خطابُ صنعاء ومناوراتُ واشنطن
سند الصيادي
“أثبتوا نيّاتِكم في المِلف الإنساني، ثم أَوقفوا الغاراتِ وأنهوا الاحتلال، ونحن من جانبنا سنتوقّف، وجاهزون للسلام الحقيقي”، بهذه اللهجة المنحازة لمنطق السلام الحقيقي والصادق، خاطب السيدُ القائد دولَ تحالف العدوان، وتحت هذه المنطلقات حدّد خارطةَ الطريق وَرمى بالمخطّط على طاولة المعتدين والمجتمع الدولي وَالمبعوث الأممي الجديد.
والملاحَظُ أن صنعاءَ، على خلاف خصومها تماماً، لا تتعاطى في نواياها حول السلام من منطلقات وضعها العسكري في ميدان المعركة وبشكل مُجَـرّد من القيم والمبادئ التي تفرضها المسؤولية الوطنية وَالدينية وَالأخلاقية، وَإلا فَـإنَّ وصول الجيش واللجان الشعبيّة إلى مشارف مأرب وَحالة التعافي العسكري المتصاعد على المستوى المحلي والاستراتيجي كان كفيلاً بأن يفرضَ سَقفًا عاليًا لشروط صنعاء، كما هي نواميسُ الحروب والصراعات عبر التاريخ، غير أن مبادرةَ النقاط التسع وقبلها كُـلُّ البنود التي ظلت تطرحُها صنعاءُ لا توحي إلَّا بالانتصار للإنسان اليمني بجميعِ أطيافه وَمكوناته وَلمأرب تحديدا كمحور للمبادرة الأخيرة.
تعرفُ صنعاءُ أن الضجيجَ الدوليَّ حولَ مأرب ليس إلَّا نتيجةٌ لقلق المكاسب المفقودة والمخاسر المتوقَّعة وَالتي تدفع تحالفَ العدوان إلى تكرار محاولاته في كبح جماح الاندفاع الوطني بمطبات الإنسانية الزائفة والسلام المزعوم، ومع ذلك تتعاطى القيادةُ الثوريةُ بحُسن النوايا، وَتعيد التذكيرَ بذات النقاط، وَقبل ذلك تطالبُ بفصل المسار الإنساني عن بقية المسارات، كمطلبٍ مشروعٍ مستحقٍّ في ظل أية نوايا للعدو حرباً أَو سِلماً.
تتفنَّنُ صنعاءُ في فضح خصومها وَإحراج المجتمع الدولي على السَّواء، وذلك من خلال تصويبِ الانتهاكات الخطيرة لقواعدِ الحرب التي تشُنُّها أمريكا وَالسعوديّة، وتوظيفهم لكل الأدوات اللامشروعة، وَأَيْـضاً من خلال التراتبية الصحيحة وَالعميقة التي تقدمُها للحلول.
وهنا نتساءل: هل ستشكّل مبادرةُ صنعاء مخرجاً للتحالف السعوديّ من المستنقع؟ وهل قرارُ قبول أَو رفض المبادرة بيد الرياض؟!.
ومع أن كُـلَّ الدلائل تثبت أننا نواجهُ أمريكا بأدواتها الإقليمية التي باتت غارقةً في مستنقع أفعالها في اليمن، فَـإنَّ مدى شعور واشنطن بحجم المأزق الذي وضعت نفسَها وأدواتها فيه مقابلَ فشل سياسة الإملاءات وفرض الرُّؤى الأمريكية في النموذج اليمني، كُـلُّ ذلك كفيلٌ بتقريب فرص السلام، غير أن ما يجبُ أن تفهمَه واشنطن وَأدواتها بأن ما يمكن أن تقبَلَ به صنعاء اليوم لن تقبلَ به غداً.