مسكُ الختام للمراكز الصيفية
خلود الشرفي
أجواءٌ روحانية تكللت بمساعي الخير والفلاح، في دروب العز قام بها نخبةٌ من الأساتذة والأُستاذات الأفاضل في رحاب العِلم الشريف، والمعرفة الحقة، وفي إطار تنمية مواهب الطلاب، وترسيخ الهُدَى والبصيرة في عقولهم الناشئة، وقلوبهم الصافية التي لم تعكر فطرتها الأفكار المنحرفة للتكفيريين ومن شاكلهم.
ولا شك أن للمراكز الصيفية دوراً كبيراً وَفعالاً ومثمراً في تنمية مدارك الطلاب والطالبات وتعزيز مواهبهم، وَتوجيهها التوجيه الصحيح بما يضمن إنشاء جيل واعٍ متسلح بالعزم والإيمان، لا تهزه الريح، ولا تهون عزمه الصعاب..
إن المراكز الصيفية محطة مهمة في حياة العلم والتعليم، وهي فرصة عظيمة لتأهيل الأجيال وتحصينهم من الثقافات المغلوطة والأفكار المنحرفة؛ مِن أجلِ بناء جيل واعٍ، يفهم أهميّة هذه المرحلة وحساسيتها.. ويؤمن كُـلّ الإيمان بأن الدين والأخلاق هما الحصن الحصين لأبناء الوطن رجالاً ونساءً من الوقوع في مهاوي الفكر المنحرف، والأعمال الشاذة والعياذ بالله..
وبالطبع فَـإنَّ للمراكز الصيفية هذا العام طابعها التنموي المتميز والمثمر والبناء، ولها عدة محطات ورحلات في رحاب الفكر البديع، والإبداع الخلاّق.
ومن ذلك ما قامت به المراكز الصيفية من زيارة للجامع الكبير بصنعاء.. وهناك حَيثُ الأنوار المحمدية المباركة، والأجواء العلوية البديعة، لقد كان عبق التاريخ وفنه وأصالته يفوح في الأرجاء..
مشاهد تأخذ بالألباب في رحاب الهدى والطهر والفلاح، فما نرى هناك خللاً ولا فللاً، وما رأينا إلَّا مصليا أَو مبتهلا، أَو قاعدا يتلو آيات القرآن الكريم في خشوع وتبتل، قد كساهم الله بنور الإيمان والهيبة والمهابة في عيون الزائرين، فلم نجرؤ على الكلام معهم، ولم ترغب في اشغالهم عن أعمالهم القدسية وأورادهم النورانية.. فقط مكثنا برهة نتأمل بصمت وهدوء..
ولعل أكثر المشاهد روعة وإثارة وقدسية في الجامع الكبير هي تلك الطاولة الزجاجية الفخمة، أَو فلنقل ذلك الدولاب الزجاجي المصمت الفاخر والذي يحتوي كتاب الله العظيم القرآن الكريم بخط الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ذلك الكتاب العظيم الذي خطه الإمام علي بيده الشريفة بأمر من رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.
ومما يلفت الأنظار، ويصيب القلوب بالدهشة والانبهار، أن هذا المصحف الشريف ملطخ بالدم القاني، تلك هي دماء الشهداء الأطفال عبد الرحمن وقثم ابنَي عبيد الله بن العباس رضي الله عنهم، اللذين ذُبحَا ظلماً وعدواناً، حتى لقد أصاب أمهم الجنون لهول الفاجعة، وعظم الكارثة..
تلك الدماء الزكية التي سُفكت ظلماً وعدواناً من قبل الطاغية المجرم معاوية بن أبي سفيان وأزلامه..
وإن الإنسان ليتعجب كيف أن ذلك المصحف الشريف ما زال باقيا إلى اليوم وقد مرّ عليه مئات السنين، بل ما تزال آثار الدم الطهور بادية عليه بكل وضوح، وَلعل حكمة تكمن في ذلك، وليعرف الناس كيف كان ذلك الحكم الأموي المتوحش، وأُولئك المتسلطون المجرمون الذين حكموا رقاب الناس وسفكوا دمائهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله..
لنعلم أن الفكر الداعشي والتكفيري ليس جديدًا، وإنما كان معاوية بن أبي سفيان هو المؤسّس الأول لهذا الفكر الإرهابي، وأفعاله هي أفعال داعش ذاتها..
ويكفي ما فعله ابنه السكير العربيد يزيد بريحانة الرسول الأكرم صلوات الله عليه وَآله في كربلاء..
إن قتل الأطفال والتلذذ برؤية جثثهم المتفحمة وأشلائهم المتناثرة هي لذة أُولئك المجرمين وأمنيتهم المفضلة..
ولمَ لا؟! وهم الذين كرهوا نور الإسلام، واستكبروا عن قبول الحق، ولولا أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- عفا عنهم لتأليف قلوبهم لكانوا في عداد المنسيين، وَلأتت عليهم الطاماتُ ولكنه صلوات الله عليه وآله قال لهم بكلمة تحوي ألف معنى ومعنى، لقد قال لهم “اذهبوا فانتم الطلقاء”.
إن كُـلّ ما تحدثنا عنه إنما هو غيض من فيض، المراكز الصيفية، وفوائدها العظيمة التي تجعل الأجيال يفرقون بين الحق والباطل، ويتسلحون بمعالم المسيرة القرآنية التي هي مسيرة نور وحق وعزة وكرامة، وليعرف الأجيال والطلاب منهم بوجه خاص أن أمريكا وإسرائيل الذين نهتفُ بالعداء لهم، وهو موقفٌ حكيم، ولم يأتِ عدانا لهم من فراغ.. إنما القرآن الكريم يحكي عنهم ويأمرنا بمعاداتهم، والدماء الطاهرة على المصحف الشريف تحكي ظلمهم وسفكهم للدماء وتجرؤهم وارتكابهم المحرمات.. والمراكز الصيفية كذلك تحكي كيف نواجه هؤلاء المجرمون، كيف لنا أن نصبحَ بقدر المواجهة معهم، كيف لنا أن ننتصر على أعدائنا، ونبني أنفسنا ونبني الأوطان.