرادة والقيم والمبادئ العظيمة والأخلاق الحسنة والفاضلة والعزة والكرامة والحرية والاستقلال وكل ما له علاقة بالخير والحق.

البصيرة هي نور من الله تعالى يغمر النفوس والعقول والقلوب التي تهتدي بهدى الله وتتحرك في ميدان الحياة والناس بهدف التصدي والمواجهة لكل أنواع الظلم والفساد والباطل والطغيان والإجرام وبهدف إصلاح واقع الناس وفق تعاليم الإسلام ووفق السنن الإلهية ووفق منهج الله تعالى وبما ينسجم مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها القائمة على التكريم والعبودية المطلقة لله وحده هذه هي البصيرة.

البصيرة ليست سلعة يمكن شراؤها ولا بذرة نباتية يمكن زراعتها و جني محصولها البصيرة سحابة من النور والهدى والوعي والحكمة يهطل غيثها في أعماق سور وآيات القرآن الكريم تنهمر فقط على قلوب وعقول من تشبعت نفوسهم بمعرفة الله وحبه والتسليم والطاعة له فتسقي جداول البابهم بالمعرفة وتحييها بعد موتها وتدفع أصحابها إلى التحرك العملي الجاد والفاعل نحو التغيير والإصلاح والبناء في مختلف المجالات، وتشمل نتائجها الإيجابية الحياة بكلها ويجني الإنسان ثمارها في الدنيا والآخرة ، البصيرة ثقافة قرآنية تترسخ في النفوس لا يخالطها شيء من الشك والريب والتردد والجهل والضلال والانحراف، البصيرة وقود تربوي إيماني ثوري جهادي ليس له حدود يمنح صاحبه الطاقة الوجدانية والعملية ويجعله ينطلق في ميادين الصراع ضد الباطل بعنفوان ويقين وقوة معنوية ونفسية ليس لها نظير ولا يمكن للباطل التصدي لها أو التغلب عليها.

هكذا أراد الإمام زيد عليه السلام أن يصنع ثورة من الوعي والبصيرة في النفوس والعقول والقلوب والأفئدة مشحونة بنور الله وهديه ومعرفته وحبه، ثورة تخلق مجتمعاً قوياً عظيماً مرتبطاً بالله تعالى بشكل دائم، منهجها القرآن الكريم وقيادتها أعلام الهدى وورثة الكتاب ومشروعها في سبيل الله، لهذا كان يقول ويردد (البصيرة البصيرة ثم الجهاد) لأن البصيرة إذا توفرت وغمرت النفوس وسيطرت عليها فهي سلاح عسكري بعيد المدى يضرب بقوة الله ويحصد الإنجازات والانتصارات بأمر الله وتأييده وتسديده وهي سلاح معنوي يقضي على كل عوامل التفريط والتقصير والتيه والإهمال والضعف ويزرع بدلاً عنها القوة والعزة والنشاط والعنفوان وحينها يكون صاحبها منظومة من القيم العظيمة والمبادئ السامية يتحرك في كل الميادين همه فقط رضوان الله ونصرة دينه ومقارعة أعدائه.

البصيرة التي دعا إليها الإمام زيد عليه السلام هي عمل تربوي يشمل كل مجالات الحياة الثقافية والتربوية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية والأمنية وغيرها من المجالات وعندما تتربى النفوس على البصيرة تتغير إلى الأفضل وتنطلق لتغير واقع الحياة وترفض الظلم والفساد والطغيان والانحراف والتحريف وتصلح الواقع بالشكل الذي يجب ان يكون عليه بحيث يكون واقعاً قائماً على الشعور بالمسؤولية ويكون المجتمع فيه مجتمعاً قوياً واعياً يعيش الحياة الكريمة التي اراد الله له ان يعيشها ، وعلى هذا الأساس تحرك الإمام زيد عليه السلام وعلى أساسه ثار وجاهد واستشهد في سبيل الله.

مقالات ذات صلة