ثورةُ الإمام الحسين.. الأهدافُ والإنجازات
نوال أحمد
في شهر محرم الحرام وَفي كُـلّ سنة هجرية جديدة، تهل علينا تأتي حاملةً معها ذكرى محزنةً وفاجعةً عظيمةً وحادثةً مؤلمةً، إنها ذكرى عاشوراء، ومأساة كربلاء، الذكرى التي بقدومها يتجدد معها الحزنُ والعزمُ مقترنَين، وتُحيِي الألمَ والأملَ معاً في قلوب كُـلّ أبناء وأحرار أمتنا الإسلامية.
إنها الذكرى التي تهيمن بجلالِها وعظمتِها ونورها وهُداها، وكذلك بتضحياتها ودموعها وآلامها ودمائها، إنها ثورةُ الإمَـام الحسين -عليه وعلى أهله وأصحابه الصلاةُ وَالسلام-، الثورةُ الخالدةُ في وجدان هذه الأُمَّــة الإسلامية؛ لما شملته من دروسٍ هامةٍ ومهمةٍ وعِبَرٍ عظيمةٍ يستلهمُها أهلُ الحق المؤمنون اليوم وهم في مواجهة مع أهل الباطل من طواغيت وجبابرة هذا العصر.
إن الإمَـام الحسين عليه السلام ثار لأجل بقاء الإسلام المحمدي بأصالته وجوهره؛ وَلأجل تحريكِ القرآن الكريم والعمل به في واقع الأُمَّــة، تحَرّك الإمَـامُ الحسين -عليه السلام-؛ لأَنَّه استشعر المسؤوليةَ أمام الله وحملها على عاتقِه، كما حملها أبوه المرتضى وجَدُّه المصطفى -عليهم جميعاً الصلاة والسلام- في نُصرةِ الدين وإقامة الحق ونُصرة المستضعفين والمظلومين، خرج هو وأهل بيته الأطهار لكشف حقيقة نفاق وظلم بني أمية الذين حلّلوا حرامَ الله وحرّموا حلاله، الذين أفسدوا وأجازوا فعل المنكر واستباحوا الحرمات وهم يتسترون بلباسِ الإسلام.
خرج الإمَـام الحسين دفاعاً عن الحق ومواجهة الباطل وَالحفاظ على أعراض الناس وشرفهم، وللإصلاحِ في أُمَّـة جده رسول الله للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثورة الإمَـام الحسين عليه السلام قامت على أَسَاس الأخلاق والمروءة، وغايتُها الإصلاحُ ورضا الله رب العالمين، فكانت جهاداً في سبيل الله؛ مِن أجلِ القضاء على الرذيلة ونشر الفضيلة.
ومن ثمار هذه الثورة الكربلائية المباركة إيقاظُ الناس من غفلتهم، وأحيت في قلوبهم روحيةَ البذل والعطاء والفداء لدين الله تعالى، وحوّلت ذلك الإيمان الأجوفَ والظاهري لدى الناس إلى إيمانٍ حقيقي في القلوب وعملي في مسيرة الحياة.
كانت الثورة الأولى والكبرى والحقيقية التي حقّقت أهدافَها ومنجزاتِها، فَكانت هي المدرسة التي علّمت الأُمَّــةَ دروساً هامةً ومهمة، بيّنت توجّـهاتها ومساراتها كيف تكون الحرية وكيف تقام العدالة وَكيف تنتصر المظلومية.
علمتنا كربلاءُ الإباءَ والشجاعةَ والعزة والكرامة ورفض الظلم ومجابهة قوى الطغيان والاستعمار، كربلاء علّمت أبناءَ الأُمَّــة أهميّةَ الإيمان والتقوى وَالتحلّي بالغيرة والشجاعة والتضحية، تعلمنا منها الصبرَ عند الشدائد والثبات على طريق الحق، فأحداثُ كربلاء تثيرُ في النفوس الحميةَ ضد الباطل وتعلّمها حُرمةَ الصمت إزاءَه، فهذه المعركة أثبتت أن الحقَّ والفضيلة والعدل والإيمان قادرٌ على دحر الظلم والكفر والمكر والطغيان، كما أن أصحابَ الإمَـام الحسين المخلصين الذين ناصروه وثبتوا واستبسلوا وجادوا بأرواحهم مِن أجلِ هذا الدين، هم الذين علّموا المؤمنين أفضلَ معاني الإيمان بالله والتضحية في سبيل الله، وهم من مهّدوا الطريقَ أمامَ انتصار هذه الشعوب، وأثبتوا أن النصرَ لن يكون إلا للمؤمنين رغم قلّة العدد والعدّة.