تخادُمٌ أممي – أمريكي لمواصلة العدوان والحصار
محاولات لإظهار السعوديّة كضحية وتحميل صنعاء مسؤولية "تعثر السلام"
عمران نت – تقارير – 20محرم 1443هــ
مع إعلانِ تعيين المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، عاد الحديثُ عن “السلام” إلى الوَاجهة، لكن المؤشراتِ لا زالت تؤكّـدُ عدمَ وجود أية نوايا من قبل أطراف العدوان ورُعاته للوصول إلى سلام فعلي يفضي إلى إنهاء العدوان والحصار، فالمواقف الأممية والأمريكية الأخيرة أظهرت إصرارًا واضحًا على ترسيخ سياسة “الابتزاز” بالحقوق الإنسانية ولقمة العيش، وعبرت عن اصطفاف صريح مع تحالف العدوان، وهو الأمر الذي يؤكّـده الواقع أَيْـضاً، من خلال استمرار العمليات العسكرية العدوانية وتصاعد وتيرة الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني.
في جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن، كان للأمم المتحدة موقف جديد – قديم، أكّـدت من خلاله على استمرار الدوران في فلك تحالف العدوان ورُعاته الغربيين، وهو الأمر الذي يمكن أن يعتبر دليلاً على أن المبعوثَ الجديدَ لن يختلفَ عن سابقه في التعاطي مع المِلف اليمني.
الموقفُ الأممي الذي عبرت عنه إحاطة الأمين العام المساعد في إدارتي الشؤون السياسية وشؤون بناء السلام، وعمليات السلام، محمد الخياري، حرص على تكريس الدعاية الأمريكية السعوديّة التي تحمل صنعاء مسؤولية “عرقلة السلام”؛ لأَنَّ صنعاء -بحسب الخياري- “تشترط فتح موانئ الحديدة وتطالب بإنهاء العدوان والحصار” قبل مناقشة الحل السياسي، وهو ما يعني أن الأمم المتحدة ما زالت تدعم بوضوح مسار الابتزاز وربط الملف الإنساني بالملفات العسكرية والسياسية.
وأكّـد المسؤول الأممي هذا الموقف أَيْـضاً في تعاطيه مع الوضع العسكري، حَيثُ حرص على إظهار تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة البيضاء مؤخّراً، كـ”تطور خطير يهدّد الطرق الرئيسية المؤدية إلى مأرب”، متجاهلاً التصعيد الكبير والمعلَنَ من قبل تحالف العدوان والذي تبنَّته الولايات المتحدة في البيضاء، والذي جاءت عملياتُ الجيش واللجان ردًّا عليه.
كما ركزت الإحاطة الأممية على انتقاد عمليات الردع الصاروخية والجوية المشروعة التي تنفذها القوات المسلحة ضد العدوّ السعوديّ، واصفة إياها بأنها “تستهدف البنية التحتية البرية والبحرية” في المملكة، بينما تجاهلت بشكل فج الغارات الجوية المُستمرّة التي يشنها طيران العدوان على المحافظات اليمنية يوميًّا، في محاولة مفضوحة ومخزية لتقديم النظام السعوديّ كـ”ضحية”، وقلب الحقائق رأساً على عقب.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، لم تنسَ الإحاطةُ الأممية تلميعَ صورة الرياض وتقديمها كـ”وسيط سلام” بالقول: إنها “سهلت” المفاوضات بين حكومة المرتزِقة ومليشيات المجلس الانتقالي.
وتبنَّت الإحاطةُ الأممية نفسَ الموقف في ما يخص الوضع الاقتصادي، والذي تصعد فيه دول العدوان ومرتزِقتها، إجراءاتهم الكارثية لمضاعفة الأزمة المعيشية، حَيثُ غض المسؤول الأممي الطرف عن استمرار حكومة المرتزِقة بطباعة وتزوير العملة المحلية، الأمر الذي يمثل السبب الرئيسي لانهيار أسعارها في المناطق المحتلّة، كما تجاهل التداعيات الكارثية لقرار حكومة المرتزِقة بزيادة التعرفة الجمركية، وركز بالمقابل على “معارضة صنعاء والقطاع الخاص” لهذا القرار؛ باعتبَار أن المشكلة ليست في القرار وإنما في رفضه، وهو ما يؤكّـد على أن الأمم المتحدة تدعم وبوضوح تصعيدَ الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني.
وإلى جانب ذلك، تضمَّنت الإحاطةُ الأممية مغالطاتٍ كبيرةً وفاضحةً بشأن “الوقود”، وقد ردت شركة النفط بصنعاء على تلك المغالطات في بيان مفصل نشر سابقًا.
بالمحصلة، أكّـدت الإحاطةُ على أن الأمم المتحدة مُستمرّة في التواطؤ مع تحالف العدوان ورعاته بشكل كامل وفي مختلف الجوانب، ما يعني أن تعيين المبعوث الجديد، لا يبشّر بأي تغيير إيجابي في التعاطي الأممي مع ملف اليمن، بل ينذر بالمزيد من السلبية، وهو الأمر الذي لا يبدو مفاجئا لصنعاء التي كانت قد عبرت بوضوح عن أن قرار تغيير المبعوث لا يشكّل أيَّ فَرق؛ لأَنَّ المنظومة الأممية لا تعمل إلا في سياق خدمة دول العدوان، حسب تعبير رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام.
ويتضح هذا الموقف الأممي بشكل أكبر، عند مقارنته بالمواقف والتصريحات الأمريكية الأخيرة التي تحدثت عن “السلام” أَيْـضاً بعد تعيين المبعوث الأممي الجديد، حَيثُ يظهر تخادم واضح وانسجام كامل بين الأمم المتحدة وواشنطن، في دعم استمرار العدوان والحصار.
وفي هذا السياق، جاءت إحاطة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة، لتؤكّـد مجدّدًا على أن إدارة بايدن متمسكة بموقفها الذي بات مكشوفاً بالكامل، والذي يتمحور حول “ابتزاز” صنعاء لدفعها نحو الاستسلام، ومواصلة الحرب والحصار، مع استمرار “الضجيج” الإعلامي حول “وقف إطلاق النار” لخداع الرأي العام بأن هناك “تغييراً” في الموقف الأمريكي من اليمن.
غرينفيلد ركزت –بشكل غير مستغرَب- على جبهة مأرب، لتعبر عن القلق الأمريكي من سيطرة قوات الجيش واللجان عليها، متبنية الدعايات الزائفة لإعلام المرتزِقة حول قيام القوات المسلحة باستهداف أطفال ونساء في مدينة مأرب، كما كرّرت الاتّهام الأمريكي لصنعاء بعرقلة “السلام”، وبالمقابل زعمت أن السعوديّة ومرتزِقتها “أبدوا انفتاحاً كَبيراً على وقف إطلاق النار”، في محاولة ليست جديدة لتكريس الدعاية الرديئة التي تعتمدُ عليها إدارةُ بايدن للتهرُّبِ من المسؤولية، وتبريرِ استمرار العدوان والحصار، والتغطية على زيف وخواء إعلان بايدن عن “إنهاء الحرب ووقف الدعم للسعوديّة”.
وحرصت المندوبةُ الأمريكية بشكل واضحٍ على تجنب الحديث عن استمرار الغارات الجوية لتحالف العدوان، واستمرار الحصار، وتطرقت للوضع الاقتصادي بشكل خجولٍ وكأنه حدَثٌ طبيعي، بل زعمت أن عودةَ حكومة المرتزِقة إلى عدنَ ستسهمُ في “تحسين الخدمات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي”، في محاولة وقحة لـ”استحمار” الرأي العام والتضليل على الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية، وخُصُوصاً في المناطق المحتلّة.
إجمالاً، جدّدت المندوبةُ الأمريكية التأكيدَ على أن الموقف الأمريكي العدائي من اليمن لم يتغير، وأن واشنطن مُستمرّةٌ برفع وتيرة ومستوى الحرب الاقتصادية كعقابٍ جماعي؛ نتيجةَ استمرار فشلها في تحقيق مكاسبَ ميدانية، وفشلها في “ابتزاز” صنعاء بالمِلف الإنساني.
هذا أَيْـضاً ما عبّر عنه المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، خلال مقابلة مع موقع “اليمني الأمريكي” نُشرت الأسبوعَ الماضي، حَيثُ حاول أن يقدِّمَ تبريراتٍ إضافيةً للموقف الأمريكي الداعم لاستمرار العدوان والحصار، ومن تلك التبريرات أن “الولاياتِ المتحدةَ لها مصالحُ خَاصَّةٌ في اليمن”، وهو ما يناقض مبرّرَ “دعم حق السعوديّة في الدفاع عن نفسها” الذي تستخدمُه إدارة بايدن، وقد حاول ليندركينغ أن يغطِّيَ على هذا التناقض بالقول: إن “المصالح الأمريكية تتعلق بمواجهة القاعدة”!
ويبدو بوضوح من خلال كلام ليندركينغ أن إدارة بايدن باتت تدركُ تهالُكَ دعايات “وقف الحرب” وانكشافها، ولذلك تحاولُ بارتباك إيجادَ مبرّرات جديدةٍ لاستمرار الحرب، الأمر الذي يؤكّـد مجدّدًا على أن “السلام الأمريكي” لم يكن يوماً سلاماً حقيقيًّا.
أخيرًا، كُـلُّ هذه الدلائل الواضحة التي تكشفُ الانسجام الأمريكي الأممي في دعم مسار مواصلة العدوان والحصار، تؤكّـد صوابيةَ موقفِ صنعاء الثابت والمعلَن، والذي يرتكزُ على فصلِ المِلف الإنساني عن المِلفات العسكرية والسياسية، وضرورة إنهاء العدوان والحصار وإخراج القوات الأجنبية من اليمن، قبل الدخول في أي حَـلٍّ سياسي، بل تكشف أن هذا الموقفَ الثابتَ قد استطاع قطعَ طُرُقِ الخِداع أمام الأطراف الراعية للعدوان، وجعلها تبدو عاجزةً ومرتبكةً في وقتٍ تمتلكُ صنعاءُ الخياراتِ الفعَّالةَ لقلب الموازين.