أثر القنوات الفضائية في استهداف الهوية الإيمانية وطرق الحفاظ عليها

أ.زيد أحمد الغرسي

من السنن الثابتة أن هناك صراعاً دائماً بين الحق والباطل إلى أن تقوم الساعة، والباطل يسعى لاستخدام كل الوسائل والإمكانيات لمواجهة الحق خصوصاً في زماننا هذا الذي تطورت فيه وسائل الاتصال الحديثة كالتكنلوجيا والانترنت والفضائيات التلفزيونية والمجلات التي أصبحت بيد أي شخص في اي منطقة في هذا العالم.

والإعلام هو سلاح رئيسي واساسي يستخدمه الباطل في مواجهة الحق كما قال الله تعالى { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون} ” وفي آية أخرى تدلل على تركيز الباطل على الإعلام { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور } واستخدامهم للإعلام لتحقيق عدة أهداف منها تشويه طريق الحق والتشكيك في مسيرة الله وتنفير الناس عن هدى الله وتسخيرهم لخدمة قوى الطاغوت والاستكبار وتغيير المفاهيمهم الفطرية والإنسانية والقرآنية بما يحقق أن يكونوا جنوداً بيد أولئك المستكبرين ولذلك يعتبر اليهود أن الإعلام والصحافة أعظم سلاح بأيديهم لاستهداف الأمة كما ورد في بروتوكولات حكماء صهيون.

ومن هنا نجد سيطرة اليهود على الإعلام في العالم بما في ذلك القنوات العربية التابعة للأنظمة العميلة لأمريكا وإسرائيل ونجد مئات القنوات التلفزيونية التي تستهدف الأمة بمختلف تنوعاتها السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية وغيرها ..

هنا يعمل الأعداء على محاولة تغيير الهوية الإسلامية واستبدالها بثقافات دينية مغلوطة هي في الأساس من صنع اليهود والتكفيريين ولذلك نلاحظ تعدد القنوات بمختلف أشكالها فنجد هناك قنوات دينية وأخرى ماجنة وأخرى مسلسلات وغيرها رياضية ومثلها أفلام وغناء؛ يعني أنهم عملوا على تلبية كل الميولات لأي إنسان فمن لديه توجه ديني تستقطبه وتغير ثقافته القنوات الدينية التابعة لهم ومن له ميول المجون والفساد الأخلاقي يجد ذلك في قنوات المسلسلات والأفلام وغيرها حتى من له ميول لمتابعة الرياضة يستهدفونه بنشر الفساد الأخلاقي وهكذا لا يتركون أي مجال إلا وحاولوا أن ينفذوا منه لكل إنسان وهذا ما أدى إلى تمييع ثقافة الإسلام والقرآن واستبدالها بثقافات لا تنسجم معه هويتنا الإسلامية ولذلك نرى اليوم أن هناك ثقافات مغلوطة ومنحرفة أصبح يؤمن بها الكثير من أبناء الإسلام وهي تخالف القرآن الكريم كما نرى انتشار الإنحلال الأخلاقي وترك القيم والمبادئ بسبب تلك القنوات التي غزت الشعوب إلى بيوتهم حتى أصبح الكثير متأثراً بها وسأضرب بعض الأمثلة على تغير الثقافات والمبادئ في واقعنا كشعب يمني؛ فمثلاً أصبحت الفتيات يحاولن تقليد البطلات التي تظهر في المسلسلات ويحاولن الاقتداء بهن ظنا منهن انهن سيكن مثل تلك البطلة بينما يتم احتقار المرأة المحتشمة المحافظة على كرامتها وعفتها وطهارتها وأصبح البعض ينظر إليها بأنها متخلفة؛ أيضاً نلاحظ انتشار الفساد بشكل تدريجي في أوساط الشباب والشابات على مستوى اللبس غير المحشم وحلاقة الرأس وظهور بعض العادات التي أخرجت الرجل من رجولته وحشمته ومظهره الرجولي المعبر عنه؛ كما نلاحظ أن المسلسلات المصرية مثلاً خلقت قناعة لدى النساء بأن زواج الرجل من أمراءة ثانية وثالثة تعد جريمة وحاولت تلك المسلسلات المصريات إلى أن تصل بالبعض من النساء أن تقبل أن يزني زوجها؛ وهو ما يطلقون عليه “خيانة الزوج” ولا أن يتزوج زواجاً شرعياً؛ وهذا ما نلمسه في مصر وتونس والأردن وغيرها.

أيضا من الملاحظ أننا كيمنيين وجدنا في الآونة الأخيرة لهث بعض الشباب والشابات وراء ما تسمى الموضة لأنهم يريدون أن يقلدوا المشاهير الذين يتابعونهم في القنوات والإنترنت ومما زاد الطين بلة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي اليوم لدى كثير من أبناء الشعب اليمني بدون ضوابط وبدون وعي أو حذر أو حسن تعامل في كيفية الاستفادة منها لا السماح لها بتدمير النفوس والعقول بالثقافات والعادات الدخيلة…

ومن الغزو الذي قامت به تلك القنوات نرى اليوم أيضاً من يعتقد بالعلمانية لماذا ؟ لأنه متأثر بالإعلام الخارجي وبالقنوات والأفلام التي روجت لذلك؛ ولو تناقشه ستجده لم يبحث عن الإسلام بالشكل الصحيح ولا يوجد عنده وعي بمن يقف خلف هذه الأفكار وما مدى خطورتها في فصلنا عن هويتنا وتأريخنا الإيماني خاصة ونحن شعب الإيمان والحكمة كما قال رسول الله صلوات الله عليه واله «الإيمان يمان والحكمة يمانية».

للأسف أن البعض أصبح يتلقى تعليمه وثقافته ومعتقداته من وسائل إعلام أعداء الأمة ولا يوجد عنده أدنى جهد للبحث والإطلاع والعودة للثقافة القرآنية ولمبادئ الإسلام الصحيحية “وليست تلك التي شوها التكفيريون الوهابيون”.

وهذه أصبح لها تأثير سيء في واقع الفرد في أخلاقه وتعاملاته وملبسه ومبادئه وقيمه الفطرية والإسلامية وهذا بالتأكيد يمتد أثره إلى المجتمع ونرى الانحلال الأخلاقي والتفسخ من القيم وترك المبادئ مظاهراً لها في واقع البعض اليوم .

كما نرى أثرها السيء في ذهاب بعض اليمنيين مع دول العدوان كمرتزقة باعوا بلدهم وخانوا شعبهم وتخلوا عن إسلامهم وانخرطوا في صف العدوان الذي تقوده أمريكا وإسرائيل!! لماذا؟؟ إنها نتيجة التعبئة الفكرية الخاطئة التي تلقاها أولئك من وسائل إعلام الوهابية والتكفيريين ومن مناهجهم التعليمية إضافة إلى أسباب أخرى لا يسع المجال لذكرها..

ولذلك فإن طريق تغيير ذلك والتحصين من الثقافات المغلوطة والمنحرفة والعودة إلى ثقافتنا القرآنية وهويتنا الإسلامية يتطلب عدة أمور وحلول منها:-

– الوعي من كل إنسان بمخططات الأعداء وأساليبهم ومحاولاتهم في تغيير ثقافة الفرد المسلم وهذا سيجعل كل فرد منا يحذر منها وبالتالي لن ينخدع بها.

– أن نحرص على أن يكون مصدر ثقافتنا وتعليمنا هو القرآن وأعلام الهدى من آل بيت رسول الله وأن نرفض كل ما جاء من خارجهما أو أي تحريف أو تعطيل لهذه المصادر..

– التصدي للفكر الوهابي التكفيري الذي يسعى لطمس الهوية الإيمانية والإسلامية ليس في الشعب اليمني فقط بل في كل الشعوب العربية والإسلامية..

– التمسك بهويتنا الإيمانية ورفض أي عادات وتقاليد وأفكار دخيلة على هويتنا؛ لكن قد يرى البعض أن هذا تزمت وأنه غير منسجم مع حرية الناس!! أقول له هذا غير صحيح فالتمسك بالقيم والهوية الايمانية ليس تزمتاً في مقابل أن الانحلال وانتشار الفساد الأخلاقي هو مؤامرة تستهدفنا والطبيعي والمنطقي أن نتصدى لهذه المؤامرة والتصدي ليس تقييد للحريات بل حفاظاً للأعراض والكرامة؛ وأقول لهم خذوا تجربة اليابان التي منعت الغزو الثقافي على شعبها ومنعت حتى دخول بعض العادات والتقاليد الأوروبية ومنعت أي تأثر بالعادات والغزو الأمريكي لهم وحرصت على تعليم هويتهم للأجيال في المدارس لدرجة أنهم يضعون العَلَم الأمريكي أمام الطلاب في الفصول وعليه إشارة إكس كما أن العادات والتقاليد اليابانية يرفض المجتمع هناك التخلي عنها نهائيا بل ويعتز بها وكان ذلك أحد أهم أسباب التقدم الياباني على مستوى العالم فما بالكم بنا ونحن لنا هوية متميزة عن بقية شعوب العالم وهي الهوية الإيمانية التي ينظر البعض إليها أنها سبب التخلف وهذا غير صحيح فإذا أردنا التقدم والاستقلال والكرامة فلن تكون إلا بالتمسك بهويتنا ولنا أمثلة كثيرة كاليابان وماليزيا والصين وأدعُ القراء الأعزاء إلى البحث في ذلك وسيجدون كلاما هاماً لا يسع المجال لذكره هنا..

– ضرورة الاهتمام الرسمي من قبل الدولة في إعادة هويتنا الإيمانية بكل الوسائل المختلفة عبر المناهج والإعلام وغيرها وتعزيزها في نفوس الأجيال ونطالب الدولة بالاهتمام بشكل أكبر في هذا المجال على المستوى القريب والاستراتيجي..

– إحياء القيم والمبادئ والأخلاق التي حاول النظام السابق طمسها كالشجاعة والنجدة ونصرة المظلوم والشهامة والكرم والجود والغيرة للدفاع عن العرض والأرض وتخوين كل من يسعى في ركب أعداء الأمة والتطبيع معهم..

مقالات ذات صلة